الغطاء السياسي لتدابير «المركزي» ينعش الليرة اللبنانية

ميقاتي ووزير المال يؤمنان الحماية لقرارات سلامة

TT

الغطاء السياسي لتدابير «المركزي» ينعش الليرة اللبنانية

عكس هبوط سعر صرف الدولار إلى ما دون سقف 30 ألف ليرة في الأسواق الموازية، جانباً من تناقض العوامل التي تحدد اتجاهات أسعار المبادلات النقدية، وسط صعوبات الفصل بين الضغوط الناتجة عن تنامي التأزم السياسي الذي يعمق الريبة، وبين فاعلية التدابير المتلاحقة التي يتخذها «مصرف لبنان» والمغطاة بدعم مشروط وغير مستتر من قبل مرجعيات نيابية وحكومية.
ورصدت مصادر مواكبة بدايات تحول، وإن كان مرتبكاً في السوق، في حركة العرض والطلب لصالح العملة الوطنية مع ترقب شروع المصارف مطلع الأسبوع المقبل بالتزام التعديلات المستحدثة على التعميم رقم 161 الصادر عن البنك المركزي، والقاضية بضخ كميات إضافية من الدولار النقدي، ما دفع بمعظم شركات الصرافة والمتعاملين إلى اعتماد إجراءات متحفظة في عمليات بيع وشراء العملات، ريثما تتضح طبيعة المبادلات التي ستنفذها البنوك.
وأظهرت التقلبات في تسعير الدولار عبر التطبيقات الهاتفية التي تشكل مرجعية للأسواق غير النظامية، التباين الصريح في تقديرات المضاربين والمتعاملين بشأن مدى فاعلية التدابير النقدية وتحديثاتها، فقد هبط الدولار صباحاً بنسبة كبيرة تعدت 10 في المائة ليصل إلى عتبة 27 ألف ليرة، قبل أن يرتد نسبياً للتداول بهوامش متحركة فوق سقف 28 ألف ليرة في فترة بعد الظهر.
وفيما يترقب المتعاملون في الأسواق من صرافين ومدخرين وضوح التبدلات التي ستطرأ جراء طرح كميات إضافية من الدولارات النقدية، يؤكد مصرفيون أن التأخير يعود لضرورات معالجة مقتضيات لوجيستية وتقنية قبيل بدء العمل بالتحديثات الطارئة على التعميم النقدي، وأيضاً بسبب الإقفال القسري للبنوك يوم الخميس نتيجة إقفال إضراب اتحادات النقل البري الطرقات والمنافذ الرئيسية.
بالتوازي، قالت مصادر مصرفية إنه بدا واضحاً أن مشاركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل في تطوير محتوى التدابير النقدية التي يتخذها المصرف المركزي «تؤمن التغطية السياسية الكافية لتحركات الحاكم رياض سلامة الهادفة إلى استعادة الدور الحيوي المنوط بمصرف لبنان في إدارة السيولة النقدية بالليرة وبالدولار، وبالتالي كبح الفوضى العارمة التي تعم الأسواق الموازية والتي أفضت إلى تزخيم خسائر العملة الوطنية» التي تراجعت قيمتها إلى نسبة تقارب الـ96 في المائة مع بلوغ الدولار سقف 34 ليرة قبل أيام قليلة.
وبرز في هذا السياق تعمد سلامة إلى إصدار بيان جديد أمس أكد فيه أن البنك المركزي «مستمر» بتنفيذ القرار الذي تم اتخاذه، والقاضي بتمكين المصارف من الحصول على الدولار الأميركي الورقي من مصرف لبنان وبسعر منصة «صيرفة»، مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها أو لدى عملائها من دون سقف محدد، وذلك إضافة إلى المفاعيل الأساسية للتعميم 161 الذي يتيح للمصارف استبدال «الكوتا» التي تحق لها شهرياً بالليرة بدولارات نقدية.
ويبدو أن إعادة التأكيد على القرار تستهدف حماية المكاسب التي حققتها الليرة في يوم العمل الأخير من الأسبوع الحالي وتثميرها لاحقاً، ومحاولة الحيلولة دون نشوء مضاربات معاكسة مع إقفال المصارف في عطلة نهاية الأسبوع. فيما أكدت معلومات استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر مصرفية، أن البنك المركزي لن يتهاون مع أي مماطلة أو تحايل في تطبيق تحديثات التدبير النقدي، بحيث تكون الاستفادة للحصول على الدولارات النقدية عبر البنوك وبسعر منصة «صيرفة» شاملة لكل من يحمل سيولة نقدية بالليرة ومهما بلغت الكميات المستبدلة.
أما في البعد السياسي، فليس ممكناً، وفق المصادر المتابعة، فصل تغطية هذا التدبير المكلف في ظل مناخات سياسية سلبية، عن الصراع في تحديد الأولويات وصوغ المعالجات الآنية المطلوبة، فدعم البنك المركزي في خطوة ضخ كميات الدولار من مخزون الاحتياطي الإلزامي للودائع مع الإدراك المسبق بأن إجمالي المتوفر لديه يقل عن مستوى 13 مليار دولار، يمثل خياراً بديلاً لترك الناس والاقتصاد أسرى الفوضى المتفاقمة جراء الفشل السياسي المشهود والشلل شبه التام الذي يضرب المؤسسات الدستورية.
ويندرج ضمن حزمة توسع رقعة الخلافات الداخلية الملتهبة، انكشاف النزاع الذي وضع أطراف السلطة وجهاً لوجه في مقاربة ملف الحاكم رياض سلامة بين خياري الإقالة وعدم التخلي عن «الضابط» في أوج المعركة النقدية والمالية التي تعانيها البلاد. فبينما يشهر فريق رئاسة الجمهورية مطالبته بعزل سلامة وإغراقه بملفات قضائية، يصر فريقا رئاستي مجلس النواب والحكومة على دور سلامة في إعادة تصويب الانحرافات النقدية، فضلاً عن تعذر تعيين بديل في الظروف الحاضرة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.