عام على اغتيال لقمان سليم... وعائلته لا تزال تنتظر العدالة

عثر على سليم (58 عاماً) مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية بالجنوب اللبناني (أ.ف.ب)
عثر على سليم (58 عاماً) مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية بالجنوب اللبناني (أ.ف.ب)
TT

عام على اغتيال لقمان سليم... وعائلته لا تزال تنتظر العدالة

عثر على سليم (58 عاماً) مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية بالجنوب اللبناني (أ.ف.ب)
عثر على سليم (58 عاماً) مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية بالجنوب اللبناني (أ.ف.ب)

بعد عام من اغتياله داخل سيارته في جنوب لبنان، لا تزال عائلة لقمان سليم، الباحث والناشط السياسي المعارض بشراسة لـ«حزب الله»، تنتظر تحقيق العدالة في بلد يحفل تاريخه باغتيالات سياسية وبثقافة الإفلات من العقاب.
داخل دارة عائلته في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل أيام من إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتله، قالت زوجته مونيكا بورغمان لوكالة الصحافة الفرنسة: «الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أننا نحتاج حقاً إلى العدالة من أجل لقمان»، مضيفة: «لا يمكن أن يقتل على هذا النحو، من دون حصول مساءلة وتحقيق العدالة، لأن غيابهما يعني منح الضوء الأخضر للقتلة، أياً كانوا، للاستمرار في جرائمهم».

في 4 فبراير (شباط) 2021، عثر على سليم (58 عاماً) مقتولاً برصاصات عدة داخل سيارته في قرية بالجنوب، غداة بلاغ من أسرته حول فقدانها الاتصال به أثناء عودته من زيارة صديق له في المنطقة التي تعد من أبرز معاقل «حزب الله»، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد.
وأثار اغتيال سليم، الناشط السياسي الجريء في التعبير والباحث الذي أنهمك بتوثيق ذاكرة الحرب الأهلية (1975 - 1990) وتعزيز قيم المواطنية والمساواة، صدمة في لبنان. ونددت به الأمم المتحدة ودول غربية عدة شارك سفراؤها في مشهد نادر في مراسم تأبين أقيمت في دارته في حارة حريك، بعد أسبوع من مقتله.
وعرف سليم المولود لأب كان محامياً لامعاً وأم مصرية باحثة وصحافية، بمواقفه المعارضة لـ«حزب الله». ورغم انتمائه إلى الطائفة الشيعية بالولادة، كان علمانياً ومتمرداً على السياسات التقليدية ورافضاً للطائفية. وفي الكثير من مداخلاته التلفزيونية قبل اغتياله، اعتبر أن «حزب الله» يأخذ لبنان رهينة لإيران. وتحدث في إحدى آخر إطلالاته عن علاقة للنظام السوري بنيترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت قبل انفجارها في 4 أغسطس (آب) 2020.
حتى اليوم، لم تتبلغ عائلته أي جديد عن مسار التحقيق القضائي في بلد لم تبلغ فيه التحقيقات في عشرات الاغتيالات خواتيمها. حتى التحقيق في انفجار المرفأ، ثالث أكبر انفجار غير نووي في العالم، معطل منذ أشهر ويثير انقساماً سياسياً وطائفياً وبين المراجع القضائية ذاتها.
وأوضح مصدر قضائي للوكالة أن التحقيق ما زال في «طور جمع المعلومات». وأضاف: «سطر القضاء استنابات إلى الأجهزة الأمنية لإجراء تحقيقات أولية وجمع أدلة، وقد تسلم أجوبة على بعضها لكنها لم تقدم المعلومات المطلوبة ولم يتمكن من الإمساك بخيط مهم حتى الآن».
وقالت بورغمان، اللبنانية الألمانية ومخرجة أفلام وثائقية ومديرة جمعية «أمم» للأبحاث والتوثيق التي أسستها العائلة، إن «التحقيق لم يغلق لكن لم يتم توقيف أحد، ولا نعلم حقاً إلى أين نتجه». وعما إذا كانت تعلق آمالا على التحقيق، أجابت: «لا أعلم حقاً لكن لدي شكوك».
وتتمسك بورغمان بمطلب إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، في خطوة تدرك أن دونها عقبات، لكنها تعتبر أن دعم مقررين خاصين تابعين للأمم المتحدة للقضية سيشكل علامة فارقة.

ودعا ثلاثة خبراء دوليون في حقوق الإنسان في جنيف في 22 مارس (آذار) الحكومة إلى ضمان «استقلالية ونزاهة التحقيق»، وإلى النظر في «طلب مساعدة تقنية دولية للتحقيق في مقتل سليم».
ووجه سياسيون وإعلاميون أصابع الاتهام في الاغتيال إلى «حزب الله». وقالت العائلة إن الحزب هدد سليم أكثر من مرة أبرزها في ديسمبر (كانون الأول) 2019، حين تجمع أشخاص أمام منزله في حارة حريك مرددين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على سور حديقته بينها «حزب الله شرف الأمة» و«المجد لكاتم الصوت».
وحمل سليم آنذاك الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله ورئيس حركة «أمل» نبيه بري (رئيس البرلمان) مسؤولية ما جرى و«ما قد يجري» له ولعائلته ومنزله.
وتطالب العائلة بالاقتصاص من القتلة. ولا تسمي «حزب الله»، في خطوة تقول بورغمان إنها نابعة من «قرار سياسي». وقالت: «بالتأكيد لدي رأيي الشخصي حول من يقف خلف ذلك، ولقمان قالها بنفسه، لكن بالنسبة لي لا يكفي توجيه أصابع الاتهام إلى أي أحد (...) بل نحتاج إلى إثباتات ونريد مساءلة». وأضافت: «بعد ذلك، آمل أن يدخل (...) من أعدموا لقمان ومن أصدروا الأوامر بذلك إلى السجن».
لكن تاريخ لبنان، البلد الذي يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة، يحفل باغتيالات طالت سياسيين ومفكرين ورجال دين وإعلاميين، لم يحاسب منفذوها.
وأحصت شركة «الدولية للمعلومات» للأبحاث والإحصاءات 220 اغتيالاً ومحاولة اغتيال منذ استقلال لبنان عام 1943 حتى اغتيال سليم. وحال النقص في الأدلة حيناً أو التدخلات السياسية في عمل القضاء دون جلاء الحقيقة والكشف عن الفاعلين في العديد منها.
ولأن معرفة من يقف خلف الاغتيالات يجب أن يشكل «حقاً عاماً»، تنكب مؤسسة تحمل اسم لقمان سليم أسستها عائلته بعد مقتله على دراسة الاغتيالات السياسية وتحليلها، في لبنان ودول المنطقة.
وتقول الباحثة ومديرة المؤسسة هناء جابر للوكالة: «كان للاغتيالات السياسية في المجتمعات العربية دور كبير بإحكام السيطرة على الحياة السياسية».
وتابعت: «الحواجز الوهمية التي توضع أمام الفنانين والمفكرين والشعراء والفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع، تجعل المجتمعات تخاف من التفكير ومن إنتاج مشاريع سياسية بديلة ومشاريع مجتمعية وثقافية بديلة» لطالما كان سليم من أبرز روادها.
وستحاول المؤسسة، وفق جابر، أن تسهم في «فك عزلة من يتعرضون للتهديد» عبر منحهم «أدوات تمكنهم من فهم ما يحدث وأن تعمل على الحؤول دون أن تشعر العائلات التي تعرض أحد أفرادها لاغتيال بأن لا عدالة». وختمت: «علينا أن نؤمن بالعدالة حتى تحدث».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.