في ظل تساؤلات الليبيين والمجتمع الدولي حول احتمال تغير السياسة التركية تجاه ليبيا خلال الفترة المقبلة، إثر انفتاحها مؤخراً على شرق البلاد، استبعد سياسيون إقدام أنقرة على ذلك بشكل جذري، لكن بعضهم رجح أن تؤدي أزمتها الاقتصادية إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها، التي تعتبر ليبيا إحدى منصاتها الرئيسية «البالغة الأهمية».
في هذا السياق، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، تخلي أنقرة عن ما سماه «نهجها العدائي»، الذي «تعتمد فيه على الأداة العسكرية كركيزة لدورها في ليبيا»، أو أن «تتخلى أيضاً عن انحيازها للغرب الليبي، وتحديدا قوى تيار الإسلام السياسي وحلفائه هناك».
وتوقع التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تراجع حدة هذه التدخلات بعض الشيء بسبب تهاوي الليرة التركية، لكنه لفت إلى ما ترصده مراكز متخصصة من تضاعف حركة الطيران التركي إلى قاعدة «الوطية» الجوية (140 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس)، ورأى أن أنقرة «تواصل نقل السلاح إلى هناك»، بالإضافة إلى «مواصلة تدريب عناصر وقادة الميليشيات المسلحة»، مشيرا إلى «عدم وجود أي إشارة لاحتمال إخراج قواتها ومستشاريها العسكريين من ليبيا، وما جلبتهم من المرتزقة السوريين»، ومؤكدا إصرار قادتها العسكريين على أن بقاءهم في ليبيا «شرعي بموجب مذكرة التفاهم الأمني، التي وقعت بينهم وبين حكومة الوفاق نهاية عام 2019، والتي لم تقر من البرلمان الليبي».
وقال التكبالي إن «مجمل هذه الأسباب كانت وراء عاصفة الانتقادات، التي قوبلت بها زيارة وفد برلماني ليبي إلى أنقرة مؤخراً، لأنه لم يتطرق للمطالبة بخروج هذه القوات، ولم يتحدث عن عدم شرعية مذكرة التفاهم، أي أن الزيارة كانت هدية دون مقابل»، بحسب قوله.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي المكلف، فوزي النويري، قد أجرى منتصف الشهر الماضي زيارة إلى تركيا رفقة وفد رسمي، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، وهو ما استقبلته الأوساط السياسية في ليبيا باستغراب.
من جهته، رأى المحلل السياسي التركي، جيواد غوك، أن ما يُقال حول سياسة حكومته بأنها «تستهدف تصفير المشاكل» مع دول المنطقة العربية وغيرها، «ليست سوى سياسة تكتيكية، تهدف فقط إلى تهدئة جبهات الصراع الخارجي للتركيز على الداخل، وربما أملاً في انعكاس ذلك على ميزان صادراتها»، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا «أجبرتها بالفعل على انتهاج دبلوماسية هادئة وسياسة تصالحية».
وقال غوك لـ«الشرق الأوسط»: «لقد بات على الحكومة التركية تجميد الاعتماد على أي تدابير عسكرية في ليبيا، وذلك لمحدودية نتائجها وارتفاع تكلفتها، فضلاً عن ما جلبته من اتهامات دول غربية لتركيا بمخالفة القرار الأممي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا».
وتابع غوك موضحا: «سيتم الاكتفاء بالحرص على عدم تغيير موازين القوى الراهنة، مع استمرار تأكيد تركيا لحضورها السياسي، والتنسيق مع أطراف ودول عدة بالمنطقة، ومنها مصر فيما يتعلق بمستقبل العملية السياسية في ليبيا».
أما الباحث المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، فرجح أن تؤدي الأزمة الاقتصادية بتركيا إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها، التي تعد ليبيا إحدى منصاتها الرئيسية بالغة الأهمية. موضحا أنه «برغم تقارب تركيا حالياً مع بعض دول المنطقة، فإنه لا يزال هناك الكثير من القضايا الخلافية، ويمكن لتركيا توظيف نفوذها في ليبيا لحسم الأمر لصالحها بتلك القضايا». كما أشار إلى أن الانفتاح التركي على الشرق الليبي «جاء محدوداً ربما ليستهدف لفت نظر القاهرة إلى أن أنقرة تملك القدرة على التواصل والتنسيق مع مختلف الأطراف، وخاصة مع قيادات الشرق الليبي ممن يصنفون في خانة الحلفاء الرئيسيين للقاهرة».
ورجح الباحث المصري اعتماد تركيا فقط على «تنويع أدواتها في الساحة الليبية خلال الفترة المقبلة، ما بين القوى الصلبة المتمثلة في تحالفها مع الميليشيات المسلحة والمؤدلجة على وجه التحديد، والاحتفاظ بقواتها العسكرية و(المرتزقة) لحين الوصول لتسوية إقليمية للأزمة تضمن نفوذها، وبين القوى الناعمة عبر بناء شبكة من التحالفات الدبلوماسية الواسعة مع الدول المنخرطة في الساحة الليبية».
غير أن عضو مجلس النواب سالم أقنان، المنتمي إلى غرب ليبيا، يختلف مع كافة الآراء السابقة، متوقعاً أن يكون لتركيا دور إيجابي في بلده خلال الفترة المقبلة، من خلال التركيز بالدرجة الأولى على مجالات التعاون الاقتصادي المختلفة مع كل مدن وأقاليم ليبيا.
وقال أقنان لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع من يملك القوة المسلحة في ليبيا توافقوا على عدم العودة للاقتتال مجدداً، وبالتالي تنتفي الحاجة لأي دعم عسكري خارجي»، لافتاً إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تسير وفق خطط تدريجية لإخراج كافة عناصر «المرتزقة» والقوات الأجنبية من ليبيا.
ودافع أقنان عن زيارة وفد مجلس النواب، إلى أنقرة، بقوله: «لقد ركزنا على سبل توطيد علاقات الصداقة بين البلدين وخدمة الشعبين، كفتح قنصلية تركية في بنغازي لرفع المعاناة وتسهيل إجراءات السفر، بالإضافة إلى زيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين، وعودة الشركات التركية للعمل في كافة المدن الليبية». مبرزا أن الاتفاقيات التي وقعتها حكومة «الوفاق» مع أنقرة «يجب أن تناقش على مستوى الحكومتين»، وأعتقد أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية سيعاد عرضها على مجلس النواب الليبي لإقرارها، كونها لم تعرض عليه من قبل لظروف الانقسام السياسي».
هل يمكن أن تشهد سياسة تركيا في ليبيا تغييراً جذرياً؟ (تحليل إخباري)
بعد انفتاحها مؤخراً على شرق البلاد
هل يمكن أن تشهد سياسة تركيا في ليبيا تغييراً جذرياً؟ (تحليل إخباري)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة