رئيس سابق للحكومة: لبنان أمام امتحان استرداد الثقة عربياً ودولياً

TT

رئيس سابق للحكومة: لبنان أمام امتحان استرداد الثقة عربياً ودولياً

أتاح الاتصال الذي تلقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، في أثناء اجتماعهما في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، الفرصة للبنان للعمل من أجل استعادة ثقة المجتمع الدولي به، واسترداده لمصداقيته المفقودة بسبب الفلتان السياسي الذي يتخبط فيه، والذي كان وراء تدهور علاقاته بدول الخليج العربي لخروجه عن سياسة النأي بالنفس، وتحييده عن النزاعات الدائرة في المنطقة، وإقحامه في لعبة المحاور -كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»- التي أوصلته إلى عزلة عربية ودولية كان في غنى عنها.
فالاتصال الذي تلقاه ميقاتي ما هو إلا خطوة أولى ضمن مسار طويل لإعادة بناء الثقة التي من دونها لا يستطيع لبنان أن يستعيد دوره المميز في الحاضنة العربية، بعد أن جنح بعيداً نحو محور الممانعة بقيادة إيران، بضغط من حليفها «حزب الله» الذي شكل -كما يقول رئيس حكومة سابق فضل عدم ذكر اسمه- منصة لاستهداف بعض الدول العربية، ومنها الخليجية، بأمنها وسلامة مواطنيها وزعزعة استقرارها، بتدخله في شؤونها الداخلية.
ومع أن ماكرون تمكن، في ختام جولته الخليجية، من فتح كوة في جدار أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية التي بدأت تتصدع على نطاق واسع منذ أن انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، فإن مجرد تقريبه لوجهات النظر بين لبنان والسعودية يضع لبنان أمام مسؤوليته لمعالجة الأسباب التي أدت إلى تدهور هذه العلاقات، فيما لم يتمكن من أن يستعيد ثقة المجتمع الدولي به الذي يأخذ على الحكومات المتعاقبة إخلالها بتعهداتها التي التزمت بها للعبور به إلى بر الأمان.
فتقريب وجهات النظر لا يعني أبداً أن لبنان تجاوز تداعيات ومفاعيل الأزمة التي تحاصر علاقاته بدول الخليج بمقدار ما أنها تمهد الطريق أمام التواصل بها، ويبقى على الحكومة أن تُحسن التصرف حيال المضامين اللبنانية التي وردت في البيان المشترك الفرنسي - السعودي، بصفتها تشكل خريطة الطريق ليس لإنهاء الأزمة فحسب، وإنما لاستعادة لبنان للدعم الدولي، وهذا ما يسعى إليه رئيس الحكومة الذي بادر لالتقاط الفرصة من خلال الاتصال الذي تلقاه من الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان.
ويتطابق موقف رئيس الحكومة السابق مع مصدر وزاري بارز، بقولهما إنه سبق للبنان الرسمي أن التزم بهذه المضامين التي كانت قد صدرت بمعظمها عن الأمم المتحدة، لكنه أضاع الفرصة بسبب امتناعه عن وضع آلية لتطبيقها، مع أن أبرز ما فيها موجه إلى «حزب الله»، وتحديداً بالنسبة إلى ترسيم الحدود ومراقبتها، وحصرية السلاح بيد الدولة، ونزع سلاح المجموعات غير الشرعية.
ويعترف المصدر الوزاري بأن لبنان يقف حالياً أمام مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة التي كانت قائمة، وأدت إلى تصدع العلاقات اللبنانية - الخليجية، ويبقى عليه أن يستفيد منها، وأن يوظفها لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج، وطي الصفحة التي تسببت بتدهور العلاقات. ويقول إن الدور الأول لإخراجها من التأزم يقع على عاتق رئيس الحكومة الذي لن يتهرب من مسؤوليته، وسيبذل قصارى جهده لتأمين شبكة أمان سياسية لقطع الطريق على من يحاول التفريط بالفرصة المواتية لتصحيح العلاقات وتنقيتها من الشوائب.
ويقول المصدر نفسه إن ميقاتي سيتحرك على خطين: الأول يتعلق بوقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء لأنه من غير الجائز أن تتحول الحكومة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد إلى حكومة تتولى تصريف الأعمال، مع أن الاتصالات لم تنقطع من دون أن تؤدي حتى الساعة إلى معالجة الأسباب التي كانت وراء مقاطعة الوزراء المحسوبين على الثنائي الشيعي لجلساته، مشترطين الفصل بين التحقيق القضائي والتحقيق الآخر الذي يسمح بملاحقة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمتهم.
ويلفت إلى أن وقف تعطيل الجلسات لا يكفي من دون أن يؤمن ميقاتي لحكومته الخطوط الدفاعية لترجمة ما التزم به لبنان إلى خطوات ملموسة تقود حتماً إلى تجاوز أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية، وصولاً إلى خلق المناخ السياسي المواتي لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج، لأنه من المفروض على الحكومة أن تلاقي الأمير محمد بن سلمان بدعوته إلى طي صفحة الماضي في منتصف الطريق، وإلا فإن الفرصة ستضيع على لبنان.
ويرى أن الخط الثاني الذي يستعد ميقاتي للتحرك عليه لتوفير شبكة الأمان لتوظيف الفرصة التي أُتيحت له في المكان الذي يُنهي أزمة لبنان الخليجية، ويضعه على سكة الإفادة من الدعم الخليجي له، يقضي بالتواصل مع «حزب الله» لقطع الطريق على استهدافه للمضامين اللبنانية الواردة في البيان الختامي، لأن الالتزام به فعلاً لا قولاً يعني حكماً أن على الحزب أن يقرر منذ هذه اللحظة التكيُّف معها، وعدم إعاقته للدور الموكل للحكومة للوفاء بالتزاماتها لئلا تبقى حبراً على ورق.
ولا يبدو، من خلال تجاهل محطة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» في نشرتها الإخبارية التي بثتها بعد ساعات قليلة من انتهاء المحادثات الفرنسية - السعودية وصدور البيان المشترك، أن الحزب سيتعامل بإيجابية مع الخطوط العريضة الواردة فيه التي لا تنحصر في الخطوات الواجب تنفيذها لإنهاء أزمة لبنان مع دول الخليج، وإنما بكل ما يسمح له بأن يستعيد عافيته، خصوصاً أن الشق اللبناني الوارد في البيان يعد بمثابة خطوة متقدمة، قياساً على ما أورده ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان ووقف انهياره.
فـ«حزب الله»، بتجاهله لهذه المحادثات، يخفي انزعاجه من تشديد البيان المشترك على دعم سيادة لبنان ووحدته واستقراره، بما يتوافق مع القرارات الدولية وضرورة تنفيذها، لأنها تعيد إحياء مشروع الدولة، وتسترد منه تفرُّده بقرار الحرب والسلم.
لكن تسليط الضوء على رد فعل «حزب الله» حيال الشق اللبناني من البيان المشترك يجب ألا يحجب الأنظار عن التدقيق لاحقاً في موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أن استثني من اتصال ماكرون والأمير محمد بن سلمان بميقاتي، خصوصاً أنه لا يمكن تحييد هذا الاستثناء عن موقف السعودية منه، والتعامل معه على أنه لم يلعب الدور المطلوب منه لوقف اجتياح «حزب الله» للدولة.
وفي هذا السياق، ينظر رئيس الحكومة السابق إلى استثناء عون من الاتصال، على خلفية أنه يحمل في طياته رسالة مفادها أنه لم يتصرف كما يجب، وكان في مقدوره، بصفته الحامي للدستور ورمزاً لوحدة الوطن، أن يتصرف على هذا الأساس، بدلاً من أن يتحول إلى طرف يوفر الغطاء السياسي لحليفه «حزب الله».
وعليه، فإن الدعم الاقتصادي السعودي للبنان لن يكون في متناول اليد ما لم تبادر الحكومة إلى الالتزام عملياً بالشق اللبناني من البيان المشترك، وإن كانت على استعداد لتقديم المساعدات للبنانيين لتمكينهم من أن يلتقطوا أنفاسهم، وإن كانت جهات رسمية تُبدي تفاؤلاً بمبادرة السعودية إلى إعادة النظر في الإجراءات التي اتخذتها بخصوص منع الاستيراد من لبنان.
لذلك، فإن الاتصال الذي تلقاه ميقاتي يحمل أكثر من دلالة سياسية يراد منه إعادة التوازن إلى المعادلة الداخلية في لبنان من جهة، واعتماد رئيس الحكومة رأس حربة للمضي قدماً في الفرصة التي أُتيحت للبنان لإعادة الروح إلى علاقاته الخليجية، وصولاً إلى تطبيعها بالتزامه بخريطة الطريق لفتح صفحة جديدة، مع أن ميقاتي يبدي انفتاحاً حيال تشكيل لجان مشتركة لمعالجة كل الأمور انطلاقاً من تأكيده أن أمن السعودية وأمن دول الخليج هما من أمن لبنان، وإن كان يتوقع عودة السفراء إلى بيروت، لما لعودتهم من مؤشر يدعو للتفاؤل، ويرفع من منسوب القدرة على إنهاء الأزمة، شرط أن تكون الطريق سالكة أمام رئيس الحكومة لتصحيح الخلل الذي أصاب هذه العلاقات.



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.