البيئة في اليمن ضحية أخرى لانقلاب ميليشيات الحوثي

TT

البيئة في اليمن ضحية أخرى لانقلاب ميليشيات الحوثي

لم تكتف الحرب التي أشعلها انقلاب الميليشيات الحوثية على الحكومة اليمنية في عام 2014، بحصد مئات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين والجوعى، والدمار الذي لحق بمقدرات اليمن؛ بل امتد أثرها على البيئة، وفق تقرير حديث للبنك الدولي.
وأدى الصراع في اليمن إلى تحجيم قدرة المؤسسات المحلية على إنفاذ القوانين، بما في ذلك القوانين المتعلقة بحماية البيئة وإدارة مواردها، وفق التقرير الذي ذهب إلى أن القطاع الخاص لم يسلم أيضاً من تبعات هذه الحرب؛ حيث تأثرت كل الشركات الاستشارية العاملة في مجال البيئة، كما تأثر الاستشاريون الأفراد، والجامعات التي توفر الموارد والقدرات المطلوبة لتوفير الحماية اللازمة للعمليات في اليمن.
التقرير الذي وُزِّع يوم الأربعاء، ذكر أنه قبل اندلاع هذا الصراع، كان اليمن يقوم بتفعيل الإطار القانوني والإداري لحماية البيئة، غير أن الأنظمة المعنية بالتقييمات والإدارة البيئية تأثرت أيَّما تأثر منذ بداية الحرب؛ حيث أدى نقص الوظائف المتاحة إلى دفع عديد من الخبراء في القطاعين العام والخاص إلى مغادرة البلاد، بحثاً عن مزيد من الفرص وتحسين سبل كسب عيشهم في دول أخرى، وقال: «إنه وفي مكانٍ يكافح فيه الناس من أجل العثور على وظائف كاليمن، لم يتمكن أحد من إيلاء حماية البيئة ما تستحقه من اهتمام»، حتى فيما يتعلق بجوانبها التي تؤثر على صحة العامل والمجتمع المحلي.
وعلى الرغم من احتدام هذا الصراع، واصل البنك الدولي دعم اليمن، ونجح في الحفاظ على المعايير البيئية للمشروعات التي يمولها داخل هذا البلد. واسترشاداً بإطاره الخاص بالسياسات والمعايير البيئية والاجتماعية، دخل البنك في شراكات مع منظمات دولية أخرى، للعمل عن كثب مع المؤسسات اليمنية المحلية، على إنشاء أنظمة على المستويين الوطني والإقليمي، من أجل تطبيق الإجراءات الوقائية المعنية بحماية البيئة.
التقرير أظهر أنه منذ عام 2016، تعمل الفرق التابعة للبنك الدولي، والوكالات التابعة للأمم المتحدة معاً في اليمن، من خلال هيئتين محليتين، هما: الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة. وقد بدأت هاتان الهيئتان في بناء قدراتهما المؤسسية لتحسين تدابيرهما البيئية والاجتماعية، بما في ذلك التدابير والإجراءات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية؛ حيث قام الصندوق الاجتماعي للتنمية بتدريب أكثر من 2301 مهندس فني واستشاري، و1094 مقاولاً، و524 مسؤولاً عن المشروعات، و39 ألف عاملٍ من عمال المواقع، على إدارة المعايير البيئية والاجتماعية، وتنفيذها ومتابعتها أثناء تنفيذ عمليات المشروع.
وأضاف: «أما مشروع الأشغال العامة فقد بدأ في الارتقاء بالمعايير، عن طريق إنشاء وحدة مستقلة للإجراءات الوقائية البيئية والاجتماعية في عام 2018، من أجل تغطية القضايا البيئية والاجتماعية، وقضايا المساواة بين الجنسين والصحة والسلامة المهنية؛ ثم عن طريق وضع الأفراد كعناصر تنسيق لهذه القضايا في كل فرع من فروعه العشرة».
وأورد التقرير أن إجمالي مَن تم تدريبهم 163 موظفاً، و953 مهندس موقع، و246 فني موقع، و345 مقاولاً، و64 لجنة مجتمعية، ونحو 10 آلاف عامل، على إدارة الجوانب البيئية والاجتماعية للمشروع، وتطبيق إرشاداتها.
وينقل التقرير عند أحد المقاولين تأكيد أن هذه التدابير كان لها «عظيم الأثر، بعد أن كانت الصحة والسلامة المهنية لا تحظى باهتمام كافٍ من جانب معظم المقاولين، إذ تستطيع أن تلمس حالياً هذه الأهمية في مواقع العمل؛ حيث أصبح العمال حريصين على ارتداء معدات الحماية، وهو الأمر الذي لم يكن على هذه الحال من قبل». ويذكر أن «مشروع الأشغال العامة خلق وضعاً يتفاعل فيه المقاولون الآن، ويتنافسون مع نظرائهم في الالتزام بتطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية. ولم يكن هذا الأمر قائماً في الماضي؛ لكنه أصبح بمرور الوقت جزءاً من طريقة المقاول في ممارسة أنشطة أعماله، ومن ثم اكتساب ميزة تنافسية».
وطبقاً لما جاء في التقرير، فإن المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن، من بين المشروعات المُدرجة في برنامج التنمية الشامل الذي يسانده البنك الدولي، والذي ساعد على بناء قدرات الإجراءات الوقائية لدى المؤسسات المحلية.
ويوفر هذا المشروع فرص عمل ووظائف قصيرة الأجل، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من الخدمات للفئات الأشد احتياجاً والأولى بالرعاية، كما يعمل على تحقيق دخل على الأجل القصير، وتحسين مهارات الشباب، وتوفير فرص العمل؛ وكذا على استعادة أصول المجتمعات المحلية التي تحقق منافع اجتماعية واقتصادية، والحفاظ على عمليات أنشطة الأعمال التي ينفذها مقدمو الخدمات المالية، ومنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة وتوسيع نطاقها، وضمان الإشراف على المشروعات، وإعداد التقارير بشأنها وكفالة جودتها.
واستناداً إلى بيانات البنك الدولي، قام المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن، بتوظيف العمال المحليين، من خلال برامج النقد مقابل العمل، في أكثر من 22 محافظة من محافظات البلاد.
ويمكن أن يعود بناء القدرات المحلية بالنفع على مزيد من الهيئات في القطاعات الحيوية الأخرى. ومن شأن الحفاظ على هذه القطاعات وتدعيمها، أن يُهيئ اليمن للتعافي وإعادة الإعمار التي ستتم يوماً ما بعد انتهاء الصراع الدائر، والتأكد من أن المشروعات الإنمائية والإجراءات التداخلية التي يساندها البنك الدولي، حالياً وفي المستقبل، ستكون مستدامة ومُراعية للاعتبارات البيئية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.