الصومال إلى مربع الصراع الداخلي مجدداً

وسط تفاقم الخلاف بين رئيسي الجمهورية والحكومة... والمخاوف من عودة الإرهاب

الصومال إلى مربع الصراع الداخلي مجدداً
TT

الصومال إلى مربع الصراع الداخلي مجدداً

الصومال إلى مربع الصراع الداخلي مجدداً

حالة من القلق والترقب تشغل راصدي أوضاع القرن الأفريقي، في ظل توترات تنذر بعودة الصومال مجدداً إلى مربع الصراع الداخلي والحرب الأهلية، وذلك وسط تفاقم الخلافات بين الرئيس محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الحكومة محمد حسين روبلي، واستغلال «الجماعات الإرهابية المسلحة» - وعلى رأسها «حركة شباب المجاهدين» - حالة الفوضى السياسية لفرض سيطرتها على البلاد.
وحقاً، يقف الصومال الآن على مفترق طرق بين إكمال العملية السياسية وإجراء الانتخابات المتعثرة، أو الاحتكام للشارع والسلاح من جديد، وسط مخاوف من الانزلاق إلى «الحرب الأهلية» بعد عقدين من محاولات استعادة الاستقرار. وطيلة الأسبوع الماضي احتدم الصراع السياسي الداخلي إثر قرار الرئيس فرماجو تعليق مهام رئيس وزرائه، «ووضع حد لصلاحياته بسبب ضلوعه في قضايا فساد»، وفق بيان الرئاسة الصومالية. إلا أن الحكومة الصومالية لم تقف مكتوفة الأيدي ووصفت مساعي الرئيس بأنها «محاولة انقلاب غير مباشر على السلطة»، ويرفض روبلي اليوم تنفيذ القرار، ويتهم فرماجو بـ«تخريب العملية الانتخابية»، معلنا تشكيل لجنة للتحقيق في اقتحام مكتبه. وهذا، بينما دعا فيه المجتمع الدولي القوى قادة الصومال إلى «تغليب مصلحة البلاد وتهدئة التوترات السياسية المتصاعدة التي من شأنها تقويض السلام والاستقرار، واستكمال العملية السياسية وإتمام الانتخابات المؤجلة منذ فبراير من العام الماضي».
عقد رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي طوال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين «المؤتمر التشاوري الوطني حول عملية الانتخابات» بمشاركة الحكومة الفيدرالية والولايات بهدف تسريع خطوات العملية الانتخابية. وهو المؤتمر الذي دعت ماري كاثرين في، مساعدة وزير الخارجية الأميركية، الرئيس محمد عبد الله فرماجو إلى دعمه، مطالبة بـ«بقاء القوات المسلحة على الحياد وتحاشي التورط في الأحداث السياسية». وكانت واشنطن قد أكدت كذلك دعمها «اتخاذ إجراءات ضد من يحاولون عرقلة عملية السلام في الصومال»، بحسب تغريدة لمكتب شؤون أفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
فرماجو وروبلي
لم تظهر حالة التوتر السياسي في الصومال فجأة، بل ظهرت بوضوح عند انتهاء ولاية فرماجو في 8 فبراير (شباط) الماضي، إذ عمل على الحصول على تأييد «مجلس الشعب» لتمديد فترة ولايته سنتين أخريين، وهو ما أغضب قوى المعارضة، وأدى إلى صدامات في الشارع أجبرت الرئيس الصومالي على التراجع. وهنا تقول الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشؤون الأفريقية والمنسق العام لمركز «فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية» لـ«الشرق الأوسط» إن «فرماجو يتحمل وحده اللوم على ما وصلت إليه البلاد، لأنه لم يجر الانتخابات في موعدها، ولم يقد العملية السياسية في الطريق الصحيح». وتضيف «المشهد يزداد سوءًا، منذ قرار الرئيس الصومالي تأجيل الانتخابات، ولقد تعقد أكثر في ظل تصاعد الخلافات بينه وبين روبلي، وكلا الجانبين معارض لبقاء الآخر في السلطة، كما ترى قوى المعارضة أن فرماجو رئيس غير شرعي منتهية ولايته».
ذكر أنه سادت حالة من التفاؤل الأوساط الدولية فور تولي فرماجو السلطة في فبراير (شباط) عام 2017، بأمل أن يقود الصومال إلى انتخابات تعددية مباشرة في نهاية ولايته، بموجب دستور عام 2016. غير أن ذلك لم يحدث، بل بدأت بوادر الأزمة تظهر في منصف عام 2018، عند إعلان رئيسة «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات» صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها عام 2020 «واحتمال تأجيلها 13 شهراً»، الأمر الذي رفضته قوى المعارضة في حينه. لكن محاولات فرماجو لم تنته عند هذا الحد، إذ حصل على تصديق من البرلمان بتمديد فترة ولايته لسنتين، قبل التراجع مرة أخرى تحت ضغط المعارضة.
وبعد مناقشات ومفاوضات على خلفية قرار فرماجو تأجيل الانتخابات اتفقت القوى السياسية الصومالية في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي على إجراء الانتخابات بالطريقة التي أجريت بها عام 2016. أي أن ينتخب رئيس الدولة من جانب مجلس الشعب، بدلا من انتخابات شعبية مباشرة. وبالفعل، بدأت العملية الانتخابية، وانتخب «مجلس الشيوخ» المكون من 54 عضوا، بينما تعرقلت انتخابات «مجلس الشعب» المكون من 275 عضوا، وسط اتهامات بـ«خرق قواعد الانتخابات ومنع مرشحين من خوض السباق الانتخابي، لتتعقد الأوضاع من جديد».
محمد عبد الله غوسار، الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي والمرشح لعضوية مجلس الشعب في البرلمان الصومالي، كتب في مقال نشره موقع «مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات» أن «فرماجو خطط كيف يبقى في سدة الحكم لأطول فترة ممكنة وبأي ثمن، مستخدما الدعاية الإعلامية وتضليل الرأي العام، ومحاولات تطويع مجلس الشعب وتجميد مجلس الشيوخ وإقصاء حكام الولايات». لكن المعارضة القوية لمحاولات فرماجو البقاء في السلطة أرغمته على تفويض صلاحيات الانتخابات لرئيس حكومة تصريف الأعمال روبلي، الذي تولى مهام منصبه في سبتمبر (أيلول) 2020، خلفا لرئيس الوزراء حسن علي خيري الذي أقاله «مجلس الشعب». مع هذا، يبدو أن هذا التفويض ما كان حقيقيا، فما لبث أن اشتعل الخلاف السياسي بين روبلي وفرماجو، وسط محاولات الأخير السيطرة على مقاليد العملية الانتخابية.
قبلية وانقسام
يشهد الصومال حاليا حالة انقسام بين فرماجو وروبلي، إذ يستمد فرماجو قوته من تقارب بعض الولايات الإقليمية له مثل جلمدغ وهيرشبيلي وجنوب غربي الصومال، كما تدعمه بقوة «فرق الدفاع الشعبي» - أو «كتائب الظل» - التي أسسها بهدف الترويج لسياساته، إضافة إلى ضمان تأييد بعض القوات الحكومية له، بالتزامن مع مساندة بعض حلفائه الإقليميين.
في المقابل، يعتمد رئيس الوزراء روبلي إلى قوته من «الشرعية الدستورية» التي كفلها له الدستور المؤقت، خاصةً أن ولاية فرماجو الرئاسية انتهت في فبراير 2021 وليس لديه أي صلاحيات تنفيذية منذ فبراير الماضي. ويضاف إليها تأييد ولايات إقليمية له مثل جوبالاند وبونت لاند اللتين لديهما إصرار على التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية ورفض تأجيلها، ودعم بعض المعارضة، وبعض القوى الدولية مثل واشنطن، حسب مقال لأحمد عسكر، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي يخشى من أن «تتطور الأزمة السياسية والدستورية، إلى انقسام في صفوف المؤسسة العسكرية ما قد يفضي إلى حرب أهلية في البلاد».
في سياق مواز، قال اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي المتخصص في الشأن الأفريقي، لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع في الصومال حرج في ظل نظام يرفض ترك السلطة ويستمد قوته من عمقه القبلي... فالتفكير القبلي مسيطر في أولويات الفكر الصومالي، رغم عدم انتشار ذلك. وهكذا يرفض الرئيس تسليم السلطة، وترى المعارضة أنه يتلاعب في الدوائر الانتخابية، وسط نظام انتخابي معقد يمنح سلطة انتخاب الرئيس لمجلس الشعب، وهو ما يحاول فرماجو استغلاله بالاعتماد على قبيلته، واستمالة رؤساء القبائل في صفقة سياسية للسيطرة على مجلس الشعب ومن ثم البقاء في السلطة».
الحرب الأهلية
ويعد شبح الحرب الأهلية «السيناريو الأسوأ» الذي يردده معظم المراقبين لتطورات الوضع في الصومال. ذلك أن الصومال الذي لم يتعاف نهائياً من تأثيرات عقد من الصراع الداخلي في فترة التسعينيات، مهدد بالعودة إلى النفق المظلم، الذي خرج منه عام 2000 باتفاق على صيغة انتقالية للحكم مبنية على المحاصصة العشائرية لمدة ثلاث سنوات، تنتقل بعدها البلاد إلى التعددية السياسية. ولكن بعد عقدين من الزمان ما زال هذا الاتفاق في مرحلته الأولى.
وهنا تؤكد الباحثة نرمين توفيق أن «السيناريو. والأقرب هو عودة الصومال إلى ما كانت عليه في فترة التسعينيات من القرن الماضي، واندلاع الحرب الأهلية من جديد». ويتفق معها اللواء عبد الواحد بقوله إن «الوضع في الصومال ينذر بحرب أهلية، في ظل ضعف الحكومة الصومالية المركزية وعجزها عن السيطرة على كامل أجزاء البلاد... وهو ما لم يحدث طوال تاريخها فهي تسيطر على العاصمة مقديشو، وبعض المناطق الشرق، بينما يسيطر تنظيم «حركة الشباب» على مناطق مثل صومالي لاند ووسط الصومال».
وعليه، يرى المراقبون أن «نظام فرماجو يحاول وضع البلاد أمام خيارين إما القبول به على سدة الحكم، سواء بانتخابات أو بدونها، أو عودة البلاد إلى حالة الاقتتال الداخلي التي عانت منها في تسعينيات القرن الماضي». بينما يقول غوسار «يتواصل الصراع السياسي في الصومال بين سلطة استنفدت ولايتها الدستورية وتكمل عامها الأول كحكومة تصريف أعمال، وتسعى جاهدة البقاء في السلطة لولاية ثانية، وبأي ثمن (...)، وبين معارضة ترى استفزازات السلطة بمثابة استباحة لكرامتها وحقوقها الدستورية، وأن حمل السلاح في وجه هذه السلطة هو الخيار الوحيد بعد استنفاد بقية الخيارات السلمية المتاحة».
من ناحية أخرى، فإن انهيار الأوضاع في الصومال لن ينحصر ضرره داخل حدوده، وفق ما يقدر الباحث أحمد عسكر في مقاله الذي حذر فيه من تحول الصومال إلى «ساحة صراع تتورط فيه جميع القوى والحركات السياسية بمختلف انتماءاتها ومصالحها، وبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى لحماية حلفائها في الداخل بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية في الصومال والمنطقة وتعزيز نفوذها هناك، الأمر الذي يفاقم من أزمات الصومال ويهدد وحدته وتماسكه».
القارة والإرهاب
حالة الفوضى والاضطراب ليست جديدة على الصومال، فقد عانى لسنوات من الفوضى والحرب الأهلية، وهو ما جعله بيئة خصبة لنمو الجماعات المسلحة الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «حركة شباب المجاهدين»، الذي ينتمي شق منه لتنظيم «القاعدة»، والآخر لتنظيم «داعش». وكان التنظيم يسيطر على نحو 85 في المائة من البلاد في وقت من الأوقات، غير أن هذه السيطرة «تراجعت في أعقاب الحرب عليه بمساعدة القوات الدولية وخاصةً الولايات المتحدة». الفرصة سانحة للعودة من جديد، ففي الأسبوع الماضي «قتل ستة أشخاص على الحدود الكينية مع الصومال»، وسط اتهامات للتنظيم بتنفيذ الهجوم، ونقلت مواقع صومالية أخباراً عن تنفيذ «حركة الشباب» عملية اغتيال تجاه في مديرية بوهكبا، إضافة إلى الهجوم على قاعدة عسكرية تابعة للقوات الأفريقية. وأشارت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية، في تقرير لها الأسبوع الماضي إلى «استغلال تنظيم الشباب للوضع السياسي في الصومال، وهو ما يهدد بسقوط البلاد في حالة فوضى أكثر عمقاً». وتابعت الصحيفة أن «المسؤولين المحليين في الصومال يقدرون عدد قتلى الاشتباكات بين القوات الإقليمية والفيدرالية وبين «فصيل أهل السنة والجماعة» المنشق عن الشباب بنحو 12 شخصاً منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في مدينة غوريال التي شهدت أكثر المعارك دموية، كما فر أكثر من 100 ألف شخص من المنطقة»، مشيرة إلى «مخاوف السكان من اقتراب حركة الشباب من العاصمة مقديشو».
وتلفت الدكتور نيرمين توفيق إلى «تواكب الصراعات السياسية المتسارعة مع قرب انسحاب قوات «الاتحاد الأفريقي» من البلاد والذي كان من المفترض أن يتم نهاية العام الماضي لكن تم تمديد بقائها إلى مارس (آذار) المقبل، ما ينذر بأوضاع متفجرة في البلاد، في ظل ضعف سيطرة قوات الأمن الصومالي ومحاولات حركة الشباب استغلال الفرضة لفرض السيطرة على البلاد». وأشارت إلى أن «ما يحدث في الصومال ليس بعيداً عن دول الجوار، فإذا أخذنا في الاعتبار التطورات في وسط أفريقيا، ونمو الكيانات الإرهابية الموالية لـ«داعش» وتحالفه مع «حركة شباب موزمبيق» فإن هذا ينذر بتفجر الوضع في القارة ككل».
من جانبه، يؤكد اللواء عبد الواحد أنه «من الطبيعي أن يحاول تنظيم «حركة الشباب» استغلال الحراك السياسي في الشارع، والمخاوف هنا تكمن في أنه بعد إنشاء حوار مع حركة طالبان، بات لدى هذه التنظيمات آمال في أن تندمج بالعملية السياسية للبلاد، وتحصل على اعتراف سياسي وإقليمي... وربما كان نموذج «أبو منصور» مثالا على ذلك، الذي كان متحدثا باسم «الشباب» وحارب في صفوفه، قبل أن ينضم للحكومة الصومالية ويحارب في صفوفها، وهذه فكرة تحتاج إلى دراسة وتثير تساؤلات حول إمكانية انضمام هذه التنظيمات للعملية السياسية».

«حركة الشباب»... الخطر الإرهابي الدائم
> مع توتر الأوضاع السياسية في الصومال عادت المخاوف من الإرهاب لتبرز من جديد على السطح، في ظل وجود تنظيم «حركة الشباب». والمعروف أن «الحركة» التي ما زالت تسيطر على بعض المناطق في الصومال، رغم نجاح الحملات العسكرية بقيادة «الاتحاد الأفريقي» في طردها من مناطق مهمة في البلاد. وتسعى «الحركة» حالياً لمد نفوذها إلى أماكن أخرى مستغلة حالة الانفلات السياسي التي تشهدها الصومال، لتوسيع نطاق سيطرتها الجغرافية في البلاد، وزيادة نفوذها المحلي والإقليمية.
«حركة الشباب» جماعة متشددة متمردة مقرها في الصومال، أسست عام 2006. وبحسب تقرير نشره «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي» في منتصف العام الماضي، فإن «أصل الحركة والمغذي للعديد من قادتها هو «الاتحاد الإسلامي»، الجماعة الإسلامية المتشددة التي بلغت ذروتها في التسعينيات من القرن الماضي، بعد سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، وكانت تمول جزئيا من زعيم القاعدة أسامة بن لادن».
إلا أنه في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، نشأ خلاف بين الحرس القديم في «الاتحاد الإسلامي»، الذين كانوا يسعون لتأسيس جبهة سياسية، وبين الأعضاء الأصغر سنا، الذين كانون يحلمون بـ«دولة الصومال الكبرى الإسلامية». ولقد انضم المتشددون إلى ما يعرف بـ«اتحاد المحاكم الإسلامية»، وسيطروا على العاصمة مقديشو في عام 2006، ما أثار مخاوف إثيوبيا، التي قررت غزو الصومال في نهاية العام نفسه، لطرد «تحالف المحاكم الإسلامية».
ويوثق تقرير نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» عام 2011 وأعده روب وايز، خبير مكافحة الإرهاب، بالقول إن «تدخل إثيوبيا الذي جاء بناء على طلب من الحكومة الصومالية الانتقالية هو السبب وراء تطرف «حركة الشباب». وكان مسؤولاً عن تحويل المجموعة من جزء صغير غير مهم نسبياً من حركة إسلامية أكثر اعتدالاً إلى أقوى فصيل مسلح راديكالي في البلاد».
وبين عامي 2006 و2008 تنامى نشاط «حركة الشباب» بتنظيم القاعدة، وصنفتها وزارة الخارجية الأميركية كتنظيم إرهابي عام 2008، بينما أعلنت قيادة الحركة الولاء لـ«القاعدة» بشكل رسمي عام 2012، وتقدر الحكومة الأميركية اليوم عدد أعضاء «حركة الشباب» بما بين 5 إلى 10 آلاف شخص.
قائد «الحركة» حالياً أحمد عمر، المعروف باسم «أبو عبيدة»، وجرى تنصيبه عام 2014، بعد مقتل سلفه أحمد عبدي غودان في غارة أميركية بمسيرة. وتمول الحركة أنشطتها من مصادر متعددة بينها القرصنة والخطف وابتزاز المزارعين، والتهريب إضافة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى.
من ناحية ثانية، نفذت «الشباب» أكثر من 100 هجوم في الصومال خلال العام الماضي، بحسب تقديرات وتقارير دولية. وتمكنت من تنفيذ هجمات خارج الصومال أيضاً، ما يزيد مخاوف المحللين من أن «تدهور الوضع الأمني في دول القارة الأفريقية نتيجة للصراعات السياسية في الصومال يشكل بيئة خصبة لعودة نفوذ الحركة». وكانت أولى عملياتها الخارجية عام 2010، عبر تفجير انتحاري في العاصمة الأوغندية أسفر عن مقتل 74 شخصاً، ردا على إرسال أوغندا قوات ضمن قوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال «أميصوم» التي تشكلت عام 2007.
وقال المتحدث باسم «الشباب» حينذاك «إننا نرسل رسالة إلى كل دولة ترغب في إرسال قوات إلى الصومال مفادها أنها ستواجه هجمات على أراضيها». أيضاً، أعلن مقاتلو الحركة في عام 2013 مسؤوليتهم عن هجوم على مركز تجاري في العاصمة الكينية نيروبي أسفر عن مقتل 67 شخصاً، وهجوم على جامعة في مدينة غاريسا الكينية عام 2015 أدى إلى مقتل 148 شخصاً.
ومن المنتظر أن يسحب الاتحاد الأفريقي قواته التي يقدر عديدها بنحو 20 ألف جندي من الصومال في مارس (آذار) المقبل، وسط مخاوف من عجز القوات الصومالية عن السيطرة على الأراضي المحررة من «حركة الشباب».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.