هل تتحوّل منصات التواصل إلى «مطاعم افتراضية»؟

هل تتحوّل منصات التواصل إلى «مطاعم افتراضية»؟
TT

هل تتحوّل منصات التواصل إلى «مطاعم افتراضية»؟

هل تتحوّل منصات التواصل إلى «مطاعم افتراضية»؟

أثار إعلان تطبيق التواصل الاجتماعي «تيك توك» عن إطلاق خدمة «مطبخ تيك توك» الجديدة، تساؤلات لدى خبراء مواقع التواصل الاجتماعي حول إمكانية اتجاه هذه المنصات للمنافسة في سوق المطاعم، واستغلالها لرواج خدمات توصيل الوجبات إلى المنازل لدخول هذه السوق الرائجة وزيادة عدد متابعيها. ووفق خبراء فإن «تيك توك يهدف إلى جذب محتوى صناعي جديد على المنصة»، في حين قلل آخرون من فرص نجاح الخدمة الجديدة.
«تيك توك» أعلن عن الخدمة الجديدة في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حين أشار إلى اعتزامه فتح 300 مطعم في الولايات المتحدة بحلول مارس (آذار) المقبل، حصراً طلبات لتوصيل المأكولات والوصفات الرائجة والشعبية على التطبيق إلى المنازل. وأفاد عن وجود خطة لزيادة عدد هذه المطاعم التوصيلية إلى ألف مطعم بحلول نهاية العام المقبل. وعلم أن الفكرة ستنفذ من خلال الشراكة مع «خدمات الطعام الافتراضية» و«غرب هب»، والتي تضم مجموعة من المطاعم الافتراضية المعتمدة على خدمات التوصيل فقط، بحسب ما ذكره موقع «تك كرنش».
أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في الإعلام الرقمي، رأى أن «تيك توك قدم فعلياً ما يسمى بالتفكير خارج الصندوق، واستفاد من فترة جائحة فيروس (كوفيد – 19) وعودة كثيرين للطهي في منازلهم، فأطلق هذه الفكرة. لكنه لم يتوقف عند مرحلة إنتاج محتوى مرئي، بل ربطه بشبكة توزيع، وكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد». وأضاف بنضريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تيك توك هنا ينافس منصة (يوتيوب) على المستخدمين، أخذاً في الاعتبار أن متوسط أعمار مستخدميه أقل من (يوتيوب)، كما ينافس تطبيقات توزيع الأطعمة مثل أوبر إيت، ويخلق نظاماً متكاملاً من صناعة المحتوى، ويربطه بالإنتاج الفعلي».
من جانبها، قالت ماريان رضا، الخبيرة المصرية المتخصصة في إدارة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الخطوة تأتي في أعقاب نجاح فكرة مشابهة على (يوتيوب)... وتؤشر إلى فكرة تقديم فيديوهات لوصفات الطعام بدأت من (فيسبوك)، ثم انتشرت إلى باقي التطبيقات مثل (إنستغرام) و(تيك توك)». وأردفت: «لقد أضاف هذا النوع من المحتوى بعداً أكثر عمقاً لـ(تيك توك)... ذلك أن خدمات توصيل الطعام إلى المنازل مفعّلة على جميع التطبيقات من خلال سلاسل المطاعم الشهيرة التي تستغل رواج تطبيقات التواصل الاجتماعي في الترويج لمنتجاتها، إلا أن الجديد هنا هو أن تقتحم تطبيقات التواصل الاجتماعي سوق المطاعم وتوصيل المأكولات».
وحقاً تعتبر مقاطع الفيديو التي تتضمن وصفات طعام جزءاً أساسياً من محتوى تطبيق «تيك توك»، حيث «تحقق بعضها مشاهدات تتجاوز المليون مشاهدة»، بحسب موقع «بلومبرغ». ويستخدم «تطبيق تيك توك نحو مليار مستخدم شهرياً»، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة من «تيك توك».
وبحسب مراقبين، فإن «خدمات الطعام الافتراضية حققت رواجاً». ويعتبر هؤلاء أن «برغر مستر بيست» نموذج على ذلك، وهو «مطعم افتراضي» أطلقه نجم اليوتيوب جيمي دونالدسن عام 2020. و«تمكن من بيع ربع مليون شطيرة برغر في 3 أشهر، ولديه 1500 فرع في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا»، وفقاً لموقع «بلومبرغ».
ويشارك «تيك توك» شبكة خدمات الطعام الافتراضية، وهي شبكة أطلقت عام 2018 وتدير سلسلة من المطاعم التي تقدم خدمات التوصيل للمنازل فقط. وللعلم، تعتمد هذه الشبكة على استخدام موظفي ومطابخ المطاعم الموجودة بالفعل لتنفيذ الوصفات، وتوصيلها إلى الناس في المنازل، مما يقلص النفقات ويمنحها القدرة على التوسع. وكذلك تشارك مجموعة من العلامات التجارية مثل «مستر بيست» مما يعني أن «تيك توك» كمنصة تتعاون مع نموذج ناجح بالفعل، وتسعى لاستغلال نجاحه في الترويج لمطاعمها، وفقاً لموقع «سوشيال ميديا توداي». ولقد نقل موقع «بلومبرغ» عن روبرت إيرل، المؤسس المشارك في شبكة خدمات الطعام الافتراضية قوله إن «لدى التطبيق مليار متابع شهرياً، وهي المرة الأولى التي يكون لعلامة تجارية مئات الملايين من المتابعين، مما يؤكد أن الخدمة ستنجح على غرار ما حدث مع مستر بيست».
عودة إلى بنضريف الذي يقول إن «تيك توك، لو دخل في شراكة مع موزعين مثل أوبر إيت وغلوفو وغيرهما، سيصبح رقماً مهماً في سوق توصيل الطعام للمنازل والذي كان حكراً على هذه الشركات». غير أن ماريان رضا ترى أن «هذه الخدمة قد لا تنجح بشكل كبير، لأن هناك العديد من الطرق لتوصيل الأطعمة... مع أن الفكرة ربما تنتشر بين جمهور المراهقين الذين سيحاولون تجربتها، وتنتشر كترند بشكل مؤقت... ثم تختفي».
من ناحية أخرى، أعلن «تيك توك» أن قائمة الطعام التي سيقدمها ستتضمن الصفات التي لقيت رواجاً على التطبيقات، ومن بينها وصفة المعكرونة بالجبنة الفيتا، التي كانت الأكثر بحثاً خلال عام 2021، وفقاً لإحصائيات «غوغل»، إضافة إلى وصفات أخرى مثل شطائر الدجاج، التي صنفها «تيك توك» ضمن قائمة الأطعمة الأكثر رواجاً على التطبيق. كذلك، يخطط «تيك توك» لتغيير قائمة الطعام مرة كل 3 أشهر، وتخصيص جزء من عائدات المطعم لمنتجي هذه الوصفات، وإن كان من غير الواضح للمراقبين حتى الآن، كيف سيحدد المالك الأصلي للوصفة في ظل وجود مئات وعشرات الفيديوهات التي تنفذ الوصفة ذاتها.
أيضاً، يرى مهتمون أن دخول «تيك توك» سوق المطاعم يتماشى مع خطط التطبيق لزيادة عدد المستخدمين، وتشجيعهم على الاندماج في معاملات تجارية عبره. ومن ثم توقعوا أن تحذو تطبيقات أخرى حذو «تيك توك»، وعلى رأسها «إنستغرام»، خاصة إذا نجح مطبخ «تيك توك». وهو ما تؤكده ماريان رضا بقولها إن «شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) لا تحب أن يفلت من بين يديها خدمة جديدة، وهي عادة ما تنقل الخدمات الناجحة لتطبيقاتها”. وهو ما دفعها لتوقع أن «تنتظر ميتا لبعض الوقت بغية معرفة نتائج التجربة قبل أن تنفذها ميتا على تطبيق إنستغرام، وهنا يكمن التحدي بكيفية تنفيذها ليحقق قيمة مضافة؟”.
حسب رأي ماريان رضا إن «غوغل قد يكون مناسباً أكثر لنقل هذه الفكرة نظراً لطبيعة البيانات التي يمتلكها عن الجمهور، والتي تتضمن أرقام هواتف وعناوين من خلال تطبيقاته غوغل ماب». لكن بنضريف يرى أنه «من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لأن جميع التطبيقات في إطار التنافس تسعى لتقليد وتطبيق الأفكار الناجحة... والجميل هنا أن هذه المنافسة تجري خارج العالم الافتراضي، في السوق الواقعية». ثم يشير إلى أن «تيك توك دخل من أجل تنفيذ فكرته في شراكة مع موزعين آخرين، وهو نظام عمل يختلف عن النظام الذي تعتمده ميتا (فيسبوك سابقاً) والذي يسعى للسيطرة، مما يعني أنه ضرورة التحكم في جميع مراحل الإنتاج والتوزيع».
في هذه الأثناء، يرى أندرو هيتشنسون، المتخصص في إنتاج وإدارة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، في تقرير نشره أخيراً على موقع «سوشيال ميديا توداي»، أن «هذه الخطوة تشكل تحدياً لإنستغرام، الذي اعتاد تقليد كل خدمة يطلقها (تيك توك)... لكن من المستبعد أن يستنسخ (إنستغرام) هذه الفكرة إلا إذا نجح مشروع (تيك توك) في جذب المزيد من المستخدمين، وعندها ربما سيعمل (إنستغرام) على نقلها».


مقالات ذات صلة

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

يوميات الشرق الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الأميركي أندرو سكوت الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تقرير برلماني بريطاني يحذّر من الأخطار على مستقبل الإعلام

تقرير برلماني بريطاني يحذّر من الأخطار على مستقبل الإعلام

انحسار الصحف المحلية والإقليمية يؤدي إلى «صحارٍ إخبارية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
إعلام تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً ...

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق لوسائل التواصل دور محوري في تشكيل تجارب الشباب (جمعية علم النفس الأميركية)

«لايك» التواصل الاجتماعي يؤثر في مزاج الشباب

كشفت دراسة أن الشباب أكثر حساسية تجاه ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الإعجابات (لايك)، مقارنةً بالبالغين... ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».