أولوية مواجهة الوباء: تعزيز المنظومات الصحية والحياة الاقتصادية

بريطانيا {مختبر تجارب} لتحديد استراتيجية للسيطرة على «أوميكرون» بأقل قدر من القيود

رئيس الوزراء البريطاني في مركز تطعيم وسط إنجلترا مراهناً على اللقاحات لمواجهة المتحور (أ.ب)
رئيس الوزراء البريطاني في مركز تطعيم وسط إنجلترا مراهناً على اللقاحات لمواجهة المتحور (أ.ب)
TT

أولوية مواجهة الوباء: تعزيز المنظومات الصحية والحياة الاقتصادية

رئيس الوزراء البريطاني في مركز تطعيم وسط إنجلترا مراهناً على اللقاحات لمواجهة المتحور (أ.ب)
رئيس الوزراء البريطاني في مركز تطعيم وسط إنجلترا مراهناً على اللقاحات لمواجهة المتحور (أ.ب)

بعد يوم حافل بالأرقام القياسية المطلقة في عدد الإصابات اليومية الجديدة بكوفيد، الذي كاد يلامس نصف مليون في الولايات المتحدة ومائتي ألف في فرنسا، لم تعد الرهانات في مكافحة الوباء تركز على احتواء المتحور الجديد الذي تدل كل المؤشرات الأولية على قلة خطورته، بقدر ما تستهدف تعزيز المنظومات الصحية لتمكينها من الاستجابة لسيل الإصابات الذي يتدفق بكثافة غير مسبوقة في تاريخ الأوبئة، والحيلولة دون شلل الحياة الاقتصادية، التي بدأت قطاعات عدة منها ترزح تحت وطأة قيود الحجر الصحي الذي فرضته عشرات الملايين من الإصابات بـ«أوميكرون».
وتقول الأوساط العلمية إن قسوة الموجة الوبائية التي يتسبب بها المتحور الجديد ستحددها في نهاية المطاف، الموازنة بين سرعة سريانه وتدني خطورة الإصابات الناجمة عنه، خصوصاً لدى الملقحين. ويعتبر الخبراء أنه برغم قلة حالات الاستشفاء (دخول المستشفيات)، التي يسببها «أوميكرون»، فإن كثرة الإصابات ستنهك المنظومات الصحية، والسبيل الوحيد لتحاشي ذلك، هو أن تتأكد التقديرات بأن المتحور الجديد أقل خطورة بكثير من سلفه «دلتا»، أو أن الموجات السريعة التي يتسبب بها ستكون قصيرة الأمد، كما يتبدى في ضوء البيانات الأخيرة الواردة من مسقط رأسه في جنوب أفريقيا.
لكن الأرقام الحالية في أوروبا والولايات المتحدة، لا توحي بأن ثمة تراجعاً في أفق الإصابات الجديدة، وبالتالي لا بد من مواصلة الحذر الشديد لأنه طالما استمر منحى السريان في الصعود يبقى «أوميكرون» خطراً داهماً.
صحيح أن حالات الاستشفاء لم تصل بعد إلى المستوى الذي بلغته في مراحل الذروة السابقة، لكن البيانات الأخيرة للمركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، تفيد بأن هذه الحالات وصلت في بعض البلدان إلى 39 في المائة مما كانت عليه في ذروة الانتشار مطالع العام الجاري، فيما بلغت حالات العلاج في وحدات العناية الفائقة 44 في المائة من الحالات السابقة. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن البيانات الوحيدة المفصلة عن هذه الحالات في الوقت الراهن، هي التي أعلنتها وزارة الصحة البريطانية، والتي تفيد بأن 25 في المائة من هذه الحالات هي لمصابين بكوفيد لكنهم يعالجون في وحدات العناية الفائقة لأسباب أخرى، والبقية بسبب من إصابتهم بالفيروس. يضاف إلى ذلك أنه لا توجد حتى الآن بيانات عن هذه الحالات تميز بين الإصابة بالمتحور الجديد أو بمتحور دلتا، ما يقتضي الاستمرار في الحيطة لاستخلاص الاستنتاجات حول مدى خطورة «أوميكرون».
وتبين المراجعة المتأنية لمراحل الجائحة طوال عامين، أن الموجات الوبائية كانت تنخفض بسرعة بعد بلوغها الذروة، لكن تزامن هذه الموجة مع فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، ومع موسم الإنفلونزا، يبعد احتمالات انخفاضها قريباً، خاصة بعد أرقام الأيام الأخيرة.
في غضون ذلك، تتجه الأنظار مرة أخرى إلى المملكة المتحدة، التي تحولت إلى مختبر تجارب لتحديد الاستراتيجية الفاعلة للسيطرة على متحور «أوميكرون»، بأقل قدر ممكن من القيود. وتعتمد الحكومة البريطانية، حالياً، استراتيجيات مختلفة لكل من الأقاليم الأربعة التي تشكل المملكة المتحدة، لكن الاستراتيجية التي تثير اهتمام الهيئات الصحية الأوروبية هي المعتمدة في إنجلترا التي يعيش فيها 56 مليون ساكن من أصل سكان بريطانيا الذين يبلغون 68 مليوناً، وذلك لأنها الاستراتيجية التي تفرض أقل قدر من القيود على الحياة الاجتماعية وتراهن بشكل أساسي على اللقاحات، خصوصاً الجرعة المعززة، في المعركة ضد الموجة الوبائية الجديدة.
وتعتبر الحكومة البريطانية أن مستوى التغطية اللقاحية المعززة بالجرعة الإضافية هو العامل الأساسي الذي سيحدد تأثير المتحور الجديد على المشهد الوبائي، خصوصاً في ضوء النسبة العالية من الحالات التي تعالج في وحدات العناية الفائقة لغير الملقحين. وتفيد البيانات الصحية للعاصمة لندن بأن 40 في المائة من المصابين في وحدات العناية الفائقة لم يتلقوا أي جرعة من اللقاح، ولذا فإن الحكومة تعقد الأمل في إقناع المزيد من المترددين في تناول اللقاح للحيلولة دون إجهاد النظام الصحي وفرض قيود جديدة أكثر صرامة كتلك التي دخلت حيز التنفيذ يوم الأحد الفائت في ويلز واسكتلندا وآيرلندا الشمالية.
لكن رهان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على عدم فرض أي قيود قبل نهاية العام الجاري يستند إلى البيانات الوبائية التي وضعها الخبراء الأسبوع الماضي عن تأثير «أوميكرون» الذي يتسبب في 90 في المائة من الإصابات في إنجلترا، الأمر الذي يدعو إلى الحذر في ضوء الأرقام منذ بداية هذا الأسبوع. وينبه خبراء المراكز الأوروبية لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها أنه رغم تدني حالات الاستشفاء مقارنة بمراحل الذروة مطالع هذا العام، فإن الارتفاع السريع والكثيف في عدد الإصابات بالمتحور الجديد بدأ ينهك أفراد الطواقم الصحية الذين يمكن أن يشكل غيابهم عن مراكز العمل بسبب من التزامهم الحجر الصحي تحدياً أكبر من عدد الحالات الخطرة. وكان عدد من مديري المستشفيات البريطانية حذروا من أن استمرار هذا الوضع، حتى في حال زيادة معتدلة في عدد الإصابات الجديدة، من شأنه أن يهدد النظام الصحي الوطني.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».