عبد اللطيف وهبي... محامٍ قاد ثورة في «الأصالة والمعاصرة» المغربي

يساري يترأس حزباً ليبيرالياً

عبد اللطيف وهبي... محامٍ قاد ثورة في «الأصالة والمعاصرة» المغربي
TT

عبد اللطيف وهبي... محامٍ قاد ثورة في «الأصالة والمعاصرة» المغربي

عبد اللطيف وهبي... محامٍ قاد ثورة في «الأصالة والمعاصرة» المغربي

سيظل يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يوماً مشهوداً في مسار عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» المغربي الليبرالي المشارك في حكومة عزيز أخنوش، ففي ذلك اليوم أكمل وهبي ملامح عهد قيادته للحزب من خلال الإعلان عن أعضاء مكتبه السياسي لدى اجتماع مجلسه الوطني (برلمان الحزب) في مدينة مراكش.
وبعد مرور نحو 21 شهراً على وصوله إلى قيادة الحزب، التي تولاها يوم 9 فبراير (شباط) 2020 في ظروف غير مريحة البتة، اتسمت بوطأة جائحة «كوفيد – 19» وتداعياتها، والإعداد لخوض «ماراثون» انتخابات 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، ها هو وهبي يطوي فصلاً من كتاب مساره. إذ استطاع تجاوز الأنواء والعبور بسفينة حزبه إلى بر الأمان، والمحافظة على مكانته في المشهد السياسي، بل إنه كان قاب قوسين أو أدنى من الظفر برئاسة الحكومة. وهكذا، دخل في تحالف مع غريمه اللدود أخنوش، وحصل على مقاعد حكومية معتبرة.
لم يكن تعيين عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة»، وزيراً للعدل في حكومة عزيز أخنوش يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلا تتويجاً لمسار رجل سياسي له ماضٍ حافل بالنضال السياسي والحقوقي. فمنذ انتخابه أميناً عاماً للحزب، دشّن وهبي مساراً جديداً له، ورسم هدف إخراجه من حالة الصراع والجمود، معلناً عن طموحه بأن يكون جزءاً من الحكومة المقبلة، وهو ما تحقق على أرض الواقع.
- تارودانت والمقاومة
ولد وهبي عام 1961 في مدينة تارودانت (شرق أغادير)، وأصبح منذ سبتمبر الماضي عمدة لها، وممثلاً لها في البرلمان، وفتح عينيه وسط أسرة مقاومة ضد الاستعمار.
والده كان أمازيغياً ينتمي لمنطقة سوس (وسط المغرب) وأم تنحدر من منطقة الريف (شمال). وروى وهبي في تصريحات صحافية سابقة أن والده كان تاجراً ميسور الحال قبل زواجه بوالدته. وانخرط في حركة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في مدينة الدار البيضاء، قبل أن ينتقل إلى شمال البلاد (المحتل آنذاك) من طرف إسبانيا، وهناك تعرف على زوجته الريفية التي أنجبت له عبد اللطيف.
وبعد استقلال المغرب، انخرط والد وهبي، في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي خرج من عباءة الحزب الأول. وكانت تربطه علاقات مع قياداته مثل عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي، وكان هؤلاء يزورونه كلما حلوا بتارودانت.
وفي مسقط رأسه، تدرج وهبي دراسياً حتى حصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة). قبل أن ينتقل إلى الرباط لدراسة القانون في جامعة محمد الخامس ويحصل على شهادة الإجازة. ولأنه كان مهووساً بمهنة المحاماة، بدأ تدريبه في مكتب المحامي الراحل أحمد بنجلون، أحد قيادات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (حزب انشق عن الاتحاد الاشتراكي في عقد الثمانينات). بيد أن ميول عبد اللطيف اليسارية كانت بادية عليه قبل تجربة المحاماة ولقائه بنجلون. فهو انخرط مبكراً في شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي. وعام 1989 انضم للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (جمعية حقوقية يسارية)، كان يتابع أنشطتها منذ كان تلميذاً في تارودانت، كما انخرط لاحقاً في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي اليساري.
- محامٍ لامع
عام 1996 غادر وهبي حزب الطليعة، وتوقف عن ممارسة العمل الحزبي لسنوات، واهتم بمهنته، وطوّر نفسه ليصبح محامياً ناجحاً وذائع الصيت في الرباط. وبقي على هذه الحال إلى أن انخرط في حزب «الأصالة والمعاصرة» عام 2010.
عام 2011 ترشح للانتخابات البرلمانية، بيد أن التحول الكبير في مساره سجله حين قاد في 2019 حركة تصحيحية لتغيير مسار الحزب وتبوء قيادته، إلى جانب حصول حزبه في انتخابات 8 سبتمبر على 87 مقعداً نيابياً، وحلوله ثانياً بعد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي حصل على 102 مقعد. وتلك الانتخابات عرفت تقهقر حزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية) بحصوله على 13 مقعداً بدل 125 مقعداً في اقتراع 2016.
اشتهر وهبي بدفاعه عن الطلبة المعتقلين في أحداث الجامعة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي. واعتبر الأحكام التي صدرت في حقهم أنها «قاسية»، كما اشتهر بمرافعاته لصالح رجال الأعمال المعتقلين في حملة التطهير التي قادها وزير الداخلية الراحل إدريس البصري عام 1995، وجرى تبريرها بمحاربة التهريب والحد من الممارسات المنافسة للاقتصاد الوطني.
- «الأصالة والمعاصرة»... التأسيس
عام 2008، أسس حزب «الأصالة والمعاصرة» عدد من الشخصيات تنتمي لمشارب سياسية مختلفة (رسميون ويساريون ويمينيون وأعيان) أبرزهم فؤاد عالي الهمة، الذي سرعان ما انسحب من الحزب، وعُين مستشاراً للملك محمد السادس. ونجح الحزب بسرعة في تصدر المشهد السياسي، حين حصد المرتبة الأولى في الانتخابات المحلية عام 2009، وكان يراهن على الفوز في الانتخابات التشريعية لعام 2016.
وخلال الولاية التشريعية 2011 – 2016، برز وهبي، كرئيس لفريق الحزب في مجلس النواب، وشكل محور المعارضة ضد حكومة عبد الإله ابن كيران. وترأس فيما بعد لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، كما انتخب نائباً لرئيس مجلس النواب. لكن التحول الكبير حصل حين أعلن عام 2019 عن تأسيس «تيار المستقبل» في «الأصالة والمعاصرة»، وتجمع حوله عدد من قياداته في مواجهة التيار الذي كان يقوده حكيم بنشماش، الأمين العام السابق للحزب.
وبعد نتائج انتخابات 2016، التي حل فيها «الأصالة والمعاصرة» ثانياً، قدّم إلياس العماري، الأمين العام الأسبق استقالته، وعُقد مؤتمر استثنائي انتُخب خلاله بنشماش أميناً عاماً جديداً، بدعم من وهبي، لكن سرعان ما برزت الخلافات بينهما، وسط تهم إهمال الديمقراطية داخل الحزب، والبقاء رهينة لدى الأمين العام الأسبق. وهو ما دفع وهبي إلى الدعوة لعقد مؤتمر للإطاحة به، رافعاً شعار مراجعة توجهات الحزب، واعتماد الديمقراطية في اتخاذ القرارات. وفعلاً، عُقد مؤتمر صاخب في مدينة الجديدة (جنوبي الدار البيضاء) في فبراير 2020، جرى خلاله انتخاب وهبي أميناً عاماً جديداً للحزب، الأمر الذي أحدث تحولاً بارزاً في مساره.
- نقد ذاتي... ورياح منعشة
أعلن وهبي استعداده لإجراء نقد ذاتي جريء لمسار حزبه وتغيير توجهه. إذ التصقت بالحزب تهمة «حزب الدولة» و«حزب التعليمات» تبعاً بظروف تأسيسه، لكن وهبي أتى لإنهاء هذه الحالة، وجعل «الأصالة والمعاصرة» حزباً طبيعياً عادياً، مشدداً على ضرورة القطع مع ربط الحزب بالدولة، وتحاشي «الاستقواء بالسلطة»، والخضوع للالتزامات التي ينص عليها دستور المملكة.
ووعد وهبي أيضاً بإعادة هيكلة الحزب ليكون منفتحاً على الشباب وعلى عموم المواطنين، وضمان «استقلالية القرار الحزبي». وكان دائماً يردد أن «أحزاب الدولة فشلت في الدول العربية مثل تونس وسوريا والعراق».
وثمة نقطة لا يجب نسيانها هي أن «الأصالة والمعاصرة» رفع منذ تأسيسه شعار «محاربة الإسلاميين»، لكن وهبي قلب المعادلة، معتبراً حزب «العدالة والتنمية» «حزباً وطنياً» يعمل في إطار الدستور، ومعلناً استعداده للحوار والتعاون معه، بل إنه ذهب بعيداً حينما اعتبر أن «إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف أيضاً تعبير عن الإسلام السياسي»، وأن ما يجب رفضه هو «التوظيف السياسي للدين»، وأثار هذا التصريح في إبانه جدلاً كبيراً.
رفع وهبي أيضاً شعار تحقيق انفراج سياسي من خلال إطلاق سراح معتقلي أحداث الريف، التي اندلعت عقب وفاة بائع سمك طحناً في عربة لتدوير النفايات، ونادى باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو خطاب أعطى دينامية سياسية جديدة لـ«الأصالة والمعاصرة»، وبدا أن رياحاً منعشة تهب على هذا الحزب.
- مواقف وتصريحات مثيرة
مواقف وتصريحات وهبي المثيرة جعلته محط أنظار المتتبعين، خاصة حين يثير ملفات ساخنة بجرأة غير معهودة، آخرها إعلانه في برنامج تلفزيوني، وهو وزير للعدل أنه يعتزم رفع ملتمس إلى الملك محمد السادس بقصد العفو عن معتقلي حراك الريف، الأمر الذي أثار لغطاً، بين مشيد بالخطوة ومنتقد لها. والمعروف أن العفو يبقى من صلاحيات الملك، ولا دخل لوزير العدل فيه.
وفي الآونة الأخيرة، أشار وهبي، في جلسة برلمانية، إلى أنه طلب من رئيس الحكومة تخصيص موازنة لاقتناء سيارات فاخرة لفائدة المسؤولين القضائيين، لأنهم، حسب قوله، يركبون سيارات لا تليق بهم. ووعد بالاهتمام بأبنية المحاكم، وتخصيص أماكن لراحة القضاة والمحامين، ومطاعم، قائلاً: «لا يعقل ألا يجد القضاة والمحامون أماكن لأخذ قسط من الراحة».
أيضاً، كان وهبي - قبل استيزاره - من المبادرين إلى تشكيل لجنة استطلاعية برلمانية لدراسة أوضاع العالقين في سوريا والعراق ممن التحقوا بتنظيم داعش. وترأس اللجنة التي عملت لأشهر، وأصدرت تقريراً بعدما استمعت لأفراد من عائلات العالقين ومنهم عائدون من بؤر القتال، قضوا عقوبات في السجون المغربية قبل الإفراج عنهم.
وإبان الحملات الانتخابية الممهدة لانتخابات 8 سبتمبر، كان وهبي يردد بثقة بأن حزبه يتجه للحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات. وحين كان يُسأل «هل أنت مستعد لتكون وزيراً في حكومة يرأسها حزب التجمع الوطني للأحرار؟»، يرد قائلاً: «إما أن أتصدر النتائج وأكون رئيساً للحكومة، وإلا فلن أكون وزيراً في حكومة يرأسها حزب آخر»، وبرر ذلك بأنه أمين عام حزب سياسي، ولا يمكن لأمين عام حزب آخر أن يرأسه في الحكومة.
كرر وهبي هذا التصريح أكثر من مرة. وحين ظهرت نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز «التجمع الوطني للأحرار»، وُجه إليه السؤال ذاته، فكرر جوابه السابق، لكن اجتماعاً للمجلس الوطني للحزب (أعلى هيئة تقريرية فيه بعد المؤتمر)، أعلن قرار المشاركة في الحكومة، وطلب من وهبي شخصياً المشاركة فيها، ليتبين أن للسياسة إكراهاتها.
على صعيد آخر، من مواقف وهبي قبيل انتخابات 8 سبتمبر، دعوته إلى حل مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، معتبراً إياه مجلساً «يهدر الزمن التشريعي»، كما انتقد تمثيل النقابات ورجال الأعمال في المجلس لأنهم يتصرفون «بمنطق المصالح». ويتكون مجلس المستشارين من 120 عضواً ينتخبون من طرف هيئات ناخبة تمثل الجماعات المحلية (البلديات)، والجهات، والنقابات، ورجال الأعمال، وله نفس الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب، رغم أن الحسم يكون لهذا الأخير.
وسبق لوهبي أن وجه انتقادات لاذعة لحزب «التجمع الوطني للأحرار» ولرئيسه وزير الفلاحة السابق (رئيس الحكومة الحالي) أخنوش لتوزيعه مساعدات قبل الانتخابات من خلال جمعية خيرية تسمى «جود»، وهو سلوك اعتبره وهبي آنذاك «فضيحة سياسية». لكنه عاد وتحالف مع أخنوش بعد ظهور نتائج الانتخابات. وبعدما صارا معاً في الحكومة، قال وهبي عن أخنوش: «اختلفت معه كثيراً خلال الانتخابات... وكان الصراع انتخابياً... صراع وجود، وصراع موقع وتموقع، لكن حينما عملنا مع بعض في الحكومة، اكتشف كل واحد منا الآخر، وأصبح أخنوش صديقاً قريباً مني... وكثيراً ما نفتح الحوارات بيننا، وعلاقتنا جيدة جداً».
- العلاقة مع الملك
لا يجد عبد اللطيف وهبي حرجاً في التحدث عما دار بينه وبين الملك محمد السادس حين استقبله بعد انتخابه أميناً عام للحزب، إذ قال، في أحد حواراته الصحافية، إن «الملك بطبيعته يجعلك مرتاحاً في الحديث إليه، بل يشعرك بالاطمئنان والراحة لتتحدث إليه بصراحة ووضوح». وأضاف أنه تحدث مع الملك محمد السادس عن كل شيء... من السياسة إلى تارودانت. وأوضح أن العاهل المغربي له «طموحات كبيرة جداً ومتتبع وملم بكل تفاصيل الأمور وقضايا البلد».
وكشف وهبي أن لقاءه مع الملك محمد السادس دام 20 دقيقة، وقال إنه «يحسن الاستماع، وعندما يعقب عليك فهو يطرح أسئلة دقيقة، ويكن احتراماً كبيراً للجالس أمامه».
وحين أصدر حزب «الأصالة والمعاصرة» كتابا حول تجربته، حرص وهبي على بعث نسخة منه هدية إلى الملك محمد السادس، فتلقى رسالة شكر منه، نشرها على موقع الحزب.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».