توقعات ببقاء الحكومة العراقية المقبلة أسيرة «التحاصص» السياسي

غداة اقتراب موعد جلسة البرلمان الأولى في دورته الخامسة

TT

توقعات ببقاء الحكومة العراقية المقبلة أسيرة «التحاصص» السياسي

كلما اقترب موعد عقد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي بدورته الخامسة المقرر يوم الأحد المقبل، أصبح من الواضح أن سياق «التحاصص» بين ممثلي المكونات السياسية الأساسية الثلاثة (الشيعة، السنّة، الأكراد) سيبقى هو الخيار الممكن والوحيد ربما، رغم أن بعض القوى السياسية تميل إلى تغليفه بتسمية «الأغلبية الوطنية» الأكثر قبولاً من الناحية الشعبية.
التحركات السياسية الأخيرة على مستوى القوى القومية والطائفية تلقي بمزيد من الضوء على شكل الحكومة المقبلة، وتجعل من التوقُّعات المحتملة أكثر وضحاً. فزعيم «الكتلة الصدرية» مقتدى الصدر الذي حصد 73 مقعداً بأعلى رصيد في البرلمان، والذي فضّل غداة إعلان النتائج الانتخابية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الحديث عن «أغلبية وطنية»، يبدو اليوم أكثر استعداداً لمغادرة منطقة «الوطنية الرمادية» التي روج لها فيما مضى، وهي المنطقة التي تستند إلى السعي إلى تشكيل «أغلبية وطنية» على حساب مفهوم «الأغلبية التوافقية»، وأغلبية الصدر المفترضة شبه مستحيلة في ظل السياق السياسي والقوانين التي حكمت البلاد ما بعد 2003، حيث لن يتمكن الصدر بأي حال من الأحوال من تشكيل الحكومة المقبلة إلا بتحالفه مع كُتَل سياسية أخرى لا يقل عدد نوابها عن نحو 95 نائباً لتمرير صفقة الرئاسات الثلاث، حيث تحتاج عملية اختيار رئيس البرلمان ونائبيه إلى أغلبية النصف زائد واحد (نحو 165 نائباً) ويحتاج اختيار منصب رئاسة الجمهورية والوزراء إلى عدد مماثل، من هنا، فإن تشكيل الحكومة بشكل منفرد ليس خياراً متاحاً أمام الصدر، ويتوجب عليه التحالف مع الآخرين، سواء كانوا من أبناء جلدته الشيعة، أو من بقية المكونات الكردية والسنية. وقد كانت مطالبته الأولى بحكومة «أغلبية وطنية» مثار امتعاض معظم القوى الشيعية الأخرى المنضوية في تجمُّع ما بات يُعرَف بـ«الإطار التنسيقي»، لأنها هذه القوى كانت تعتقد أن الصدر عازم على إقصائها والتحالف مع القوى السنية والكردية بذريعة الإطار الوطني العام، وليس الإطار الطائفي الشيعي.
مؤشرات اليومين الأخيرين، خصوصاً على المستويين الشيعي والسني، تؤكد بما لا يقبل الشك ربما ما يذهب إليه غالبية المراقبين المحليين من أن الأمور تسير بسياق التحاصص ذاته الذي جرت عليه العادة السياسية منذ 5 دورات برلمانية؛ فقد ظهرت مؤشرات قوية على التقارب المحتمل بين الصدر وبقية الكتل الشيعية داخل «الإطار التنسيقي»، وكذلك الحال مع القوى السنية المتمثلة في تحالفي «عزم» و«تقدم»، إذ تبرأ «الإطار التنسيقي»، أول من أمس، من جميع التصريحات (السلبية) التي تصدر من خارج أعضاء قياداته بخصوص الكتلة الصدرية، وأكد أهمية إنجاح التفاهم معها.
وقال الإطار في بيان إنه «استمراراً في المنهج الذي سار عليه الإطار التنسيقي في وحدة الكلمة ورص الصفوف، نؤكد حرصنا الشديد على إنجاح التفاهم مع الكتلة الصدرية وباقي القوى الوطنية من أجل تقديم الأفضل للشعب العراقي الصابر».
وفي الجانب السني، دعا تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، أمس، غريمه تحالف «العزم» إلى «توحيد المواقف».
وقال التحالف في بيان: «مع قرب موعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، وإيماناً منا بضرورة توحيد المواقف لتحقيق وحدة العراق وسيادته وحفظ حقوق جماهيرنا الوفية؛ فإننا تعبّر عن رغبتنا الصادقة بتوحيد العمل السياسي في محافظاتنا العزيزة (محافظات غرب وشمال البلاد ذات الأغلبية السنية) وتحت راية واحدة».
وأضاف: «ندعو الشيخ خميس الخنجر والصادقين معه في (تحالف العزم) إلى تحمل مسؤولياته في قيادة المرحلة المقبلة، بتحالف جامع مع إخوانه في (تحالف تقدم الوطني)».
التقارب الشديد بين الغرمين السنيين، دعا الخبير القانوني طارق حرب إلى القول إن «وحدة النواب العرب السنّة (تقدم وعزم) أيقظ النواب الشيعة والكرد من سكرتهم». بمعنى أنه سيدفعهم إلى مزيد من الانطواء داخل مكوناتهم المذهبية والقومية لمواجهة احتمال فقدانهم لمغانم السلطة في الحكومة المقبلة، وذلك تالياً، يكرس مبدأ التحاصص المعتاد.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، أن «لا ابتعاد عن المحاصصة مهما كان عنوان الحكومة المقبلة».
ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل عدم وجود كتلة برلمانية فائزة بمقاعد تعادل النصف زائد واحد في البرلمان، فإن القوى السياسية تذهب نحو الحكومات الائتلافية».
ويضيف أن «الشكل الائتلافي من الحكومات، وسواء كان مؤلفاً من الفائزين الأقوياء الثلاثة أو الأربعة، أو من خلال توافق الأغلبية، أي اشتراك ما نسبته 80 في المائة من الكتل في الحكومة المقبلة، فهذا مؤشر ثابت من أنها ستكون حكومة محاصصة».
ويتابع أن «هدف القوى السياسية التي تشترك في ائتلاف حكومي هو تقاسم المناصب الحكومية، من هنا، فإننا سنشهد مرة أخرى عودة عرف المحاصصة الذي تشكلت على أساسه جميع الحكومات السابقة، وحتى المفاوضات الحالية والاختلاف بشأن حكومة الأغلبية الوطنية أو التوافقية؛ فهي في الحقيقة تتباحث حول الحصص والمناصب حكومية». في المحصلة الأخيرة، النظام التوافقي المستند إلى مفهوم التمثيل البرلماني النسبي الذي أقر بعد عام 2003، كانت غايته تبديد مخاوف جميع المكونات من أن تطغى طائفة أو قومية على أخرى، لكنه تحول على يد الأحزاب والكتل السياسية إلى ما يشبه الكابوس نتيجة عنايتها الأساسية بمصالحها الحزبية الضيقة، وليس مصالح البلاد والعباد، من هنا فإن عموم المواطنين العراقيين لايعولون كثيراً على أي حكومة مقبولة تنبثق من ذات النظام الذي اختبروه منذ 18 عاماً، ولم يجلب لبلادهم غير الفساد وسوء الإدارة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».