خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

تنظيم خطر ولد من رحم القتل والخراب والتدمير

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»
TT

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

خبير أميركي في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»: «قاعدة خراسان» لا تتضاءل بسبب نفوذ «داعش»

نسلط الضوء هذا الأسبوع على جماعة «قاعدة خراسان» المتطرفة، وعن علاقاتها مع تنظيم القاعدة ومتفرعاته وأمثالها، ويساهم في بناء صورة أوضح عن الجماعة بول كروكشانك، الخبير الأميركي ومحلل شؤون الإرهاب لدى محطة تلفزيون «سي إن إن»، والزميل في شؤون القانون والأمن بجامعة نيويورك، والدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات في العاصمة البريطانية لندن والباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية.

يقول بول كروكشانك، الخبير الأميركي ومحلل شؤون الإرهاب لدى محطة تلفزيون «سي إن إن» لا يوجد دليل يؤكد لي وجود انقسام بين «القاعدة» وجماعة «قاعدة خراسان» في سوريا. ويشرح أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تعتقد أن لـ«قاعدة خراسان» علاقات وثيقة بـ«جبهة النصرة»، وأن الجماعة، وإن كانت تتمتع بقدر من الاستقلالية، فهي مرتبطة بـ«النصرة» من دون أن تكون تابعة لها. كذلك يعتقد أن «قاعدة خراسان» لها علاقات بعدد من الجماعات السنّية المتطرفة حاليًا داخل سوريا، كما تسعى إلى التقاط «المواهب» بين المقاتلين الغربيين هناك لاستخدامهم في عمليات ضد الغرب.
كروكشانك أكد في الاتصال الهاتفي الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» أنه لا يعتقد بوجود فاصل بين «القاعدة» و«(قاعدة خراسان) بل هما وجهان لعملة واحدة عنوانها الإرهاب والخراب والتدمير».
وقال ردا على سؤال بخصوص أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، الذي ترددت معلومات عن أنه أصيب إبان غارات التحالف الدولي، قائلاً: «على الرغم من ورود تقارير تفيد بإصابة البغدادي، ليس لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات مؤكدة عن إصابته. وعلى الرغم من التكهنات المتداولة عبر وسائل الإعلام، فإن الافتراض القائم هو أنه ما زال على قيد الحياة ويقود تنظيم داعش».
وحول ما يتردد عن تراخي قبضة «داعش» على سوريا والعراق بفعل غارات التحالف الدولي، قال كروكشانك: «ما زال تنظيم داعش يسيطر على جزء كبير من الأراضي داخل العراق وسوريا، على الرغم من خسارته الكثير من المدن والبلدات حول بغداد وتكريت وعين العرب (كوباني). إنه ما زال يسيطر على مساحات شاسعة من محافظة الأنبار بغرب العراق، كما أنه يضع القوات العراقية تحت ضغط شديد في مدينة الرمادي. وأردف: «يبدو أنه ليس من المحتمل أن تتمكن القوات العراقية من استعادة مدينة الموصل في القريب العاجل، بل قد لا يتحقق ذلك إطلاقا هذا العام».
واستطرد: «ينظر كثير من السنّة إلى الجيش العراقي باعتباره جيشًا يسيطر عليه الشيعة، وخصوصا، بعد ورود تقارير وإشاعات عن جرائم حرب ارتكبها المسلحون أثناء العمليات في تكريت».
وحول وجود «داعش» على الأرض، قال كروكشانك: «لا يوجد داخل سوريا قوات مضطلعة بقتال داعش على الأرض بشكل كبير، بينما تمكن التنظيم من فرض وجوده في الكثير من البلدان الأخرى، فمقاتلو «داعش» المتمرسون عادوا إلى ليبيا ومصر لتأسيس جماعات تابعة للتنظيم الرئيس. أما تنظيم داعش في اليمن، فعلى الرغم من صغر حجمه مقارنة بـ«القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، فإنه يستغل الاضطرابات التي تشهدها اليمن لبناء تنظيم أكبر له هناك». وتابع: «وإذا استمرت الأوضاع الحالية على ما هي عليه الآن، فإنه من المرجح أن يواصل تنظيم داعش التمتع بنفوذ كبير في هذه المناطق لمدة طويلة من الفترة المتبقية من العقد الحالي».
ثم سألناه عمّا يتردد من أن نفوذ جماعة «قاعدة خراسان»، أو «التنظيم الأم» الذي يقوده أيمن الظواهري، يتضاءل بسبب فورة «داعش» على الأرض في سوريا والعراق، فأجاب: «لا، لا أوافق على أن قوة تنظيم القاعدة آخذة في التضاؤل؛ فعلى الرغم من اضمحلال نفوذ القاعدة بصورة كبيرة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان وخسارته أسماء مؤثرة مثل آدم غادان (أو عزام الأميركي)، وأحمد الفاروق، يمكننا القول إن قوته تتعاظم في العالم العربي. ويفرض (القاعدة في شبه الجزيرة العربية) سيطرته على أراضي في مدينة المكلا ومناطق أخرى من حضرموت في اليمن، في حين تستحوذ (جبهة النصرة)، التي تعد بمثابة (المركز الرئيسي الجديد للقاعدة)، على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا، وخصوصا في محافظة إدلب، شمال غربي البلاد».
الجدير بالذكر أن «تنظيم قاعدة خراسان» الإرهابي في سوريا عاد للظهور مجددًا مع تدفق عشرات الإرهابيين الأجانب إلى البلاد، بهدف الانضمام إليه، وذلك على الرغم من الادعاءات الأميركية السابقة باستهدافه عبر الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن مع بدء الولايات المتحدة غاراتها الجوية على مواقع الإسلاميين المتشدّدين في سوريا، ظهر إلى الواجهة اسم «جماعة قاعدة خراسان»، التي قالت عنها واشنطن إنها الأخطر على مصالحها، فما هذه الجماعة وما أهدافها واستراتيجيتها؟
أخذت جماعة «قاعدة خراسان» الصيت الإعلامي مباشرة بعدما ذكرها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالاسم في كلمة ألقاها في أول يوم من بدء الضربات الجوية الأميركية التي تستهدف التنظيمات المتطرفة في سوريا. كذلك أعطى ويليام مايفيل، مدير العمليات لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، تفاصيل مقتضبة عن هذه الجماعة التي لم تكن معروفة من قبل على الأقل إعلاميا، موضحا أن التقارير الاستخباراتية أشارت إلى أن المجموعة كانت في المراحل الأخيرة من التخطيط لتنفيذ هجمات كبيرة ضد أهداف غربية، وربما داخل أراضي الولايات المتحدة.
فما هذه الجماعة؟ وما أهدافها؟ ولماذا جرى الإعلان عنها في هذا الوقت بالذات؟
يقول الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن والباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، لـ«الشرق الأوسط» شارحًا: «أصل التسمية يعود إلى خراسان، المركز الرئيسي لـ(قاعدة الجهاد)، لكي تكون مميزة عن (القاعدة في شبه القارة الهندية)، وكذلك (قاعدة اليمن) و(القاعدة في المغرب الإسلامي) و(القاعدة في دولة العراق والشام)، التي انفصلت لاحقا وأسست ما بات يُعرف بـ(داعش)، إلى أن تبرأت (القاعدة) من (داعش) وأفعاله في بيان شهير العام الماضي قبل إعلان (دولة الخلافة) بزعامة أبو بكر البغدادي في الأول من رمضان 1435 هجرية».
وأردف السباعي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أن خراسان منطقة غير محددة المعالم جغرافيًا اليوم. وهي تشمل في أدبيات المتطرفين في باكستان وأفغانستان وإيران وبلوشستان إلى حدود نهر جيحون. وأضاف السباعي: «تسمية قاعدة الجهاد في خراسان هي من باب التمويه أيضًا، وهي بيانات تصدر عن القيادة المركزية لـ(القاعدة) تحمل اسم (قاعدة خراسان). ويعتقد على نطاق واسع أن التنظيم يضم شخصيات بارزة في تنظيم (القاعدة) الإرهابي، ومنهم إرهابيون قاتلوا سابقًا في أفغانستان وانخرطوا في صفوف تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي في سوريا».
وبينما كانت أنظار العالم متّجهة خلال الأشهر الماضية إلى «داعش» لما أظهره هذا التنظيم الإرهابي من قوة التوسّع السريع على الأرض، والجرائم البشعة التي ارتكبها بحق المسيحيين والإيزيديين في شمال العراق، وكذلك إلى التحالفات الدولية للقضاء عليه، كانت الاستخبارات الأميركية تقيّم حجم الخطر الذي قد يشكله هذا التنظيم على مصالحها ومصالح حلفائها، ومقارنته بجماعات متطرفة أخرى.
ويظهر أن الاستخبارات الأميركية توصلت إلى قناعة مفادها أن جماعات صغيرة، كجماعة «قاعدة خراسان» أخطر من «داعش»، إذ قال بن رودز نائب مستشار الرئيس باراك أوباما للأمن القومي، للصحافيين: «لبعض الوقت كانت واشنطن ترصد مؤامرات تدبرها جماعة خراسان.. نعتقد أن مؤامرة لشن هجمات كانت وشيكة. كانت لديهم خطط لشن هجمات خارج سوريا».
ومنذ بدء التنافس العلني بين «القاعدة» و«داعش» قبل سنة، واصل «داعش» انتزاع زمام القيادة من فروع «القاعدة»، فأقدم (مثلاً) أفراد من تنظيم «القاعدة المركزي» مع عناصر منشقة عن حركة طالبان الأفغانية والباكستانية على مبايعة أبو بكر البغدادي في منطقة العمليات التاريخية لتنظيم القاعدة المركزي.
وفي سوريا، يوجد حاليًا تنظيم يُعرف باسم «تنظيم خراسان»، وهو من كوادر مقاتلي «القاعدة» المخضرمين من أفغانستان وباكستان، الذين سافروا إلى سوريا للانضمام إلى «جبهة النصرة».
ووفق مسؤولين أميركيين، فإن مسلحي «خراسان» لم يذهبوا إلى سوريا لقتال الرئيس السوري بشار الأسد، بشكل رئيسي، بل أرسلهم زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري لتجنيد أوروبيين وأميركيين تسمح لهم جوازات سفرهم بركوب طائرات أميركية بتدقيق أقل من قبل المسؤولين الأمنيين.
أيضا أكدت تقارير استخباراتية أميركية سرّية، أن مسلحي «تنظيم خراسان» يعملون مع صانعي قنابل من فرع «القاعدة في اليمن»، وذلك لاختبار طرق جديدة لتمرير متفجرات من أمن المطارات. والخوف يكمن الآن في أن يعطي مسلحو «تنظيم خراسان» هذه المتفجرات المتقدمة إلى المجنّدين الغربيين الذين قد يتمكنون من التسلل إلى الطائرات التي تقوم بالرحلات الجوية المتجهة إلى الولايات المتحدة.
ومن المعروف أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما قالت إن تنظيم داعش الذي استهدفته الولايات المتحدة بأكثر من 150 غارة جوية لا يشكل تهديدًا وشيكًا للولايات المتحدة، بل يعتبر «تنظيم خراسان» الذي لم تستهدفه الغارات الأميركية، مصدر تهديد أكبر. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أنه بسبب المعلومات الاستخباراتية عن التعاون فيما بين «تنظيم خراسان» وصنّاع القنابل في «قاعدة اليمن» والمتشدّدين الغربيين، فإن إدارة أمن النقل قرّرت في يوليو (تموز) الماضي حظر نقل الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة على الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة والآتية من أوروبا والشرق الأوسط.
وتظهر خطة «تنظيم خراسان» مع فرع «القاعدة في اليمن» أنه على الرغم من الدمار الذي سببته سنوات من ضربات الطائرات من دون طيار (الدرون) لقيادة «القاعدة» في باكستان فإن التنظيم ما زال قادرًا على تهديد الغرب. ووفق المعلومات المتوافرة، جدّد «القاعدة» شبابه في العام الماضي، مع نمو فروعه قوة وعددًا، كما أنه تعزز بطوفان من المتشدّدين الغربيين الذين وجدوا مأوى إرهابيًا جديدًا وآمنًا خلفته الحرب الأهلية السورية. وحاليًا يعرب مسؤولو الاستخبارات صراحةً عن بالغ قلقهم إزاء انضمام العشرات من الأميركيين ومئات من الأوروبيين للقتال مع مختلف الجماعات المتطرفة في سوريا.
وفي هذا السياق، قال نيكولاس راسموسن نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، للجنة من مجلس الشيوخ الأميركي: «تظهر جهود التنظيم المتكررة إخفاء عبوات ناسفة لتدمير طائرة، سعيه المستمر لشن هجمات عالية المستوى ضد الغرب، ووعيه المتزايد لإجراءات الأمن الغربية وجهوده للتكيّف مع هذه الإجراءات التي نتبناها».
وكشف جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن تنظيمًا من مسلحي «القاعدة» الأساسيين من أفغانستان وباكستان كانوا يخطّطون لهجمات ضد الغرب في سوريا. لكن «تنظيم خراسان» المتصل بتنظيم «القاعدة في اليمن» الذي تعتبره الولايات المتحدة التهديد الإرهابي الأكثر خطورة، لم يسبق الكشف عنه.
وقد حدد مسؤولون أميركيون بعضًا من أفراد «تنظيم خراسان»، لكنها لم تكشف عن أسماء الأفراد بسبب مخاوف من أنها قد لا تستطيع جمع معلومات استخباراتية أخرى مفيدة.
ومن أبرز الشخصيات التي تنسب إلى هذا التنظيم، إبراهيم العسيري، الملقب بـ«أبو صالح»، وهو من مواليد أبريل (نيسان) 1982 في الرياض، وله أربعة أشقاء وثلاث شقيقات. ولقد انضم عام 2007 ومعه شقيقه الأصغر عبد الله، إلى تنظيم «القاعدة في اليمن»، ثم برز كخبير في صناعة المتفجرات، بعد اندماج جناحي «القاعدة» اليمني والسعودي، ليشكّلا تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
ويشكل العسيري راهنًا كابوسا لمسؤولي النقل الجوي وأجهزة الأمن الدولية. وفي حين أعلنت واشنطن تعزيز إجراءات الأمن في بعض مطارات أوروبا والشرق الأوسط التي ينطلق منها مسافرون إلى الولايات المتحدة، تتركز الأنظار على جنوب اليمن ومحافظاته الخاضعة لهيمنة قبائل معادية للسلطة المركزية، حيث يفلت إبراهيم العسيري منذ سنوات من الطائرات الأميركية من دون طيار (الدرون) التي حاولت مرارا القضاء عليه. ويرى مسؤولون أميركيون، من دون كشف أسمائهم، أن العسيري الذي أفلت مرارا من الغارات، وقيل مرارا إنه قتل، قد يكون قد درّب فريقًا من الأنصار المستعدين، لأن يحلوا محله في حال موته.
ويعتقد أن العسيري هو من صنع قنبلة الملابس الداخلية التي حاول عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة ركاب بها في مدينة ديترويت الأميركية خلال ديسمبر (كانون الأول) عام 2009.
ويعتقد أن العسيري كان أيضا من صنع القنابل (المخبأة في الطابعة) التي وضعت على طائرات الشحن المتجهة إلى الولايات المتحدة في عام 2010، والقنبلة التي كانت من المقرر تفجيرها على وكالات الاستخبارات السعودية وبريطانيا، والولايات المتحدة في 2012.
وفي هذا السياق، نشير إلى أن وتيرة العمليات الانتحارية لـ«القاعدة» كانت في تزايد مستمر، ففي ديسمبر 2009، حاول النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية بقنبلة مخبأة في ملابسه الداخلية، لكنها لم تنفجر، مما ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في التعرّف على بصمة إبراهيم العسيري الموجودة على القنبلة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول)، عُثر على طردين، كل منهما يضم عبوات حبر للطابعات، محشوة بالمادة المتفجرة نفسها، وذلك على متن طائرتين في طريقهما من اليمن إلى شيكاغو في الولايات المتحدة. وتم اكتشاف القنابل بعدما توقفت الطائرتان في مطار إيست ميدلاندز في بريطانيا.
وفي أبريل 2012، اكتشفت «سي آي إيه» نسخة من قنبلة الملابس الداخلية، لكن من دون معادن، خلال عملية تفتيش مباغتة.
وهنا يظل السؤال المطروح: هل تستعيد «القاعدة» دورها في العراق والشام عبر جماعة «قاعدة خراسان»، في ظل تأييدها ضرب «داعش»، من قبل القوات الدولية، بطرف خفي؟ ففي آخر بيانات القاعدة ألقت باللوم على «داعش»، معتبرة إياه السبب الرئيس في دخول هذه القوات إلى الأراضي الإسلامية، ثم أنها كثيرًا ما تتهم «داعش» بأنه «صنيعة أميركية للاستيلاء على الأراضي الإسلامية تحت اسم محاربة الإرهاب».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.