أخطار تهدد السلاحف البحرية الصغيرة في البحر الأحمر

علماء «كاوست» يدرسون تأثير ارتفاع درجات الحرارة في مناطق تعشيشها

فهْم المخاطر البيئية التي تتهدَّد سلاحف البحر الأحمر يلعب دوراً محورياً في نجاح استراتيجيات الحفاظ عليها
فهْم المخاطر البيئية التي تتهدَّد سلاحف البحر الأحمر يلعب دوراً محورياً في نجاح استراتيجيات الحفاظ عليها
TT

أخطار تهدد السلاحف البحرية الصغيرة في البحر الأحمر

فهْم المخاطر البيئية التي تتهدَّد سلاحف البحر الأحمر يلعب دوراً محورياً في نجاح استراتيجيات الحفاظ عليها
فهْم المخاطر البيئية التي تتهدَّد سلاحف البحر الأحمر يلعب دوراً محورياً في نجاح استراتيجيات الحفاظ عليها

قبل نحو 260 مليون سنة ظهرت أولى فصائل السلاحف في نهايات ما يعرف بالعصر الترياسي الذي تتميز بداياته ونهاياته بأحداث الانقراض الرئيسية، حيث شهدت الأرض حدثاً ضخماً أودى بحياة غالبية الكائنات الحية حينذاك، ورغم ذلك استطاعت السلحفاة النجاة. وتشير بعض الدراسات إلى أن أول سلحفاة بحرية عاشت قبل نحو 220 مليون سنة وتحمل اسم odontochelys.

سلاحف بحرية
ورغم تواجدها على سطح الأرض طيلة هذه الفترة الطويلة، ولكونها تلعب دوراً مهماً في أي نظام بيئي، حيث إنها تمتاز بكونها فريسة ومفترسة في آن واحد، فإن حياة ست فصائل من السلاحف البحرية أصبحت اليوم مهددة بالانقراض بسبب مخاطر عديدة مثل الصيد، والقتل بهدف الحصول على بيضها أو لحومها أو الصدف، وفقدان موطن التعشيش أو جعل مناطق التعشيش السابقة غير مناسبة بسبب التدخل البشري وظاهرة التغير المناخي.
في هذا الإطار، أجرى باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) تحليلاتٍ لدرجات حرارة الرمال في مواقع تعشيش السلحفاة البحرية في البحر الأحمر، وقد أظهرت تلك التحليلات، أن السلاحف الوليدة في المنطقة قد تكون غالباً من الإناث. وهذه النتائج تحمل دلالاتٍ مهمة تتعلق ببقاء نوع السلحفاة البحرية في ظل الارتفاع المطَّرد في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري.
تقول لينزي تانابي، طالبة الدكتوراه التي تدرس إيكولوجيا تعشيش السلاحف البحرية واستراتيجيات الحفاظ عليها، تحت إشراف البروفسير مايكل بيرومين، أستاذ علوم البحار ومدير مركز أبحاث البحر الأحمر بـ«كاوست»، «السلاحف البحرية أكثر تأثراً بالتغيرات في درجات الحرارة؛ لأن نوعها الجنسي يتحدَّد بناءً على درجة الحرارة، وهو ما يعني أن جنس السلاحف الوليدة تحدِّده درجة حرارة العُشِّ خلال فترة حضانة البيض».
وتعدّ السلاحف البحرية من أقدم الزواحف التي تعيش في البحار والمحيطات، من ذوات الدم البارد ويطلق عليها العامة «الترسة البحرية»، ولها قدرة على التكيف مع درجة حرارة الوسط الخارجي؛ إذ إن لها جلداً مقوى بحراشيف قرنية، وجسمها محمي بدرقة صلبة، تقضي معظم أوقاتها في المياه، وتعود إلى الشاطئ لكي تضع البيض في موسم التعشيش في مكان جاف تقريباً.

جنس أنثوي
هل بدأت سيادة الجنس الانثوي؟ يُعدّ البحر الأحمر موطناً لخمسة من أصل سبعة أنواع من السلاحف البحرية، حيث تُعشِّش السلاحف البحرية الخضراء المهدَّدة بالانقراض والسلاحف صقرية المنقار المهدَّدة بالانقراض بدرجة أكبر على طول الخط الساحلي. وتشير الأبحاث الحالية إلى أن عتبة درجة الحرارة اللازمة للحفاظ على نسبة 50:50 بين الذكور والإناث هي 29.2 درجة مئوية، وأنه عندما تتجاوز درجة الحرارة تلك العتبة، يكون الجنس الأنثوي هو السائد بين السلاحف البحرية الوليدة. أما عندما تتجاوز درجة الحرارة 33 درجة مئوية، فمن الممكن أن تُصاب السلاحف البحرية الوليدة بتشوهاتٍ، بل قد يحدث نفوق جماعي لها.
توضّح تانابي قائلة «لقد استطاعت السلاحف البحرية أن تحافظ على بقائها منذ العصر الترياسي المتأخر، وأن تتكيف مع التغيرات المناخية التي حدثت في الماضي. لكنَّ معدل التغير الحالي في درجات الحرارة، والذي نجم عن النشاط البشري، غير مسبوق».
وتتابع تانابي «لقد درسنا أنماط درجات حرارة الرمال في مواقع تعشيش السلحفاة في البحر الأحمر بهدف تعزيز فهمنا لمجموعات السلاحف البحرية الحالية».
واختار الفريق خمسة مواقع مُوزَّعة على المنطقة التي تكثُر فيها السلاحف الخضراء والسلاحف صقرية المنقار، حيث جمعت أجهزة تسجيل البيانات الآلية بيانات درجات حرارة الرمال داخل أعماق أعشاش كلا النوعين، وذلك كل 15 دقيقة على مدار خمسة أشهر (في الفترة من مايو (أيار) إلى سبتمبر (أيلول) 2018، والتي تتزامن مع موسم التعشيش المفترض).
تجاوزت درجة حرارة الرمال 29.2 درجة مئوية في جميع المواقع التي رصدتها الدراسة، باستثناء جزيرة جوبال الصغرى في الجزء الشمالي من البحر الأحمر. وتشير هذه النتائج إلى أن المرحلة التي يصبح فيها الجنس الأنثوي السائد بين السلاحف الوليدة ربما تكون قد بدأت بالفعل.
غير أن تانابي تحذّر قائلة «علينا أن نتوخَّى الحذر عندما نزعم أن سيادة الجنس الأنثوي لدى السلاحف الوليدة تحدث قطعاً الآن. فالبحر الأحمر أكثر دفئاً، بوجهٍ عام، من شواطئ التعشيش الأخرى حول العالم؛ ولذا من الوارد أن تكون هذه السلاحف قد تكيَّفت بالفعل مع عتبة درجة حرارة أعلى. لكن ما يثير القلق هو رصد ارتفاعات في درجات حرارة الرمال في بعض المواقع بلغت 36 درجة مئوية؛ وهو ما قد يُهدِّد بشدة بقاء السلاحف البحرية».
من المتوقَّع أن تُسهم النتائج التي توصَّلت إليها تانابي في المشاورات الوطنية المتواصلة بخصوص الحفاظ على البيئة البحرية لا سيّما في ظل المشروعات الإنشائية العملاقة المقترح إقامتها على طول سوحل البحر الأحمر. تضيف تانابي قائلة «أتمنى أن تعطي هذه المشروعات أولوية للحفاظ على مواقع تعشيش السلاحف البحرية، خاصة تلك المواقع التي يمكن أن تُتيح نسباً متوازنة بين الذكور والإناث».
تعكف تانابي أيضاً على دراسة ديناميات مجموعات السلاحف وخصائصها الوراثية، والمخاطر التي تُهدِدها مثل المواد البلاستيكية والتلوث الناجم عن المعادن الثقيلة، وتشير إلى أن فهم هذه العوامل يعد عاملاً أساسياً في نجاح استراتيجيات الحفاظ على السلاحف البحرية.

التغيرات المناخية تجتاح البحر الأحمر


 


مقالات ذات صلة

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

الاقتصاد مقر هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في الرياض (الموقع الإلكتروني)

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

بدأ تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن للهواتف المتنقلة والأجهزة الإلكترونية في السوق، لتكون من نوع «USB Type - C».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من اجتماع خلال منتدى حوكمة الإنترنت الذي عقد مؤخراً بالعاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

تقرير دولي: منظومات ذكية ومجتمعات ممكّنة تشكل مستقبل الاقتصاد الرقمي

كشف تقرير دولي عن عدد من التحديات التي قد تواجه الاقتصاد الرقمي في العام المقبل 2025، والتي تتضمن الابتكار الأخلاقي، والوصول العادل إلى التكنولوجيا، والفجوة…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

طريقة تغذية سمكة «موبولا راي» تدفع باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير أنظمة ترشيح فعالة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»