وزير الدفاع الأميركي يأمر بتحقيق جديد في «غارة الباغوز»

القيادة المركزية تعترف بسقوط 80 مدنياً شرق سوريا

TT

وزير الدفاع الأميركي يأمر بتحقيق جديد في «غارة الباغوز»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن الوزير لويد أوستن، أمر بفتح تحقيق جديد رفيع المستوى في الغارة الجوية الأميركية التي وقعت قرب بلدة الباغوز شمال شرقي سوريا في 18 مارس (آذار) 2019، قالت تقارير إنها أدت إلى مقتل عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في مؤتمر صحافي عقده مساء الاثنين في مقر وزارة الدفاع، إن الوزير كلف الجنرال مايكل غاريت، قائد قيادة قوات الجيش الأميركي بإجراء هذا التحقيق، ومراجعة كل التقارير والتحقيقات التي تم إجراؤها بالفعل في تلك الغارة، التي نفذتها وحدة عمليات خاصة سرية تدعى «قوة المهام 9»، وإجراء المزيد من التحقيقات في الحقائق والظروف المتعلقة بها. وأضاف كيربي أن الجنرال غاريت سيكون أمامه 90 يوماً لإكمال هذه التحقيقات، موضحاً أنها ستشمل تقييماً للأمور التالية: الخسائر المدنية التي نجمت عن الحادث، والامتثال لقانون الحرب، وإجراءات حفظ السجلات والإبلاغ، وما إذا كانت تدابير التخفيف المحددة في التحقيقات السابقة في الحادث قد نُفذت بالفعل بشكل فعال، والتأكد مما إذا كانت تدابير المساءلة مناسبة، وأخيراً، ما إذا كان ينبغي تغيير إجراءات أو عمليات القيادة.
وأكد كيربي أن هناك الكثير من المدخلات التي أثرت على قرار وزير الدفاع، بإعادة فتح التحقيق في الغارة، بعدما اطلع على الإحاطة التي قدمها الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة الأميركية الوسطى (سينتكوم) قبل أسبوعين، إضافة إلى تقرير المفتش العام في البنتاغون الذي صدر قبل ثلاثة أسابيع.
ومن المتوقع أن يعلن البنتاغون نتائج التحقيق الجديد، بعد إبلاغ الكونغرس بها. وقالت لجنتا القوات المسلحة بمجلسي النواب والشيوخ إنهما تحققان في الحادثة.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد كشفت في وقت سابق أن كبار الضباط والمسؤولين المدنيين في وزارة الدفاع، حاولوا إخفاء الخسائر المدنية التي سببتها الغارة، قائلة إنها أدت إلى مقتل نحو 80 شخصاً، وإن انتهاكات مزعومة لقانون الحرب ربما تكون قد وقعت. وعلى الأثر عقد الوزير أوستن مؤتمراً صحافياً قبل أسبوعين، تعهد فيه بإصلاح الإجراءات العسكرية ومحاسبة كبار الضباط على إلحاق الأذى بالمدنيين، لكنه لم يحدد أي مشاكل هيكلية في النظام، ما سمح باستمرار وقوع الخسائر في صفوف المدنيين في ساحات القتال في سوريا والعراق وأفغانستان.
ونفذت الغارة على بلدة الباغوز آخر معاقل تنظيم «داعش»، التي أدت إلى دحره، وكانت من بين أكبر الحوادث التي ألحقت خسائر في صفوف المدنيين. ونفذت الضربة أولاً من طائرة هجومية من طراز «إف - 15» ألقت قنبلة تزن 500 رطل على الهدف. وبعد خمس دقائق، ألقت طائرة أخرى قنبلتين بنفس الوزن على المكان ذاته مستهدفة فارّين من الضربة الأولى.
لكن الجيش الأميركي لم يعترف بالضربة علناً، بحسب الصحيفة. وحققت فرقة العمل السرية في الغارة، وأشارت إلى مقتل أربعة مدنيين، لكنها خلصت أيضاً إلى أن وحدة العمليات الخاصة لم تكن مخطئة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أرسلت فرقة العمل تقريرها عن الغارة إلى القيادة المركزية (سينتكوم) في تامبا بولاية فلوريدا، التي اعترفت بأن 80 شخصاً، من بينهم مدنيون، قتلوا في الغارة الجوية. ورغم أن عدد القتلى كان واضحاً على الفور تقريباً للمسؤولين العسكريين، لم يتم اتباع لوائح التحقيق في «الجريمة المحتملة»، بحسب الصحيفة. وأضافت أن «قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة جرفت موقع الانفجار بالجرافات».
وقالت القيادة المركزية إن الغارات الثلاث قتلت 16 مقاتلاً وأربعة مدنيين، لكن فيما يتعلق بالأشخاص الـ60 الآخرين الذين قتلوا، قالت إنه ليس من الواضح أنهم مدنيون، و«يرجع ذلك جزئياً إلى أن النساء والأطفال في تنظيم داعش كانوا مسلحين في بعض الأحيان».
وتلقى أوستن إحاطة سرية عن الغارة من الجنرال ماكينزي الذي تشرف قيادته على الحرب في سوريا. وأضافت الصحيفة أن مسؤولاً قانونياً أشار إلى أن الغارة، يمكن أن تعد «جريمة حرب محتملة»، تتطلب إجراء تحقيق فيها. وأرسل هذا المسؤول رسالة بالبريد الإلكتروني إلى لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في الربيع الماضي، حذر فيها من أن «كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في البنتاغون» عمدوا إلى التحايل عمداً وبشكل منهجي، لإخفاء الحقائق عن تلك الغارة، وأن هناك فرصة لأن تكون «أعلى المستويات في الإدارة الأميركية، لا تزال غير مدركة لما يحدث على الأرض». وقال المتحدث باسم لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، تشيب إنروه، إن اللجنة «ما زالت تعمل بنشاط وتواصل بحث الأمر»، فيما قال النائب الديمقراطي آدم سميث، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، في وقت سابق من هذا الشهر، إن لجنته ستحقق أيضاً في الضربة وكيفية تعامل الجيش معها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».