لم يكن بالحسبان يوما أن قنطرة صغيرة عائمة أنشئت لتوصل بين ضفتي نهر الفرات ستحظى بشهرة الجسور العالمية وتسرق الأضواء منها بعدد الأشخاص الذين عبروها خلال يوم واحد، وهذا ما حدث مع جسر «بزيبز» البدائي الذي سجل عبور أكثر من 250 ألف شخص خلال 24 ساعة فقط.
واكتسب جسر بزيبز (27 كيلومترا) غرب بغداد، الذي أنشئ على غرار الجسور العائمة في ستينات القرن الماضي، اسمه من اسم المنطقة المحيطة به حيث يوجد في نهر الفرات، وتحديدا في هذه المنطقة من النهر أسماك كبيرة تسمى في العراق بسمك البزن لكبر حجمها وتصغيرا بزيبز وكثر صيادو هذه الأسماك هناك وأطلقوا اسم السمك على الجسر.
«الشرق الأوسط» رصدت عند جسر بزيبز حالات النزوح اليومي وما يدور من ممارسات ترافق هذه الحالات حيث يتوافد أصحاب عربات خشبية يقودها بعض الشباب وجدوا من خلال توافد النازحين من الأنبار بالآلاف فرصا للعمل بنقل كبار السن في تلك العربات الخشبية وقال أحد العاملين على هذه العربات «نقوم بحمل الشخص لمسافة كيلومتر واحد لقاء مبلغ 10 آلاف دينار (8 دولارات) نقتسمها مع أحد أفراد الشرطة الذي سمح لنا بالعمل هنا».
صباح كرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» «بعد المضايقات التي حصلت لنازحي الأنبار عند دخولهم إلى العاصمة بغداد وتحديدا عن معبر بزيبز غربي العاصمة شكلنا لجان كخلية أزمة في مجلس محافظة الأنبار تقوم بالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد لتفادي وقوع أخطاء تضر بدخول النازحين من الأنبار وإلى العاصمة».
وأضاف كرحوت «نعم هناك أخطاء كثيرة من قبل بعض العناصر الأمنية ولكن تلك الأخطاء تم تشخيصها ومعالجتها بعد اتصالنا رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان العراقي النائب حاكم الزاملي وبالقيادات الأمنية في قيادة عمليات بغداد، أما فيما يخص موضوع وجوب إحضار كفيل من قبل العوائل النازحة، فهناك تخوف أمني من تسلل بعض المسلحين مع العائلات النازحة مما دفع قيادة عمليات بغداد لاتخاذ مثل هذا القرار الحالي العمل به في مناطق بغداد».
ويقول سعدي النعيمي (66 عاما) من أهالي مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار «رحلة النزوح بدأت من مدينة الرمادي إلى العاصمة بغداد سيرا على الأقدام بعد أن دخل مسلحو تنظيم داعش مناطقنا على حين غرة ولم نستطع الخروج بسياراتنا الخاصة لأن المعارك كانت على أشدها بينما تمكن بعض الأهالي من إخراج سيارتهم والهروب بعوائلهم إلى خارج المدينة». وأضاف: «كانت رحلة مضنية بين الصحراء مرورا بمنطقة تلال وطرق وعرة أنهكتنا وأنهكت العائلات حيث حصل بعض الوفيات بين الأطفال وكبار السن، وحين وصلنا إلى جسر بزيبز صعقنا بما شاهدت أعيننا من تعامل سيئ جدا من قبل المنتسبين في الأجهزة الأمنية، فهناك عمليات متاجرة بالنازحين وطلب البعض من منا مبالغ وصلت إلى 700 دولار لدخول الفرد الواحد من أفراد العائلة، وكأننا أغراب على بلدنا أو أننا من غير بلد وفرض علينا رسم الدخول، لم ينظروا إلى التعب البادي على وجوهنا».
أما أحمد خالد جدوع (45 عاما) وهو نازح من مدينة الرمادي فقال: «طلبوا مني مبلغ ألف دولار من أجل دخولي مع سيارتي إلى بغداد مع أني أحضرت شخصا تكفلني مع عائلتي للدخول حسب تعليمات الأجهزة الأمنية، وفي نقطة التفتيش قالوا لي إن السيارة غير مشمولة بإجراءات الدخول. استغربت من هذا القرار وقلت لهم وكيف أذهب بعائلتي إلى بغداد قالوا اذهب سيرا على الأقدام، وبعد انتظار طويل اضطررت لدفع مبلغ الألف دولار وسمحوا لسيارتي بدخول العاصمة».
من جانبه قال عدي الزيدي رئيس الحركة الشعبية لإنقاذ العراق لـ«الشرق الأوسط» «جئت إلى هنا (ويقصد جسر بزيبز) برفقة الكثير من أبناء محافظات الجنوب ومن مناطق مختلفة من العاصمة بغداد بعد أن سمعنا بنزوح أهلنا وإخواننا من مدن الأنبار باتجاه العاصمة بغداد وحملنا معنا مساعدات بسيطة كانت حتما لا تفي وحجم الأعداد الكبيرة من أهلنا النازحين وعند وصولنا إلى جسر بزيبز حيث يتجمع الآلاف من أهلنا يحاصرهم هذه المرّة قرار الكفيل الذي اشترطته الأجهزة الأمنية لدخول العائلات، ذهبت ومعي أصحابي إلى أحد الضباط الموجودين وكان برتبة ملازم أول وبعد جدال عقيم قال لي بالحرف الواحد (أنت شيعي وجئت لتكفل السنة وأي تفجير سيحصل ببغداد ستكون أنت المسؤول) قلت له إن حصل شيء من قبل هذه العائلات الكريمة فإنا المسؤول نعم..!! قال لي إذن تكفل العائلات التي لا يوجد فيها رجال من سن العشرين وحتى الخمسين، قلت له يا أخي هذه شروط تعجيزية قال لي هذا ما يمكنني فعله».
وأضاف الزيدي «شاهدت بعيني كيف تتم عملية المتاجرة بأحوال النازحين المنهكين من السير طيلة يومين متتاليين، بعض العوائل اضطرت إلى دفع مبلغ ألف دولار من أجل دخولها إلى بغداد بغض النظر عن شرط الكفيل وهناك عائلات لم تمتلك المال فاضطرت إلى تقديم مصوغات ذهبية وحلي من أجل عملية الدخول، هذا الأمر المخزي الذي يشكل وصمة عار في جبين كل الفاسدين الذين تاجروا بأرواح أهلنا النازحين القادمين من مدن الأنبار».
وبعد أيام صعاب من العيش في ظروف قاسية في مخيمات تنعدم فيها الخدمات بشكل كامل في مناطق أبو غريب وغيرها من المناطق قررت بعض العائلات العودة إلى الأنبار بعد أن عجزت الحكومة على توفير أبسط متطلبات الحياة الكريمة للنازحين، وبعض العائلات قرر العودة إلى الديار بعد سماع أخبار استعادة السيطرة على بعض المناطق في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، حيث وصلت أعداد العائلات العائدة إلى مدينة الرمادي أكثر من ألفي عائلة.
مجلس الأنبار يقر بتجاوزات ضد الفارين من {داعش} ويعد بمعالجتها
بعض نازحي الرمادي دفع ألف دولار لدخوله مع عائلته إلى بغداد
مجلس الأنبار يقر بتجاوزات ضد الفارين من {داعش} ويعد بمعالجتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة