غارة اللاذقية... نقطة تحوّل روسية؟

عمال الدفاع المدني يحاولون إطفاء حرائق في ميناء اللاذقية بعد قصف إسرائيلي في 28 الشهر الماضي (إ.ب.أ)
عمال الدفاع المدني يحاولون إطفاء حرائق في ميناء اللاذقية بعد قصف إسرائيلي في 28 الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

غارة اللاذقية... نقطة تحوّل روسية؟

عمال الدفاع المدني يحاولون إطفاء حرائق في ميناء اللاذقية بعد قصف إسرائيلي في 28 الشهر الماضي (إ.ب.أ)
عمال الدفاع المدني يحاولون إطفاء حرائق في ميناء اللاذقية بعد قصف إسرائيلي في 28 الشهر الماضي (إ.ب.أ)

الغارة الإسرائيلية الأخيرة على «حاوية أسلحة» في ميناء اللاذقية، قد تشكل نقطة محورية، أو على الأقل محطة أساسية، في الصراع السوري، خصوصاً إذا جرى التدقيق في التغيير بالموقف الروسي، وتم وضع ذلك في سياق تطورات حصلت في سوريا ودمشق وعواصم أخرى.
شنت إسرائيل في السنوات الماضية، مئات الغارات بصواريخ أرض - أرض أو بقصف جوي، على «مواقع إيرانية» في سوريا، كما أنها المرة الثانية التي يُقصف فيها ميناء اللاذقية. لكن بالتأكيد الغارة الأخيرة على الميناء تضمنت رسائل روسية واضحة إلى دمشق وطهران وواشنطن وعواصم أخرى.
إحدى إشارات التغيير الكبير في الموقف الروسي، هو أنه في 2018 حصل توتر بين موسكو وتل أبيب على خلفية إسقاط سوريا لطائرة روسية في البحر المتوسط، بعد غارات على غرب سوريا. وقتذاك، تطلب الأمر زيارات و«اعتذارات» من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، للرئيس فلاديمير بوتين، لطي صفحة التوتر.
الآن، يبدو بالفعل، أن حجم ونطاق وكثافة القصف الإسرائيلي، ما بعد لقاء بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، في سوتشي، في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليس كما كان قبله. واضح أن بينت حصل على «ضوء أخضر» من بوتين لتوجيه «ضربات أشد وأدق وملاحقة إيران في سوريا ومنع تموضعها الاستراتيجي». فقط طلب بوتين من إسرائيل، «عدم التعرض للمصالح الروسية في سوريا» و«تجنب استهداف مباشر للقوات السورية»، إضافة إلى إبلاغ قاعدة حميميم عبر الخط الساخن بموعد القصف قبل «فترة معقولة» من حصوله. لا شك، أن قصف أطراف دمشق بصواريخ أرض - أرض في نهاية أكتوبر مثالٌ. منع الرد على قصف قاعدة «تي فور» في ريف حمص مثال ثان. أما الاختبار الثالث، فكان بقصف ميناء اللاذقية في 7 من الشهر الماضي، ثم قبل يومين.
منذ لقاء بوتين - بينت، تغير الخطاب الروسي. قبل ذلك، كانت قاعدة حميميم تفاخر بقيام مضادات الدفاع الجوي السوري، الروسية، بالرد على القصف. وتنشر بياناتها الرسمية تفاصيل أنواع الصواريخ، التي بالتأكيد لم تشمل منظومات «إس 300» و«إس 300 المتطورة» و«إس 400». لكن بعد اللقاء، هناك ثلاثة اختبارات تؤكد تغير تعليمات الكرملين:
الأول، جاء من المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف خلال زيارته دمشق في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما قال رداً على الغارات إن موسكو «ترفض بشكل قاطع هذه الأعمال اللاإنسانية، وندعو للتواصل مع الطرف الإسرائيلي على جميع المستويات حول ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ووقف عمليات القصف». وأضاف: «في هذا السياق سيكون الرد باستخدام القوة غير بناء لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سوريا».
الثاني، في نهاية الشهر الماضي، عندما أعلنت قاعدة حميميم أن القصف الإسرائيلي استهدف «مستودعاً» في مطار دمشق، في إشارة إلى مصالح إيرانية، على عكس البيان الرسمي السوري الذي أشار إلى أن «رشقات» القصف استهدفت جنوب سوريا.
الثالث، جاء بعد القصف الأخير على اللاذقية، إذ إنه لأول مرة تشرح وزارة الدفاع الروسية أسباب عدم الرد على القصف، إذ قالت في بيان إن «قوات الدفاع الجوي السورية لم تدخل قتالاً جوياً، لأنه تواجدت وقت الضربة في منطقة نيران منظومات الدفاع الجوي طائرة تابعة لقوات النقل العسكري للقوات الجوية الفضائية الروسية خلال عملية الهبوط في مطار حميميم».
لهذه الكلمات معانٍ كثيرة، خصوصاً إن تأتي من بلد مثل روسيا، حيث الكلمات تدرس في المختبرات قبل توزيعها وإلقائها. واضح، أن موسكو قررت بعث رسائل عدم رضا إلى طهران ومحاولة تمددها العسكري في سوريا. أكيد أنها لم تكن مسرورة، عندما قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في طهران، الشهر الماضي، إن «المقاومة هي السبيل الوحيد لاستئصال هذه الغدة السرطانية (أي إسرائيل) من المنطقة». كما أنها لم تكن راضية على قيام مسيّرات إيرانية بقصف قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا «رداً» على قصف تل أبيب لقاعدة «تي فور» في ريف حمص.
أيضاً، موسكو يبدو أنها قررت رفع مستوى الضغط على دمشق، كي تنحاز إلى الخيارات الروسية. ولا شك أن ظل القصف الإسرائيلي في القنيطرة، شيء، وفي وسط سوريا، شيء آخر. أما أن يكون القصف في اللاذقية، المعقل الرئيسي لموالي النظام وقاعدته الاجتماعية، وعلى بعد 20 كلم من قاعدة حميميم الروسية، ففي هذا رسائل كثيرة، لا تخطئ وجهتها.
لا شك أن لجم الاستهداف الإيراني للوجود العسكري الأميركي، ومباركة القصف الإسرائيلي للوجود الإيراني، وغض الطرف على تأليب القاعدة الاجتماعية في الساحل السوري، والتدخل مباشرة لتفكيك شبكات المخدرات قرب حدود الأردن، رسائل روسية إلى دول عربية كي لا تتراجع عن «التطبيع» مع دمشق، وإلى واشنطن وتل أبيب كي تباركا أكثر الدور الروسي في سوريا.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.