مستندةً إلى حقائق تاريخية تلقي بظلالها على الحاضر، وروابط جغرافية لا فكاك منها، جاءت القمة المصرية - الجزائرية التي استضافتها القاهرة، أمس، وسط سياق عربي وأفريقي مواتٍ للعب دور أكبر من البلدين البارزين في الإقليم.
وتنبع أهمية لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الجزائري عبد الحميد تبون؛ أولاً: من حيث توقيته الذي يستبق الموعد المتوقع للقمة العربية التي تستضيفها الجزائر (بعد شهر رمضان) في مايو (أيار) المقبل على الأرجح. كما أن اللقاء يمثل ثانياً: ضرورة للتوافق والتنسيق بين البلدين بشأن الأوضاع في ليبيا، وما تمثله من عمق للأمن القومي لكل من مصر والجزائر، وثالثاً: فإن الدور التاريخي لكل من الجانبين في الملف الفلسطيني يلقي بتبعات مستجدة على مستويي «التسوية» و«المصالحة». وبالنظر إلى الأهداف الفردية لطرفي القمة؛ فإن الجزائر تسعى بقوة إلى «قمة عربية» فعّالة تعضد حضورها العربي، خصوصاً بعد الاضطراب في العلاقات مع المغرب، ناهيك بتحقيق ما تعهّد به رئيسها لمواطنيه مطلع سنة 2022 بأن تكون «سنة الإقلاع (النمو) الاقتصادي»، وما يعنيه ذلك من العمل على فتح أبواب أوسع للتبادل التجاري مع دول الجوار المختلفة، وهو ما ظهر أثره في البيان بشأن «قمة السيسي - تبون» والإعلان عن الاستعداد «لانعقاد الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة على مستوى رئيسي الوزراء بالبلدين خلال النصف الأول من العام الحالي»، وذلك بعد ثماني سنوات تقريباً من آخر اجتماع للجنة عام 2014.
وعلى الجانب المصري فإن القاهرة بطبيعة الحال تستهدف تعزيز نموها الاقتصادي عبر جذب الاستثمارات الجزائرية أو فتح أسواق لصادراتها، فضلاً عن تنمية التحالف مع كل من تونس والجزائر كعمقين للقاهرة، وهو ما ظهر في تأكيد دعم البلدين للرئيس التونسي قيس سعيد. ولا تعد مساعي ترسيخ العلاقات بين مصر والجزائر وليدة اللحظة العربية الراهنة، فهي تعود إلى لحظة التأسيس للجمهورية الجزائرية في ستينات القرن الماضي، والتي حظيت بدعم مصري كبير لثوارها في مقاومتهم للاحتلال الفرنسي، كما لعبت الجزائر دوراً مسانداً لمصر في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ولعل أبرز دليل على ذلك أن رئيس الأركان الحالي للجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة، كان أحد المقاتلين في معارك تحرير سيناء المصرية.
وبالانتقال إلى الملفات العربية والأفريقية، تظهر أولاً، قضية «سد النهضة» كملف مهم للقاهرة الساعية إلى حشد كل دعم في سبيل «التوصل لاتفاق قانوني شامل وملزم» مع إثيوبيا بشأن ملء وتشغيل السد. كما تبرز الجزائر صاحبة الحضور الأفريقي الكبير كطرف مهم تسعى مصر للاستفادة من دعمه، في لحظة تبدو فيها الجزائر مشغولة بـ«تأمين وحفظ المكانة اللائقة التي يتبوأها البلدان (مصر، والجزائر) على الصعيد الأفريقي»، وفق تعبير الرئيس تبون.
وفي الملف السوري، وإذا كانت الجزائر في صدارة الدول الداعية لعودة سوريا إلى مقعدها المجمد في «الجامعة العربية» خصوصاً من خلال القمة التي ستستضيفها؛ فإن مصر وإن كانت لا تقول إنها تعارض الخطوة، فإنها ترى أن «ثمة إجراءات على الحكومة السورية اتخاذها، لتوفير الظروف المواتية لعودة سوريا كداعم للأمن القومي العربي»، وفق ما أفاد به وزير الخارجية المصري سامح شكري، قبل أيام. ولعل تجنب الحديث عن الملف السوري في المؤتمر الصحافي للرئيسين وكذلك البيان المشترك، إشارة إلى رغبةٍ ما في مزيد من التشاور المستقبلي بين الجانبين في هذا الملف. أما في الملف الفلسطيني، فإن الجزائر التي لا تعترف بإسرائيل، بل تقود اتجاهاً داخل الاتحاد الأفريقي لرفض منح تل أبيب صفة مراقب داخل الكيان القاري، تسعى لتحقيق اختراق في ملف «المصالحة» بين الفصائل؛ غير أنه من الصعب المضيّ في ذلك دون ضمان تنفيذه واقعياً عبر القاهرة صاحبة النفوذ والاتصالات في هذا الشأن سواء بين القوى الفلسطينية، أو مع حكومة الاحتلال الإسرائيلية. ونقل البيان المشترك للقمة المصرية - الجزائرية صورة عن تفاهم بين الجانبين عبّر عنه الرئيس تبون بإشارة إلى دعمه لـ«الجهود المخلصة التي تضطلع بها مصر في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإعادة إعمار قطاع غزة»، فيما رحب السيسي بـ«الجهد الجزائري» بصدد المصالحة.
مصر والجزائر... أدوار مُرتقبة واهتمامات مشتركة
مصر والجزائر... أدوار مُرتقبة واهتمامات مشتركة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة