«كولونيل صاب»... رسالة حب من الهند إلى لندن

حيث الديكور ينافس روعة الأطباق بألوانها الزاهية ومذاقها الفريد

TT

«كولونيل صاب»... رسالة حب من الهند إلى لندن

رغم انتشار العديد من المطاعم الهندية في لندن فإن نوعية غالبيتها لا ترضي الهنود أنفسهم، فالكثير منها تجارية ولا تستخدم فيها أجود أنواع المنتجات، والبعض الآخر قد يركز على مذاق الأطباق ولكنه ينسى مسألة الديكور وطريقة تقديم الطعام في قالب من العصرية والأناقة. كما توجد فئة من المطاعم الهندية التي تركز على منطقة معينة من الهند الشاسعة مما يجعل خيار الأكل محصورا في مقاطعة واحدة في البلاد.
هذا رأي الهنود أيضا، فهم يعانون في لندن من هذه المشكلة وهذا ما أكده لنا رجل الأعمال الشاب وصاحب مطعم «كولونيل صاب» الجديد روب بارتاب شوداري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن ما دفعه إلى فتح مطعم هندي في لندن هو عدم وجود المطاعم التي تنصف المطبخ الهندي وتقدم أطباقه بالشكل المناسب والذي يليق مع تاريخه العريق.
عنوان مطعم «كولونيل صاب» Colonel Saab عزيز على قلبي وقلب العاملين في صحيفة «الشرق الأوسط» لأنه ملاصق لمبنى الصحيفة القديم في شارع «هاي هولبورن» في وسط لندن، فهذا العنوان شهد عدة مطاعم في الماضي، فكان في السابق مطعما صينيا، وبعدها تحول إلى مطعم يقدم البرغر والسلطعون، إلى أن تبدلت خريطة الشارع القريب من منطقة «كوفنت غاردن» السياحية وشهد افتتاح «كولونيل صاب» منذ شهرين فقط.
المطعم أشبه بالمتحف، ويصفه شوداري بأنه بمثابة رسالة حب من الهند إلى لندن، ورسالة حب ومحبة منه لوالده الكولونيل السابق في الجيش الهندي الذي يدعى مانبير ولقبه «كولونيل صاب» ووالدته بيني ومعا كانا يجوبان الهند والدول المجاورة وكانا يملكان شغفا كبيرا في تذوق الطعام والأطباق من شتى القواعد التي كان يتنقل بينها الكولونيل لتأدية مهمته العسكرية، وعلى مر السنين وبعد أسفار عديدة كان في حقبة الكولونيل وزوجته وصفات وتحف فنية وثريات وصحون... احتفظا بها إلى أن جاء الوقت الذي قرر فيه ابنهما الوحيد روب استخدام هذا الإرث من خلال افتتاح مطعم وفندق في الهند واليوم وسع دائرة العمل واتجه إلى لندن وفي جعبته قطع رائعة من منزل والديه وعلى رأسها رسائل الحب التي كان يرسلها والده لوالدته عندما كانت المسافات تفصلهما لعدة أشهر.
بدأت قصة روب مع التحضير لافتتاح مطعمه في لندن من خلال تتبع خطى والده، فسافر بالسيارة والطائرة والقطار والحافلة على مدى عام كامل لكي يستطيع جمع كل وصفات الطعام التي جربها والده خلال سفره الكثيف.
الطعام الذي يقدمه المطعم يعكس الأطباق والمشروبات التي جربها الكولونيل خلال خدمته من خيم راجستان والفطور المستوحى من البريطانيين إلى مآدب المهراجا الراقية في الهند.
وتابع روب: هدفي هو الاحتفال بتنوع الثقافات وتعريف العاصمة البريطانية بالنكهات الأصلية والمختلفة، والطعام الذي يأكله الهنود في منازلهم وأكل الشوارع والأكل الملكي الذي يحضر في مطابخ قصور الهند.
كما ذكرنا المطعم هو أشبه بالمتحف نسبة لروعة الديكور والذوق الراقي في اختيار القطع الفنية، وأول ما يلفتك في المطعم الثريات وردية اللون التي تتدلى من السقف العالي بشكل جميل جدا، ولفت روب هنا إلى أن جميع الثريات جاء بها من الهند ودلنا على الثريا الأصلية التي كانت موجودة في منزل والدته، فطلب منها أن يأخذها إلى مطعمه الجديد في لندن لتكون من بين القطع التي استعارها من منزل العائلة، وأراد أن يضيف ثريا مطابقة لها من حيث الشكل فتوجه إلى المعمل ذاته وطلب منهم تصنيع ثريا ثانية وكان الجواب أنه من المستحيل تصنيع ثريا واحدة ويتوجب عليه إجراء طلبية لا تقل عن 10 ثريات، وهكذا حصل، فوافق على الطلبية ووزع الثريات في المكان مما أعطى الديكور في المطعم رونقا لا مثيل له.
تزين الجدار الذي يتصدر المطعم صورة الكولونيل بزيه الرسمي الأنيق وصورة أخرى لزوجته بيني بالإضافة إلى سجادات من الحرير وأطباق ملونة (كلها مملوكة من قبل عائلة الكولونيل)، وتم اختيار ألوان دافئة للجدران وستائر جميلة مسدولة على النوافذ تشبه تلك التي تجدها في المنازل، وهذا ما هدف إليه روب، خلق جو منزلي في مطعم.
روعة الديكور تمتد إلى الطابق السفلي المؤدي إلى المغاسل، حيث تزين الجدران صور عائلية حقيقية، وفي الطابق العلوي تنتشر جلسات جميلة جدا أشبه بتلك التي تجدها في القصور الهندية من خلال هذه الشرفة تجد نفسك فوق الثريات وتكشف على كل زوايا المطعم في الطابق السفلي بما في ذلك البار الطويل والمزين باللوحات الفنية الساحرة.
ومن بين تلك القطع الفنية الموجودة في المطعم حاوية عصير مصممة من دار أسبري لمهراجا باتيالا، وتوجد غرفة خاصة تتسع لعشرين شخصا تزينها سجادة من الحرير الفارسي ولوحات فنية تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
عندما عاد الكولونيل وزوجته إلى الهند للاستقرار فيها، تشاركا خبرتهما الطويلة مع أهالي منطقتهما، فبدآ بمشروع أول لفندق من فئة بوتيك وفندق آخر من فئة القصور ويشرف عليهما ابنهما روب الذي وسع دائرة العمل لتصل إلى لندن.
لا شك أن الديكور أكثر من رائع ولكن مذاق الأطباق لا يقل روعة عن الديكور، فيوجد انسجام تام ما بين ألوان الديكور والأطباق التي اختيرت بعناية لتكمل المشهد الفني الغني بالألوان، فلائحة الطعام عصرية ومشروحة بشكل سهل جدا وفيها اللحم والأكل النباتي والسمك وحتى السلطات مثل سلطة البطيخ وهذا الطبق لا تجده في أي مطعم هندي آخر، والمهم هو أن البهارات استخدمت بكميات طبيعية تناسب ذائقة من هم من غير الجنسية الهندية المعتادة على النكهات الحريفة.
من الأطباق اللذيذة في المطعم لحم الضأن وكاري الدجاج وسلطة البط مع المانغو وطبق من الجبن المشوي وطبق بانيارام مع الكراميل والموز وصلصة «جاغيري» وحلوى الكريمة (أشبه بالأرز بالحليب) والـ«تشيزكيك» على الطريقة الهندية.
ويقول روب إن جميع الأطباق الموجودة على لائحة الطعام تذكره بطفولته وفيها نوع من النوستالجيا لطريقة الأكل في الهند ولحاويات الطعام الأنيقة التي يقدم فيها الطعام.
وعن اسم المطعم، شرح روب أن لقب والده في أوساط أركان الجيش كان «صاحب» وتم اختصاره بـ«صاب» وهذا ما دفعه إلى تسمية المطعم بكولونيل صاب لأنه بمثابة شكر واعتزاز لوالده الذي كان له الفضل الأكبر في تشجيع روب على خوض هذه التجربة.
يقدم المطعم الفطور والغداء والعشاء والحجز ضروري.


مقالات ذات صلة

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».