استياءٌ من مواقف نصر الله ورفضٌ لاستخدامه لبنان «صندوق بريد»

توجّه لإطلاق «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني» الأسبوع المقبل

فؤاد السنيورة
فؤاد السنيورة
TT

استياءٌ من مواقف نصر الله ورفضٌ لاستخدامه لبنان «صندوق بريد»

فؤاد السنيورة
فؤاد السنيورة

لا يزال تصعيد أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، ضد المملكة العربية السعودية يحتل مساحة واسعة من الانتقاد في لبنان مع توالي المواقف المستنكرة لتصريحات نصر الله والداعية إلى تحرير لبنان من هيمنة سلاحه والكف عن إدخال لبنان في لعبة المحاور.
وفي هذا الإطار، شدد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، على «ضرورة العمل لتصويب بوصلتنا الوطنية بما يخدم مصلحة اللبنانيين». وتحدث عن العلاقة مع الأشقاء العرب بالقول: «لبنان لطالما كان قائماً على أساس أن تكون هناك فعلياً سياسة نأي بالنفس عن الخلافات وعن المحاور الإقليمية، وقد مررنا في محن عديدة في العقود الماضية والسنوات الماضية منها ما حصل في عام 2006 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان، والثاني فيما جرى في تفجير مرفأ بيروت؛ في عام 2006 وقفت جميع الدول العربية إلى جانب لبنان ولو لم يكن هناك وقوف حقيقي من دول الخليج العربي خلال عام 2006 لما أمكن إعادة إعمار كل ما دُمِّر خلال تلك السنوات، والحقيقة أن القسم الأكبر من المعونات الذي وصل إلى لبنان عام 2006 كان من الخليج العربي، إذ إن المبلغ الذي قدموه يصل إلى نحو 1200 مليون دولار نقداً، ذلك باستثناء المعونات التي كانت عينية، في المقابل نجد أن القسم الأكبر من تلك المعونات كانت من المملكة العربية السعودية والتي فعلياً كانت مسؤولة عن إعادة إعمار وبناء وترميم 50% من مجموع الدمار الذي حصل في الوحدات السكنية التي تعرضت للدمار أو للتخريب عام 2006».
وأضاف: «في المقابل، نجد أن ما حصل في مرفأ بيروت بالإضافة إلى الخسائر البشرية الكبرى التي تعرّض لها لبنان وبعدد الضحايا الكبير الذي تعرض له، أن هناك دماراً ما زلنا نبحث عمّن يساعد لبنان في إعادة الإعمار. أقول هذا من أجل أن نعود إلى ما يسمى التبصر في أحوالنا وحاجات مجتمعنا من أجل إعادة بناء هذا التخريب الذي جرى والخروج من هذا المأزق».
من جهته، يرى الوزير السابق أشرف ريفي أن مواقف نصر الله تأتي نتيجة الواقع المأزوم الذي يعيشه المشروع الإيراني في المنطقة من العراق إلى اليمن وسوريا وحتى في طهران، وفي لبنان يبدو واضحا أن «حزب الله» بات مطوقاً من كل القوى السياسية على اختلاف طوائفها، وهو بدأ في هذا الإطار يرسل موفدين إلى بعضهم محاولاً بعث رسائل طمأنة». ويقول ريفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الإرباك بدا واضحاً في خطاب نصر الله الأخير، وما قاله هو نتيجة أمر عمليات إيرانية لعملاء طهران في المنطقة وهي التي قد تتصاعد أو تتراجع وفق الأوامر»، متوقفاً عند وجود اثنين من اليمنيين بلباسهما التقليدي مع الخنجر في الصفوف الأمامية خلال إلقاء نصر الله كلمته، واضعاً هذا الأمر في خانة الرسالة إلى لبنان.
ورأى ريفي أن «(حزب الله) بات اليوم في لبنان محاصراً بالجرائم التي ارتكبها؛ من جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وصولاً إلى تورطه بتفجير المرفأ، وهو ما تؤكده محاولته الإطاحة بالمحقق العدلي طارق البيطار بعد إزاحة سلفه، ويرى أن كل ذلك يؤدي إلى تراجع هيبة الحزب حتى في بيئته، وسيأتي يوم سيحاسبه اللبنانيون وهذا اليوم بات قريباً، وستعكسه أيضاً صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية، حيث ستكون النتائج صادمة»، متوقعاً أن تكون على غرار نتائج الانتخابات العراقية حيث تلقى صفعة المشروع الإيراني.
ويرفض ريفي توصيف نصر الله للبنانيين المغتربين في السعودية بالرهائن، قائلاً: «نحن كلبنانيين رهائن و(حزب الله) هو الخاطف وبتنا نتمنى أن نكون رهائن لدى المملكة بعدما قام نصر الله وحزبه بكل شيء لتدمير لبنان بكل قطاعاته، وكانت انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ثورة على هذا الواقع».
ويضيف: «السعودية لم تقم إلا بمساعدة اللبنانيين داخل لبنان والمغتربين الموجودين على أراضيها من دون أن تتدخل في السياسة الداخلية، بل على العكس، لطالما كانت ولا تزال حريصة على العيش المشترك في لبنان ومساعدة مؤسساته ولا سيما منها الأمنية والعسكرية والتعامل مع السلطة السياسية في لبنان، وليس كإيران التي تدعم فئة بعينها وعملاء لها وتقدم السلاح لهم من خارج إطار الشرعية محوّلين لبنان إلى معسكر تدريبي ويحاولون تغيير تركيبته».
من جهته، يقول النائب السابق فارس سعيد، إن نصر الله يتعامل مع لبنان كصندوق بريد، مؤكداً ضرورة تحريره من الاحتلال الإيراني. ويقول سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة نصر الله هي مع اللبنانيين قبل أن تكون مع المملكة العربية السعودية عبر إلغائه الجمهورية مختزلاً إياها بصندوق بريد لإرسال رسائل إيرانية باتجاه المملكة بما يصبّ في مصلحته ومصلحة إيران». ويتوقف سعيد عند تخطي نصر الله وعدم إعطائه أي أهمية لما قاله حليفه الرئيس ميشال عون، ومن ثم حليفه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أتى به إلى رئاسة الحكومة، عن رفضهما الإساءة للمملكة، مضيفاً: «لم يأخذ بعين الاعتبار كل ذلك واستمر في استخدام لبنان كصندوق بريد بما يتناسب ومصلحته ومصلحة إيران، لذا تبقى المهمة الأساسية اليوم في ضرورة العمل على تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني». ويشير سعيد إلى توجهه الأسبوع المقبل، بمشاركة شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية تعكس التنوع اللبناني، لإطلاق «المجلس الوطني اللبناني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان». ويوضح أن «أبرز أهداف هذا المجلس هو تأكيد أنه لا يمكن إيجاد حلّ للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان إلا باستقلال لبنان عبر رفع الاحتلال الإيراني وهو أحد أولوياته، إضافةً إلى تأكيد رفض المسّ بالدستور واتفاق الطائف، والوقوف ضد محاولات سلخ لبنان عن الحضن العربي، ورفض الخروج من الشرعية الدولية، والتمسك بالقرارات الدولية».
وفي إطار رفض مواقف نصر الله أيضاً والمطالبة برفض الهيمنة الإيرانية، تمنّت «الجبهة السيادية من أجل لبنان» (تضم مجموعة من الشخصيات السياسية) في اجتماعها الأسبوعي، «خروج لبنان من جهنم من خلال رفع هيمنة السلاح الإيراني وأغطية السلاح عن كاهل الوطن»، داعمةً صرخة المطران إلياس عودة بقوله إن «مَن يغضّ الطرف عن سلاح خارج الشرعية مجرم بحق الوطن».
ورأت أن «ما ورد في الإطلالات المتلفزة لرئيس الجمهورية ولوريثه رئيس التيار الوطني الحر، ما هو إلا تقديم أوراق اعتماد جديدة لدى (حزب الله) وسوريا لينقذاهما من الخسارة الشعبية التي تنتظرهما في عام 2022». ورأت أن «إصرار الأمين العام لـ(حزب الله) على الإساءة إلى العلاقات الخارجية للبنان، وبخاصة مع دول الخليج العربي، يؤكد ضرورة الحياد، وأقله تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية حسب البند 12 من إعلان بعبدا الذي وافق ووقّع عليه الحزب في عام 2012، لأنه لا حلّ إلا بقيام دولة فعلية تبسط سيادتها على كامل أراضيها وتحافظ على علاقاتها الممتازة مع جميع الدول خصوصاً العربية منها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.