إسرائيل و«حماس» تتبادلان رسائل تهدئة

بعد قصف البحر مقابل تل أبيب ومواقع فارغة في غزة

طفل في مخيم جباليا بغزة ينظر من فتحة خيمة (د.ب.أ)
طفل في مخيم جباليا بغزة ينظر من فتحة خيمة (د.ب.أ)
TT

إسرائيل و«حماس» تتبادلان رسائل تهدئة

طفل في مخيم جباليا بغزة ينظر من فتحة خيمة (د.ب.أ)
طفل في مخيم جباليا بغزة ينظر من فتحة خيمة (د.ب.أ)

في الوقت الذي اختتم فيه الجانبان، في الحكومة الإسرائيلية وفي قيادة حركة «حماس»، تبادل القصف الصاروخي، وأتبعاه بتصريحات تهديد ملتهبة، تبادلا أمس رسائل التهدئة، عبر الوسيط المصري. فأكد كل منهما للآخر عدم رغبته في التصعيد، واستعداده للالتزام بشروط التهدئة التي توصلا إليها في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بعد العمليات الحربية الإسرائيلية على قطاع غزة في شهر مايو (أيار).
وقالت «حماس»، إن الصاروخين أطلقا باتجاه تل أبيب، بالخطأ، بسبب الأحوال الجوية. وقام مسؤول إسرائيلي بتبرئة «حماس» من إطلاق الصاروخين على تل أبيب، وقال إن إسرائيل تعتقد بأن حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، كانت مسؤولة عن هذا الإطلاق، وليست «حماس». وقال المراسل العسكري للقناة الرسمية للتلفزيون، إن «حماس» أبلغت إسرائيل عبر وسطاء مصريين أنها غير مسؤولة.
وأكدت مصادر سياسية في تل أبيب ورام الله، أمس، على أن التهدئة لا تعني أن هناك اتفاقاً؛ لكن الجهود المصرية ترمي إلى وقف نار حقيقي، والانعطاف نحو تهدئة شاملة تتيح إعمار غزة. ومع ذلك فإن من النادر أن تجد مسؤولاً يتحدث عن نجاح هذه الجهود. ولذلك فإن السيناريو الأقرب إلى الواقع، هو وقوع صدامات يحرص كل طرف على أن تبقى محدودة ومحسوبة من الطرفين.
وكانت هذه الجولة من التوتر قد بدأت على أثر سقوط صاروخين، انطلقا من غزة باتجاه تل أبيب، صبيحة السبت الماضي. ومع أنهما سقطا في البحر بعيداً جداً عن المنطقة المأهولة، لدرجة أن منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية لم تطلق صاروخا.
ورداً على ذلك، قامت إسرائيل بشن غارات جوية في غزة في وقت متأخر من ليل السبت– الأحد.
وقال الناطق بلسان الجيش، أمس، إن «طائرات مقاتلة ومروحيات هاجمت سلسلة من الأهداف في منشأة لإنتاج الصواريخ تابعة لحركة (حماس)؛ بينما قامت الدبابات الإسرائيلية بقصف مواقع عسكرية لـ(حماس) قرب حدود غزة مع إسرائيل». وأكدت «حماس» هذا النبأ، وقالت إن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت موقعاً تابعاً للحركة غربي خان يونس، في الجزء الجنوبي من القطاع، بينما استهدفت الدبابات مواقع في شمال غزة.
ولفت النظر قيام «حماس» بإطلاق صاروخين على القوات الإسرائيلية، قيل إنهما من طراز «سام 7»، المحمول على الكتف. وتبين أن القصف على غزة كان محسوباً ومحدوداً، ولم يوقع ضحايا، كما حصل مع الصاروخين الموجهين إلى تل أبيب. ومع ذلك فإن قادة الطرفين راحوا يتبادلون تهديدات كلامية. فقد سربت مصادر مقربة من القيادات العسكرية في تل أبيب، أن إسرائيل نقلت رسالة إلى الوسطاء المصريين، مفادها أنها تعتبر إطلاق الصواريخ أمراً خطيراً؛ خصوصاً بعد إطلاق النار على مدني إسرائيلي على حدود غزة يوم الأربعاء الماضي.
وقال مسؤولون أمنيون، إن إسرائيل تسعى إلى الرد بطريقة «لا تسبب تصعيداً؛ لكنها تنقل رسالة مفادها أن الحوادث على الحدود وإطلاق الصواريخ أمر غير مقبول».
ونُقل على لسان وزير العدل الإسرائيلي، غدعون ساعر، قوله، إن «حكومة بينيت تثبت أنها أكثر حزماً وصرامة من حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، في الرد على (حماس)». وقال بينيت نفسه، في مستهل جلسة الحكومة، أمس الأحد، إن «من يوجه صواريخ تجاه إسرائيل سيتحمل المسؤولية». وأضاف: «كل الحكايات الحمساوية عن البرق والرعد التي تتكرر خلال كل فصل شتاء، لا تنطلي علينا. فمن يوجه الصواريخ صوب إسرائيل يتحمل المسؤولية».
وأما «حماس»، فراح المتحدثون باسمها، يشيرون إلى تطور أسلحة نوعي لديهم سيفاجئ العدو ويصدمه، مثلما فاجأه إطلاق صواريخ باتجاه الطائرات. وأكدوا «استخدام المقاومة صواريخ ومضادات ثقيلة في التصدي للغارات التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على أهداف في قطاع غزة».
وقال حازم قاسم، الناطق باسم «حماس» في بيان له، الأحد، إن «المقاومة ستظل تؤدي واجبها في الدفاع عن شعبنا، وتحرير الأرض والمقدسات، متمسكة بسلاحها حتى التحرير والعودة»، موجهاً التحية لـ«رجال المقاومة الذين تصدوا لغارات الاحتلال بصواريخهم ومضاداتهم الثقيلة».
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن إحدى طائراته الحربية تعرضت فعلاً لصاروخ «أرض- جو» مضاد للطيران، خلال الهجوم على قطاع غزة الليلة قبل الماضية «دون وقوع إصابات أو أضرار». وبحسب قناة «الأقصى» الفضائية التابعة لـ«حماس»، فإن «وحدات الدفاع الجوي للمقاومة تستهدف الطيران المروحي المغير بصاروخين من نوع (سام 7) المضاد للطيران الذي كان قد لعب دوراً أساسياً في حرب أكتوبر (تشرين الأول)» في عام 1973.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.