هل يمكن أن تشهد سياسة تركيا في ليبيا تغييراً جذرياً؟ (تحليل إخباري)

بعد انفتاحها مؤخراً على شرق البلاد

من لقاء سابق للرئيس إردوغان مع وفد مجلس النواب الليبي في أنقرة (النواب عن الرئاسة التركية)
من لقاء سابق للرئيس إردوغان مع وفد مجلس النواب الليبي في أنقرة (النواب عن الرئاسة التركية)
TT

هل يمكن أن تشهد سياسة تركيا في ليبيا تغييراً جذرياً؟ (تحليل إخباري)

من لقاء سابق للرئيس إردوغان مع وفد مجلس النواب الليبي في أنقرة (النواب عن الرئاسة التركية)
من لقاء سابق للرئيس إردوغان مع وفد مجلس النواب الليبي في أنقرة (النواب عن الرئاسة التركية)

في ظل تساؤلات الليبيين والمجتمع الدولي حول احتمال تغير السياسة التركية تجاه ليبيا خلال الفترة المقبلة، إثر انفتاحها مؤخراً على شرق البلاد، استبعد سياسيون إقدام أنقرة على ذلك بشكل جذري، لكن بعضهم رجح أن تؤدي أزمتها الاقتصادية إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها، التي تعتبر ليبيا إحدى منصاتها الرئيسية «البالغة الأهمية».
في هذا السياق، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، تخلي أنقرة عن ما سماه «نهجها العدائي»، الذي «تعتمد فيه على الأداة العسكرية كركيزة لدورها في ليبيا»، أو أن «تتخلى أيضاً عن انحيازها للغرب الليبي، وتحديدا قوى تيار الإسلام السياسي وحلفائه هناك».
وتوقع التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تراجع حدة هذه التدخلات بعض الشيء بسبب تهاوي الليرة التركية، لكنه لفت إلى ما ترصده مراكز متخصصة من تضاعف حركة الطيران التركي إلى قاعدة «الوطية» الجوية (140 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس)، ورأى أن أنقرة «تواصل نقل السلاح إلى هناك»، بالإضافة إلى «مواصلة تدريب عناصر وقادة الميليشيات المسلحة»، مشيرا إلى «عدم وجود أي إشارة لاحتمال إخراج قواتها ومستشاريها العسكريين من ليبيا، وما جلبتهم من المرتزقة السوريين»، ومؤكدا إصرار قادتها العسكريين على أن بقاءهم في ليبيا «شرعي بموجب مذكرة التفاهم الأمني، التي وقعت بينهم وبين حكومة الوفاق نهاية عام 2019، والتي لم تقر من البرلمان الليبي».
وقال التكبالي إن «مجمل هذه الأسباب كانت وراء عاصفة الانتقادات، التي قوبلت بها زيارة وفد برلماني ليبي إلى أنقرة مؤخراً، لأنه لم يتطرق للمطالبة بخروج هذه القوات، ولم يتحدث عن عدم شرعية مذكرة التفاهم، أي أن الزيارة كانت هدية دون مقابل»، بحسب قوله.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي المكلف، فوزي النويري، قد أجرى منتصف الشهر الماضي زيارة إلى تركيا رفقة وفد رسمي، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، وهو ما استقبلته الأوساط السياسية في ليبيا باستغراب.
من جهته، رأى المحلل السياسي التركي، جيواد غوك، أن ما يُقال حول سياسة حكومته بأنها «تستهدف تصفير المشاكل» مع دول المنطقة العربية وغيرها، «ليست سوى سياسة تكتيكية، تهدف فقط إلى تهدئة جبهات الصراع الخارجي للتركيز على الداخل، وربما أملاً في انعكاس ذلك على ميزان صادراتها»، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا «أجبرتها بالفعل على انتهاج دبلوماسية هادئة وسياسة تصالحية».
وقال غوك لـ«الشرق الأوسط»: «لقد بات على الحكومة التركية تجميد الاعتماد على أي تدابير عسكرية في ليبيا، وذلك لمحدودية نتائجها وارتفاع تكلفتها، فضلاً عن ما جلبته من اتهامات دول غربية لتركيا بمخالفة القرار الأممي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا».
وتابع غوك موضحا: «سيتم الاكتفاء بالحرص على عدم تغيير موازين القوى الراهنة، مع استمرار تأكيد تركيا لحضورها السياسي، والتنسيق مع أطراف ودول عدة بالمنطقة، ومنها مصر فيما يتعلق بمستقبل العملية السياسية في ليبيا».
أما الباحث المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، فرجح أن تؤدي الأزمة الاقتصادية بتركيا إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها، التي تعد ليبيا إحدى منصاتها الرئيسية بالغة الأهمية. موضحا أنه «برغم تقارب تركيا حالياً مع بعض دول المنطقة، فإنه لا يزال هناك الكثير من القضايا الخلافية، ويمكن لتركيا توظيف نفوذها في ليبيا لحسم الأمر لصالحها بتلك القضايا». كما أشار إلى أن الانفتاح التركي على الشرق الليبي «جاء محدوداً ربما ليستهدف لفت نظر القاهرة إلى أن أنقرة تملك القدرة على التواصل والتنسيق مع مختلف الأطراف، وخاصة مع قيادات الشرق الليبي ممن يصنفون في خانة الحلفاء الرئيسيين للقاهرة».
ورجح الباحث المصري اعتماد تركيا فقط على «تنويع أدواتها في الساحة الليبية خلال الفترة المقبلة، ما بين القوى الصلبة المتمثلة في تحالفها مع الميليشيات المسلحة والمؤدلجة على وجه التحديد، والاحتفاظ بقواتها العسكرية و(المرتزقة) لحين الوصول لتسوية إقليمية للأزمة تضمن نفوذها، وبين القوى الناعمة عبر بناء شبكة من التحالفات الدبلوماسية الواسعة مع الدول المنخرطة في الساحة الليبية».
غير أن عضو مجلس النواب سالم أقنان، المنتمي إلى غرب ليبيا، يختلف مع كافة الآراء السابقة، متوقعاً أن يكون لتركيا دور إيجابي في بلده خلال الفترة المقبلة، من خلال التركيز بالدرجة الأولى على مجالات التعاون الاقتصادي المختلفة مع كل مدن وأقاليم ليبيا.
وقال أقنان لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع من يملك القوة المسلحة في ليبيا توافقوا على عدم العودة للاقتتال مجدداً، وبالتالي تنتفي الحاجة لأي دعم عسكري خارجي»، لافتاً إلى أن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تسير وفق خطط تدريجية لإخراج كافة عناصر «المرتزقة» والقوات الأجنبية من ليبيا.
ودافع أقنان عن زيارة وفد مجلس النواب، إلى أنقرة، بقوله: «لقد ركزنا على سبل توطيد علاقات الصداقة بين البلدين وخدمة الشعبين، كفتح قنصلية تركية في بنغازي لرفع المعاناة وتسهيل إجراءات السفر، بالإضافة إلى زيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين، وعودة الشركات التركية للعمل في كافة المدن الليبية». مبرزا أن الاتفاقيات التي وقعتها حكومة «الوفاق» مع أنقرة «يجب أن تناقش على مستوى الحكومتين»، وأعتقد أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية سيعاد عرضها على مجلس النواب الليبي لإقرارها، كونها لم تعرض عليه من قبل لظروف الانقسام السياسي».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.