الكونغرس يقر موازنة الدفاع لعام 2022

توافق على التصدي للصين وروسيا

أقر الكونغرس الأميركي موازنة الدفاع لعام 2022 (أ.ب)
أقر الكونغرس الأميركي موازنة الدفاع لعام 2022 (أ.ب)
TT
20

الكونغرس يقر موازنة الدفاع لعام 2022

أقر الكونغرس الأميركي موازنة الدفاع لعام 2022 (أ.ب)
أقر الكونغرس الأميركي موازنة الدفاع لعام 2022 (أ.ب)

بعد عملية شد حبال طويلة، أقرّ الكونغرس الأميركي، الأربعاء، موازنة الدفاع لعام 2022. وعلى غرار الأعوام السابقة، صوّت مجلسا الشيوخ والنواب بإجماع كبير لإقرار مشروع الموازنة الدفاعية التي بلغت قيمتها 768 مليار دولار، بزيادة بلغت قيمتها 25 مليار دولار عن المبلغ الذي طلبته الإدارة الأميركية.
ووافق مجلس الشيوخ بأغلبية 89 صوتاً داعماً، مقابل 10 معارضين فقط لإقرار النسخة النهائية من الموازنة، والتي توافَق عليها الحزبان بعد عملية مفاوضات شاقة، تم شطب الكثير من البنود خلالها؛ ما سلط الضوء على الملفات التوافقية التي يجمع عليها الديمقراطيون والجمهوريون.
- الصين
لعلّ أبرز هذه البنود التوافقية ملف التصدي للصين. إذ وافق المشرعون على تخصيص مبلغ 7.1 مليار لـ«مبادرة التصدي في المحيط الهادئ»، وهي خطة خلقتها وزارة الدفاع الأميركية تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الأميركي للتصدي للاستفزاز الصيني في منطقة المحيط الهادي. وقد أضاف المشرعون ملياري دولار تقريباً على هذه المبادرة، إضافة إلى المبلغ الذي طلبته الإدارة الأميركية، وذلك في إشارة واضحة لإجماع الحزبين على ضرورة التصدي للصين.
كما تلزم الموازنة الرئيس الأميركي بتطوير «استراتيجية سريّة ضخمة للتعامل مع الصين»، على أن يكون تلخيصها متوفراً بشكل غير سري. وتتطلب من وزارة الدفاع أن تقدم تقارير عدة للكونغرس بشأن الأنشطة الصينية، بدءاً من التطورات العسكرية والأمنية، مروراً بتطويرها لتقنيات التطبيقات العسكرية، ووصولاً إلى استراتيجيتها في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
كما تتضمن الموازنة بنداً عن «السياسة الأميركية في تايوان»، يقول إن السياسية الأميركية تقضي بالحفاظ على «قدرة الولايات المتحدة على مقاومة سياسة الأمر الواقع في تايوان، والتي من شأنها أن تهدد أمن الشعب التايواني»، بحسب نص الموازنة.
- روسيا وأوكرانيا
تسعى الموازنة كذلك إلى التصدي للتهديدات الروسية؛ إذ وفّرت مبلغ 4 مليارات دولار لـ«مبادرة التصدي الأوروبية»، والتي أسست في العام 2014 لمواجهة التهديدات المتزايدة من روسيا. كما تخصص الموازنة مبلغ 300 مليون دولار من مساعدات أمنية لأوكرانيا، تهدف إلى دعم الجيش الأوكراني بمواجهة روسيا، وذلك في إشارة واضحة لمعارضة الحزبين الشديدة للتحركات الروسية.
- سوريا
تتضمن الموازنة طلباً من الإدارة الأميركية بتقديم تقرير يفصل ثروة الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته والمقربين منه، وتحديد مصادر هذه الثروة بهدف فرض عقوبات أميركية عليها وعلى «الأنشطة الفاسدة أو غير المشروعة التي يمارسها النظام السوري»، بحسب نص الموازنة التي تضمنت كذلك طلباً من البيت الأبيض بتقديم تقرير للكونغرس بشأن استراتيجية أميركية في سوريا.
- أفغانستان
أقرّ المشرعون كذلك إنشاء لجنة مستقلة لتقييم الحرب في أفغانستان و«نقاط فشل الحكومة الأميركية بعد عقدين من الصراع». ويلزم الكونغرس من خلال الموازنة وزير الخارجية بتقديم تقارير مفصلة حول قدرة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وتوفير تفصيل للمعدات العسكرية التي خلفتها القوات الأميركية في أفغانستان، إضافة إلى خطط إجلاء الأميركيين والمتعاونين الأفغان الذين لا يزالون هناك.
- «متلازمة هافانا»
تنص الموازنة على السماح بتعيين مسؤول في الإدارة الأميركية لقيادة الجهود الرامية إلى التطرق لما يسمى بـ«متلازمة هافانا»، والتنسيق مع رد البنتاغون على هذه الحوادث التي طالت دبلوماسيين وموظفين حكوميين.
- بنود مشطوبة
خلال سير المفاوضات بين الديمقراطيين والجمهوريين للتوصل إلى نسخة نهائية من مشروع الموازنة، تم شطب بنود متعددة مثيرة للجدل. أبرزها إلغاء تفويض الحرب في العراق الذي أقرّه مجلس النواب، ووعد زعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر بطرحه للتصويت في مجلس الشيوخ. كما شطب بند يهدف إلى «تفكيك شبكة الكبتاغون والمخدرات في سوريا»، إضافة إلى تعديل يفرض عقوبات فردية على قادة الجيش المسؤولين عن عرقلة الاستقرار في السودان. وبحسب بيانات من طارحي هذه التعديلات المشطوبة، فإن كل تعديل سيتم التصويت عليه على حدة بعيدا عن مشروع الموازنة.



حين لا يخدم التكتيك الاستراتيجية المنشودة

قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

حين لا يخدم التكتيك الاستراتيجية المنشودة

قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)

يقول المفكّر الإنجليزي لورنس د. فريدمان -بمعنى ما- إن الاستراتيجيات العسكرية التقليدية، التي اعتدنا النظر إليها بوصفها خريطة طريق نحو النصر، لم تَعُد تؤدي دورها كما ينبغي. فالاستراتيجية، في جوهرها، هي الفكرة التي تربط بين الأهداف والوسائل المتاحة، وتُعدّ أعلى مستويات التخطيط العسكري. وما يربط الاستراتيجية بالتكتيك، أي التنفيذ المباشر على أرض المعركة، هو المستوى العملانيّ (Operational). لكن الأكيد حتى الآن، أن النتائج والتراكمات التكتيكية هي التي تؤدّي إلى النصر الاستراتيجيّ، شرط أن تكون الاستراتيجية ممكنة التنفيذ وواقعيّة. فهل يقوم كل النجاح على التكتيك؟

في مكان آخر، يقول بعض المفكّرين إن معادلة النصر بسيطة جداً، وهي ترتكز على: الحشد + المناورة= النصر. لكن الحشد والمناورة، هما لمن يملك القدرات العسكريّة في العدة والعتاد. فماذا عمّن يُدافع، ويعتمد الحرب اللاتماثليّة (Asymmetric)؟ وماذا عن اللاعبين من خارج إطار الدولة (Non State Actors)؟ فهل أصبح لزاماً على القوى الكبرى -وكما يقترح فريدمان، والقادرة على الحشد والمناورة، وبسبب عدم القدرة على الحسم السريع- أن تُبدّل معادلة النصر الخاصة بها؟

حروب ودروس

في حرب الخليج الأولى، وضع الرئيس بوش الأب، معادلة نصر ممكنة وشرعية، ألا وهي تحرير الكويت ودون إسقاط بغداد، فكان له ما أراد. بعدها، أعلن بوش قيام نظام عالميّ جديد، وبعكس والده، أراد بوش الابن تغيير النظام في العراق، تغيير المنطقة، وخوض حرب كونيّة على الإرهاب. فشلت معادلة النصر خاصته لأنها معقدّة، ويرتكز نجاحها على جمع كثير من المتناقضات مع بعضها. لكن ما أسقط استراتيجيته الكبرى، هو التكتيك الحربي الذي استعمل ضدّ القوات الأميركية في العراق. فبدلاً من السماح له بالحشد والمناورة، واستعمال القدرة الناريّة الهائلة التي يملكها الجيش الأميركيّ، اعتمدت الفصائل متعددة الانتماء على تكتيك حرب العصابات والاستنزاف للقوات الأميركيّة، وبدعم خارجيّ بالطبع، الأمر الذي عقَّد وأفشل معادلة النصر للرئيس الأميركي.

دخان قصف إسرائيلي فوق غزة (أرشيفية - رويترز)
دخان قصف إسرائيلي فوق غزة (أرشيفية - رويترز)

وضعت حركة «حماس» الاستراتيجيّة الكبرى لعملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. حضّرت الأرضيّة، والقوى، وكذلك عملية الخداع الاستراتيجيّ لفترات طويلة. نجحت في التنفيذ العملانيّ والتكتيكيّ، لكنها، لم تستطع ترجمة الإنجاز العسكريّ المؤقّت إلى بُعد سياسيّ يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية ككل. هندست حركة «حماس» المسرح الحربي، بطريقة فرضت على الجيش الإسرائيلي نمط قتال يتعارض مع عقيدته العسكرية القائمة على الحركية والمناورة. أمنّت الحركة عمقاً جغرافيّاً استراتيجيّاً عموديّاً عبر شبكة الإنفاق. وردّت إسرائيل عبر تكتيك العزل، والتقطيع، والتدمير الشامل، أو ما يُسمّى بالردع العقابيّ - النكبويّ (Punitive).

وضعت إسرائيل أهدافاً سياسيّة صعبة التحقيق، وبكلام آخر، لم تكن معادلة النصر لرئيس وزراء إسرائيل قابلة للتحقيق، خصوصاً أنها افتقدت إلى البُعد السياسيّ، أو ما سمّاه المفكر الصيني صان تسو بال «الجسر الذهبي». وعليه، استمرّت الحرب لأكثر من عام ونصف العام، ودون تحقيق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيليّة.

ويمكن القول إن الحرب وصلت إلى الامتداد الأقصى (Culmination)، وبدأ المردود السلبي يؤثّر على الداخل الإسرائيليّ وبكل الأبعاد. كما بدأنا نرى تغييرات تكتيكيّة حسب ما يُفرضه الميدان. ويعتمد الجيش الإسرائيليّ حالياً مقاربة عسكرية حذرة جداً، ترتكز أكثر ما ترتكز على القضم المتدرّج للمساحة في القطاع. ومن عناصر هذه المقاربة: التحكّم في البروتوكول الإنسانيّ، وطلب إخلاء السكان من بعض الأماكن، واستعمال القوى الجويّة والقوة النارية بشكل مكثّف، والتقدّم ببطء تجنبّاً للخسائر البشريّة. وأخيراً وليس آخراً، وبدلاً من اعتماد التكتيك العسكريّ القديم الذي قام على: تنظيف المنطقة، والخروج منها، والعودة إليها لتنفيذ عملية عسكريّة جديدة عند توفّر معلومات تكتيكيّة. يعتمد الجيش الإسرائيلي حالياً المقاربة التالية: تجميع الاستعلام التكتيكي، وطلب إخلاء السكان، والتقدّم برّاً، وتنظيف المنطقة والبقاء فيها بدل الخروج.

وبشكل أوضح، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى حرمان حركة «حماس» من المساحة، عبر تجميع الغزيين في أماكن مفتوحة جغرافيّاً وليست سكنيّة - مبنيّة. على أن يعود بعدها للتعامل مع الأماكن السكنيّة المُطوّقة، التي من المفروض أن تشكّل مراكز الثقل العسكريّة لـ«حماس»، فهي حتماً نقاط الدخول والخروج للمقاتلين ومن وإلى الأنفاق.

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جرّاء مسيرة روسية في أوديسا الثلاثاء (إ. ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جرّاء مسيرة روسية في أوديسا الثلاثاء (إ. ب.أ)

في بداية الحرب الروسيّة على أوكرانيا، كانت الاستراتيجيّة الروسية الكبرى إلغاء ما يُسمّى بدولة أوكرانيا. لكن التكتيك الأوكراني، وبمساعدة أميركية مباشرة، وفي كثير من الأبعاد، خصوصاً الاستعلام التكتيكي حول حركيّة الجيش الروسيّ على كل الجبهات، والعمل على ضربه استباقيّاً، وذلك حسبما ورد في صحيفة «نيويورك تايمز»، أسقط معادلة النصر الروسيّة. وانتقلت الحرب من حرب المناورة إلى حرب استنزاف بين الفريقين. وبدأنا نلاحظ تكتيكات جديدة من كلا الفريقين، خصوصاً في كيفيّة استعمال المُسيّرات للتعويض بالقوة النارية وبالعدة.

في الختام، يقول الخبراء إن العقيدة العسكريّة لجيش ما «Military Doctrine»، أو ما تُعرَّف بأنها «أفضل طريقة لقتال العدو وهزيمته»، هي تلك البرمجيات الطريّة (Software)، التي تتضمّن مجموعة من التعليمات أو البيانات بهدف تنفيذ المهمّة. أما التكتيك، فهو مشابه تماماً للنظام المُشغّل للحاسوب (OS)، فهو صلة الوصل بين الحاسوب والإنسان المُستعمل. وعليه، يمكن اعتبار التكتيك حلقة الوصل بين تنفيذ العقيدة العسكرية والعنصر البشري، على النحو التالي: يُنفّذ الجيش العقيدة التي تدرّب عليها، لكن الميدان يفرض وقائع وتحديات جديدة تُنتج بدورها تكتيكات مستحدثة. أمام هذه المستجدات، يسعى القادة إلى إجراء تعديلات ملائمة على العقيدة العسكرية. فهل يمكن أن تتجلّى صورة النصر في مستوى التكتيك؟