يوم دموي في السودان عشية وصول وفد أميركي للوساطة

7 قتلى وعشرات الإصابات بالرصاص... وإعلان العصيان المدني ليومين

جانب من احتجاجات المعارضة للحكم العسكري والمطالبة بسلطة مدنية في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات المعارضة للحكم العسكري والمطالبة بسلطة مدنية في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

يوم دموي في السودان عشية وصول وفد أميركي للوساطة

جانب من احتجاجات المعارضة للحكم العسكري والمطالبة بسلطة مدنية في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات المعارضة للحكم العسكري والمطالبة بسلطة مدنية في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السودانية أمس يوماً دموياً بعد مقتل 7 محتجين على الأقل وأكثر من 70 مصاباً بالرصاص الحي الذي أطلقته قوات الأمن على حشود من المحتجين المناهضين لحكم الجيش، وذلك عشية وصول وفد أميركي رفيع لدعم المبادرة الأممية التي تسعى لحلّ الأزمة السياسية في البلاد. ودعا تحالف «الحرية والتغيير» الشعب السوداني إلى الدخول في عصيان مدني شامل لمدة يومين، اعتباراً من «الاثنين» لإسقاط الانقلاب العسكري.
وقالت «لجنة الأطباء المركزية» في بيان إن عدد القتلى منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بلغ حتى الآن 71 وأكثر من 2000 جريح. كما أطلقت القوات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المحتجين الذين سعوا للوصول إلى القصر الرئاسي في وسط العاصمة. كما تسببت قنابل الغاز في وقوع إصابات بالاختناق بين المتظاهرين، بعضهم أصيب بجروح بالغة ناجمة عن توجيه عبوات الغاز مباشرة إلى أجسادهم.

استمرار الاحتجاجات
ورغم تعهد الفريق عبد الفتاح البرهان إجراء انتخابات عامة في منتصف 2023، استمرت
الاحتجاجات ضد الانقلاب واتفاق التسوية الذي وافق بموجبه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) وهو ما اعتبره المتظاهرون «خيانة». وأعلن حمدوك استقالته بعد ذلك، مؤكداً أنه حاول إيجاد توافقات، لكنه فشل، وحذر من أن البلاد تواجه «منعطفاً خطيراً قد يهدد بقاءها» وأنه كان يسعى إلى تجنب «انزلاق السودان نحو الهاوية»، وقبل مجلس السيادة استقالته.
وتتجدد الاحتجاجات في السودان بشكل متكرر كل بضعة أيام منذ أن أعلن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان تسلم السلطة وإعلان حالة الطوارئ وحلّ مجلسي الوزراء والسيادة في أواخر أكتوبر الماضي. وتواصلت الاحتجاجات الشعبية في عموم مدن السودان منذ ذلك التاريخ، ما جعل بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم «يونيتامس» تتقدم بمبادرة للوساطة بين العسكريين والمحتجين الذين يطالبون بحكم مدني وتحول ديمقراطي.
وتأتي الاحتجاجات في وقت ينتظر أن يصل إلى العاصمة وفد أميركي، على رأسه المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فيي. وتهدف الزيارة الأميركية إلى دعم مساعي الأمم المتحدة الأخيرة لحلّ الأزمة السياسية في السودان و«تسهيل انتقال مدني جديد إلى الديمقراطية». وقبل زيارة السودان، يلتقي الوفد الأميركي في العاصمة السعودية الرياض «أصدقاء السودان»، وهي مجموعة تطالب بإعادة الحكومة الانتقالية في البلاد بعد الانقلاب العسكري. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس (الاثنين)، تولي لوسي تاملين مهام القائم بأعمال السفارة في الخرطوم، في ظل «هذا المنعطف الحاسم في الانتقال الديمقراطي بالسودان».

الوصول إلى القصر
وتصدت قوات الأمن السودانية بعنف وُصف بالمفرط وغير المسبوق للمتظاهرين السلميين بالقرب من محيط القصر الجمهوري بالخرطوم، إذ استخدمت الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع وطاردتهم بسيارات الدفع الرباعي داخل الأحياء القريبة من العاصمة. وتجمهر آلاف المتظاهرين أمام مستشفى «الجودة» جنوب الخرطوم حيث نقل إليها القتلى والمصابون وسط تضييق من الأجهزة الأمنية التي تقطع الطريق أمام إسعاف المصابين وتهاجم الحشود بالغاز المسيل للدموع لتفريقهم. ونقلت وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد بكاء وعويل الأمهات وأسر القتلى والمصابين ورفقائهم الذين تجمهروا بالآلاف أمام بوابة المستشفى. وأكدت لجنة الأطباء المركزية، هيئة مهنية طبية مستقلة، مقتل 7 قتلى بالرصاص الحي في منطقة الخرطوم وحدها، ووصول 70 إصابة إلى مستشفى «الجودة».
وتعيد أعمال القتل والعنف المفرط ضد المتظاهرين في الخرطوم، ذات الأحداث التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية من قبل في مدينة بحري، في نوفمبر الماضي، التي راح ضحيتها 9 متظاهرين في يوم واحد. وعلى الرغم من الإدانات المشددة دولياً وداخلياً للانتهاكات الجسيمة وأعمال القتل فإن أجهزة السلطة العسكرية تواصل ارتكاب مزيد من القتل والعنف ضد المتظاهرين السلميين. وفرّقت قوات الأمن بالعنف المفرط مظاهرات حاشدة في مدينتي بحري وأم درمان وحالت دون وصولهم إلى القصر الجمهوري بوسط الخرطوم، ما أدى إلى وقوع إصابات بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وسط المتظاهرين. وكانت «تنسيقات لجان المقاومة» وتحالف «قوى الحرية والتغيير» قد دعت إلى مظاهرات مليونية في الخرطوم ومدن البلاد الأخرى لمناهضة الانقلاب العسكري والعودة إلى الحكم المدني، وترفع المظاهرات شعارات «لا للتفاوض، ولا شرعية، ولا مساومة مع الانقلابين».

مجلس الأمن والدفاع
ومن جهة ثانية، عقد مجلس الأمن والدفاع السوداني، أمس، اجتماعاً طارئاً لمناقشة تطورات الأوضاع الأمنية في البلاد، ترأسه رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأبدى المجلس أسفه لما وصفه بالفوضى التي «نتجت جراء الخروج عن شرعية التظاهر السلمي واتباع منهج العنف وبروز تيارات مقيدة لحرية ممارسة الحياة، تتعدي على الممتلكات العامة كظاهرة خطيرة تهدد الأمن والسلم الوطني والمجتمعي وتتجاوز الخطوط الحمراء لسيادة الدولة». وأضاف المجلس، في بيان، أن «الأجهزة الأمنية تعاملت بحنكة وضبط النفس حيال المواقف ضماناً لحماية المدنيين». وثمّن المجلس المجهودات التي بذلتها عناصر المخابرات العامة «في تفكيك الخلايا الإرهابية بعمليات استباقية ضد المخططات التي تستهدف أمن واستقرار الوطن». وأشاد المجلس أيضاً بـ«الدور المتعاظم الذي ظلت تضطلع به قوات الشرطة لاستتباب الأمن من خلال عمليات الأمن الداخلي، وتحمل مسؤوليتها، دون مشاركة أو مساندة، وسعيها المستمر لتطوير قدراتها وأساليبها لمواجهة الأحداث».
ودعا المجلس لاستكمال إجراءات التحري والتحقيق ومحاسبة المتورطين في الأحداث، وحسم التفلتات التي تصاحب المواكب، وفقاً لقانون الطوارئ والقانون الجنائي، بالإضافة إلى تأسيس قوة خاصة لمكافحة الإرهاب لمجابهة التهديدات المحتملة. ووجّه البيان حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، بالتجمع خارج الخرطوم والمدن الرئيسية في مناطق التجميع بغرض الحصر وإنفاذ الترتيبات الأمنية. وحثّ المجلس الشعب السوداني على التحلي بالمسؤولية الجماعية تجاه أمن وسلامة البلاد و«عدم الالتفات للشائعات المغرضة تجاه أجهزة الدولة النظامية والأمنية وعزل الاستهداف الممنهج الذي تقوده فئة غير وطنية».
من جانبها، ندّدت «قوى الحرية والتغيير» (المجلس المركزي) في بيان بما أسمته «المجازر التي ارتكبتها السلطة الانقلابية» أمس بالخرطوم، وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى وسط المتظاهرين السلميين. وتقوض أعمال القتل ضد المتظاهرين السلميين مصداقية السلطة العسكرية والمساعي الدولية التي ابتدرتها الأمم المتحدة لحلّ الأزمة في السودان.

«أصدقاء السودان»
وأوضح بيان سابق للخارجية الأميركية أن فيي وساترفيلد سيشاركان في الرياض في اجتماع «أصدقاء السودان» بهدف حشد الدعم الدولي لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة، لدعم المرحلة الانتقالية في السودان «يونيتامس»، في جهودها لتسهيل انتقال متجدد نحو الديمقراطية في السودان بقيادة مدنية.
وأكد بيان الخارجية الأميركية، في نشرة صحافية، أن الوفد الأميركي سيستهل زيارته في 17 يناير (كانون الثاني) الحالي، وستنتهي في 20 منه. ويحشد الدعم الدولي لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان، المعروفة اختصاراً بـ«يونيتامس»، لتسهيل الانتقال المدني مجدداً في السودان. وأضاف أن الوفد الأميركي سيتوجه إلى إثيوبيا لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في العاشر من الشهر الحالي، وتشجيع المسؤولين الحكوميين على اغتنام الفرصة الحالية للسلام، من خلال إنهاء الضربات الجوية والأعمال العدائية الأخرى، والتفاوض على وقف لإطلاق نار، والإفراج عن السجناء السياسيين كافة، واستعادة الوصول الإنساني المستمر، وإرساء الأساس لحوار وطني شامل. ومن المقرر أن تستغرق جولة مولي فيي والمبعوث ديفيد ساترفيلد بين الدول الثلاث 4 أيام، يبحثان خلالها مع المسؤولين تطور الأوضاع في السودان وإثيوبيا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».