كما هو الحال مع معظم الحروب، لا أحد يستطيع حقاً تتبع أصول هوس كرة القدم الإنجليزية الدائم بالكاتشب. ربما، مثل العديد من الأشياء، لم يكن هذا الأمر يعني شيئا إلا عندما هدد شخص ما بسحبه وإلغائه. لقد رُسمت خطوط المعركة بالفعل، وأخذ كل جانب من الجانبين مواقعه. في بعض الأحيان، تهدأ الأعمال العدائية، ربما لسنوات، قبل أن تعود إلى الحياة مرة أخرى. ومع ذلك، فالمراقبون المخضرمون لحروب الكاتشب لا يتذكرون أسبوعاً كان فيه التنافس بشأن الكاتشب شرسا بالشكل الذي كان عليه خلال الأسبوعين الماضيين.
لقد بدأ كل شيء مع تعيين المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي على رأس القيادة الفنية لتوتنهام، عندما بدأت التقارير تشير إلى أن المدير الفني الجديد قد منع على الفور الكاتشب من مقصف النادي. وأوضح كونتي ذلك الأمر قائلا: «لكي تكون محترفاً، يتعين عليك أن تعتني بجسدك. التدريبات والمباريات هم الجزء الأخير من عملك، ويتعين عليك أن تُعد جسمك وعقلك وقلبك أيضاً». وفي غضون أيام قليلة، تبعه المدير الفني الجديد لأستون فيلا، ستيفن جيرارد، إلى خط المواجهة، وقال: «يجب أن يتحلى اللاعبون بالعقلية الصحيحة، والذهاب إلى أبعد الحدود. إنهم بحاجة إلى السعي والكفاح ليصبحوا من النخبة».
وبطبيعة الحال، كان هذا كله مادة دسمة للغاية للصحافة، التي تركز منذ فترة طويلة على التقارير المتعلقة بقيام المديرين الفنيين الجدد بمنع أنواع معينة من بعض الأطعمة. لقد حدث تغيير تدريجي في مصطلحات كرة القدم، فبدلا من الحديث عن الضغط العالي على الفريق المنافس، وكيفية لعب الكرات الثابتة، وشرح الخطط التكتيكية المتعلقة بالنواحي الهجومية، أصبحنا نتحدث عن الكاتشب وما إذا كان ينبغي السماح للاعبين بتناوله أم لا! لقد وصلنا إلى هذا الجدل الذي يمكن حتى للطفل الصغير أن يفهمه، والجميل في ذلك أنه يمكن أن يوضح أي نقطة تريدها.
لذلك، فبالنسبة لبداية مسيرة آرسين فينغر مع آرسنال، وبالنسبة لكونتي وجوسيب غوارديولا، فإن منع الكاتشب يدل على السيطرة والاحترافية الشديدة والانضباط. لكن بالنسبة لباولو دي كانيو في سندرلاند وديفيد مويز في مانشستر يونايتد، فإن ذلك كان يعكس غطرستهما الشديدة! وينطبق نفس الأمر أيضا على الجدل الشديد بشأن قرار المدير الفني الإيطالي فابيو كابيلو بمنع لاعبي المنتخب الإنجليزي من تناول الكاتشب - من نواح كثيرة، كانت هذه هي أكثر حروب الكاتشب دموية وشراسة - والاحتفالات الوطنية التي استقبلت قرار روي هودجسون بالسماح بتناول الكاتشب مرة أخرى قبل نهائيات كأس العالم 2014.
إن هذه الحالة من الجدل الشديد غالبا ما تظهر عند اتخاذ أحد المديرين الفنيين قرارا بمنع الكاتشب عن اللاعبين، وكذلك عند اتخاذ قرار بالسماح بتناوله مرة أخرى، مثل قرار ديفيد مويز بمنع الكاتشب عن لاعبي مانشستر يونايتد، ثم مجيء لويس فان غال من بعده ليسمح بتناول الكاتشب مرة أخرى. لقد كان الكاتشب محظورا في توتنهام تحت قيادة خواندي راموس، قبل أن يسمح هاري ريدناب باستخدامه. وعندما تولى كيفن بول منصب المدير الفني المؤقت خلفا لدي كانيو في سندرلاند، أصبح الكاتشب رمزاً لا يمحى للتحرر، حيث قال بول: «إذا قرروا تناوله، فلا بأس بذلك، لكنني لا أقول لهم: هيا يا شباب تعالوا وأحضروا لأنفسكم دلواً من صلصة الطماطم!»
ومن نواحٍ عديدة، يعد الكاتشب رمزا لانقسام ثقافي أعمق بكثير داخل كرة القدم. ومن الواضح، على سبيل المثال، أن كلاً من كونتي وجيرارد قررا حظر الكاتشب من منطلق أهمية تحلي اللاعبين بعقلية احترافية، وبالتالي فالمعنى الضمني هو أن الخطيئة الحقيقية ليست في تناول الكاتشب نفسه، ولكن في الرغبة في ذلك، والإغراء نفسه لتناول هذا النوع المعين من الطعام. وإذا فكرت في الأمر، فهذا في الحقيقة نموذج مصغر للنقاش الذي يشغل بال العديد من الأديان الرئيسية في العالم: هل من النبل إرجاء المتعة في هذه الحياة من أجل ضمان الخلاص في الحياة الآخرة؟ فمن جانب يحثنا الشخص المتشدد على نبذ الكاتشب لكي نعرف أعظم أمجاد الحياة، في حين يتساءل آخر: ما الهدف من الحياة دون كاتشب؟
وإذا سافرت إلى أبعد من ذلك فسوف ترى أن هذه المعارك نفسها تشتعل بأشكال مختلفة قليلاً، مع توابل مختلفة بعض الشيء، فعلى سبيل المثال، يروي روب ماكدونالد، مهاجم نيوكاسل السابق، قصة عن رونالد كومان خلال فترة وجودهما في آيندهوفن في الثمانينيات من القرن الماضي. كان كومان - أحد الباحثين عن المتعة الطبيعية في كرة القدم - يجلس لتناول وجبة طعام مع لاعبي الفريق عندما التقط رقاقة مغموسة بالمايونيز. لكن المدير الفني ذا الوجه الصارم، ثو فيرلانغن، حذره قائلا: «إذا أكلت تلك الرقاقة، فسيكلفك ذلك 500 جيلدر». لكن كومان تحداه ووضع الرقاقة في فمه، وقال: «فلتجعلها 1000 جيلدر!».
ومع ذلك، في هذا البلد على الأقل، يبدو أن الكاتشب هو الذي يلهم المشاعر القوية. ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى انتشاره في كل مكان، وارتباطه بالطعام الأميركي، وبالتالي ارتباطه بالطعام السيئ. لكن وفقاً لتشارلز سبينس، عالم النفس التجريبي في جامعة أكسفورد، فإن جزءاً من جاذبية المستهلك الأساسية للكاتشب يتمثل في الطريقة التي يتم الاستمتاع به من خلال جميع الحواس: الضغط الملموس، والتدفق أثناء خروجه من الزجاجة، وشكله الأحمر الجذاب ورائحته الحلوة. لقد ظهر هذا الأمر في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما حاول مانشستر سيتي تقديم كاتشب أزرق اللون في أجنحة الضيافة، حتى يثير الرعب والاشمئزاز منه!
ومن نواحٍ عديدة، فإن الجدل الأبدي بشأن تناول الكاتشب يعكس الارتباك الشديد الذي نعاني منه كأمة. إننا نحلم بالتحرر ونمني أنفسنا به، لكننا نصوت بشكل استبدادي وسلطوي على نحو متزايد. إننا نقدس القواعد ونقدس حرية تجاهلها في نفس الوقت. إننا نريد أن نمنع الكاتشب، لكننا سنقاتل حتى الموت من أجل الدفاع عن حقنا في تناوله!
ربما يأتي التعبير الأكثر تأثيرا عن العلاقة المعقدة لكرة القدم الإنجليزية مع أكثر التوابل المحبوبة والمكروهة من أعظم بطل شعبي، فبعد الخسارة بركلات الترجيح أمام ألمانيا في كأس الأمم الأوروبية 1996 عاد بول جاسكوين المذهول إلى مقر تدريبات المنتخب الإنجليزي، وهو لا يعرف على وجه التحديد خطوته التالية، وكتب عن ذلك في سيرته الذاتية يقول: «ذهبت إلى المطبخ ووجدت علبة كاتشب ضخمة، أفرغتها كلها على روبي فاولر، ثم ركضت إلى غرفتي وبكيت بشدة!».
كونتي وجيرارد يختزلان الحياة في حروب «الكاتشب» في انقسام ثقافي لذيذ
أصبح مصدراً للهوس والنقاش الحاد في عالم كرة القدم... ورمز الديكتاتورية ونبذ الحرية
كونتي وجيرارد يختزلان الحياة في حروب «الكاتشب» في انقسام ثقافي لذيذ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة