قبل مفاوضات فيينا... إيران تعيد بناء قدراتها وإصرار إسرائيلي على وقف برنامجها النووي

«نيويورك تايمز»: واشنطن حذرت تل أبيب من النتائج العكسية لضرباتها ضد طهران

عامل على دراجة أمام مفاعل بمحطة بوشهر النووية جنوب إيران (أ.ب)
عامل على دراجة أمام مفاعل بمحطة بوشهر النووية جنوب إيران (أ.ب)
TT

قبل مفاوضات فيينا... إيران تعيد بناء قدراتها وإصرار إسرائيلي على وقف برنامجها النووي

عامل على دراجة أمام مفاعل بمحطة بوشهر النووية جنوب إيران (أ.ب)
عامل على دراجة أمام مفاعل بمحطة بوشهر النووية جنوب إيران (أ.ب)

حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من أن هجماتها على منشآت إيران النووية قد تكون مرضية تكتيكياً، لكنها قد تأتي في النهاية بنتائج عكسية مع استعداد الإدارة الإيرانية الجديدة لأول مفاوضاتها النووية الدولية.
وأشار تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، استناداً إلى العديد من المسؤولين المطلعين على المناقشات التي جرت وراء الكواليس، إلى أنه على مدار العشرين شهراً الماضية، اغتال عملاء المخابرات الإسرائيلية كبير علماء إيران النوويين وتسببوا بانفجارات كبيرة في أربع منشآت نووية وصاروخية إيرانية، على أمل شل أجهزة الطرد المركزي التي تنتج الوقود النووي وتأخير اليوم الذي قد تتمكن فيه حكومة طهران الجديدة من بناء قنبلة نووية.
ولكن مسؤولي المخابرات الأميركية والمفتشين الدوليين يقولون، إن الإيرانيين أعادوا تشغيل المنشآت بسرعة، وغالباً ما ثبّتوا آلات جديدة يمكنها تخصيب اليورانيوم بوتيرة أسرع بكثير. على سبيل المثال، عندما انفجر مصنع ينتج أجزاء رئيسية من أجهزة الطرد المركزي في أواخر الربيع، ودمر الكثير من مخزون قطع الغيار والكاميرات وأجهزة الاستشعار التي ركبها المفتشون الدوليون، استؤنف الإنتاج بحلول أواخر الصيف.
ووصف، مسؤول أميركي كبير ما فعله الإيرانيون بأنها «خطة طهران لإعادة البناء بشكل أفضل».
ولفت التقرير إلى رفض المسؤولين الإسرائيليين الاستسلام ووقف عمليتهم لوقف برنامج إيران النووي، ورفضهم التحذيرات من أنهم ربما يشجعون على إعادة بناء متسارع للبرنامج، وهو إحدى القضايا التي تختلف فيها الولايات المتحدة مع إسرائيل حول فوائد استخدام الدبلوماسية بدلاً من استخدام القوة.
وبحسب الصحيفة، يوجد مشاورات داخل البيت الأبيض في الأيام الأخيرة لاستكشاف ما إذا كان نوع من الاتفاق المؤقت ممكناً لتجميد إنتاج إيران مزيداً من اليورانيوم المخصب وتحويل هذا الوقود إلى شكل معدني. في المقابل، قد تخفف الولايات المتحدة عدداً محدوداً من العقوبات. وهذا لن يحل المشكلة. لكنها قد تكسب الوقت للمفاوضات، وربما يمنع التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت الإيرانية.
بينما يقول المسؤولون الأوروبيون، إنهم لا يريدون التفكير في «الخطة ب» إذا تطورت المواجهة، فإن مجموعة متنوعة من هذه الخطط - بدءاً من العزلة الاقتصادية إلى التخريب - كانت عنصراً أساسياً للاجتماعات في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية، وفق التقرير.
وعندما سئل الرئيس الأميركي جو بايدن عن مناقشات «الخطة ب» في مؤتمر صحافي قبل أكثر من أسبوعين، صمت بايدن للحظة، ثم قال «لن أعلق على إيران الآن».
ولكن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال أفيف كوخافي، قد صرح هذا الشهر بأن «الجيش الإسرائيلي يسرّع الخطط العملياتية والاستعداد للتعامل مع إيران والتهديد العسكري النووي». وكانت إشارة إلى حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بنيت، قد سمح بمزيد من التمويل للتخطيط وممارسة الهجمات.
وختم التقرير بقوله، إن مسؤولي إدارة بايدن قد يضطرون إلى الإعلان بأن البرنامج النووي الإيراني متقدم للغاية بحيث يتعذر على أي شخص العودة بأمان إلى اتفاقية 2015.
قال روبرت مالي، المفاوض الرئيسي بشأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، في إفادة الشهر الماضي «هذه ليست ساعة كرونولوجية، إنها ساعة تكنولوجية». وأضاف «في مرحلة ما، سيكون الاتفاق قد تآكل كثيراً لأن إيران ستحقق تقدماً لا يمكن التراجع عنه، لا يمكنك إحياء جثة ميتة».



عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
TT

عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات

أثار اعتقال إسرائيل لما يقارب 30 مواطناً، معظمهم يهود، للاشتباه بأنهم تجسسوا لصالح إيران ضمن تسع خلايا سرية، قلقاً داخل الدولة، ويعد أحد أكبر الجهود التي بذلتها طهران منذ عقود لاختراق خصمها الرئيس اللدود، وفقاً لأربعة مصادر أمنية إسرائيلية.

ومن بين الأهداف التي لم تتحقق للخلايا المزعومة كانت اغتيال عالم نووي إسرائيلي ومسؤولين عسكريين سابقين، وجمع معلومات عن قواعد عسكرية ودفاعات جوية، وفقاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).

وذكر جهاز الأمن الداخلي، الذي يعرف أيضاً باسم الشاباك، والشرطة الأسبوع الماضي أن فريقاً مكوناً من أب وابنه نقل تفاصيل عن تحركات لقوات إسرائيلية، بما في ذلك في هضبة الجولان حيث يعيشان.

ونقلت وكالة «رويترز» عن المصادر الأربعة، التي تضم مسؤولين عسكريين وأمنيين حاليين وسابقين، أن الاعتقالات جاءت بعد جهود متكررة من عملاء استخبارات إيرانيين على مدى عامين لتجنيد إسرائيليين من المواطنين العاديين لجمع معلومات استخباراتية وتنفيذ هجمات مقابل المال.

وطلبت المصادر عدم الكشف عن أسمائها نظراً لحساسية الأمر.

وقال شالوم بن حنان وهو مسؤول كبير سابق في الشاباك «هناك ظاهرة كبيرة هنا»، في إشارة إلى ما أسماه العدد المفاجئ من المواطنين اليهود الذين وافقوا عن علم على العمل لصالح إيران ضد الدولة من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية أو التخطيط للتخريب والهجمات.

ولم يرد الشاباك ولا الشرطة الإسرائيلية على طلبات للتعليق. كما لم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على الأسئلة.

وفي بيان أرسل إلى وسائل إعلام بعد موجة الاعتقالات، لم تقدم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة تأكيداً أو نفياً لسعي طهران إلى تجنيد إسرائيليين، وقالت إنه «من وجهة نظر منطقية» فإن أي جهود من هذا القبيل من جانب أجهزة الاستخبارات الإيرانية ستركز على أفراد غير إيرانيين وغير مسلمين لتقليل الشكوك.

وقالت الشرطة والشاباك إن اثنين على الأقل من المشتبه بهم ينتمون إلى مجتمع اليهود المتزمتين دينياً في إسرائيل.

موتي مامان المتهم بتجنيده من قبل إيران لتنفيذ مخطط اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع أو رئيس جهاز الأمن العام (رويترز)

الفئات المستهدفة

وعلى النقيض من عمليات تجسس إيرانية في العقود السابقة تمت من خلال تجنيد رجل أعمال بارز ووزير سابق في الحكومة فإن معظم الجواسيس المشتبه بهم الجدد أشخاص مهمشون في المجتمع الإسرائيلي، ومن بينهم مهاجرون وصلوا حديثاً وهارب من الجيش ومدان بجرائم جنسية، وفقاً للمصادر ولسجلات قضائية وتصريحات رسمية.

وقال جهاز الشاباك إن الكثير من نشاط هؤلاء المشتبه بهم كان يقتصر على نثر شعارات معادية لنتنياهو أو للحكومة على الجدران وإلحاق الضرر بسيارات.

القلق من التوقيت

ومع ذلك فإن حجم الاعتقالات وتورط مثل هذا العدد من اليهود الإسرائيليين بالإضافة إلى المواطنين العرب تسبب في حالة من القلق في إسرائيل وسط استمرار الحرب مع حركة «حماس» المدعومة من إيران في قطاع غزة وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة «حزب الله» في لبنان.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) قال الشاباك إن أنشطة التجسس الإيرانية تعد «من أخطر الأنشطة التي شهدتها دولة إسرائيل».

كما جاءت الاعتقالات في أعقاب موجة من محاولات القتل والاختطاف التي تم الربط بينها وبين طهران في أوروبا والولايات المتحدة.

وقال بن حنان إن القرار غير المعتاد بتقديم تقارير علنية مفصلة عن المؤامرات المزعومة يشكل خطوة من جانب أجهزة الأمن الإسرائيلية لتحذير إيران وكذلك تحذير المخربين المحتملين داخل إسرائيل بأنه سيتم الوصول إليهم.

وقال «ينبغي تنبيه الجمهور. وينبغي أيضاً تقديم العبرة لمن قد يكون لديهم أيضاً نيات أو خطط للتعاون مع العدو».

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لحرق سيارات من قِبل عملاء جندتهم إيران

نجاحات إسرائيل الاستخباراتية

وحققت إسرائيل نجاحات استخباراتية كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية في حرب ظل مع خصمتها الإقليمية، بما في ذلك قتل عالم نووي كبير. وقال مسؤول عسكري إنه مع الاعتقالات الأخيرة أحبطت إسرائيل «حتى الآن» جهود طهران للرد.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية على جماعة «حزب الله» اللبنانية، وكيل إيران في لبنان، والإطاحة ذات الصلة بحليف طهران الرئيس السوري السابق بشار الأسد في إضعاف إيران.

أساليب التجنيد

قالت الشرطة الإسرائيلية في مقطع فيديو نُشر في نوفمبر (تشرين الثاني) إن وكالات الاستخبارات الإيرانية غالباً ما تجد مجندين محتملين على منصات التواصل الاجتماعي، محذرة من محاولات تسلل مستمرة.

وتكون جهود التجنيد مباشرة في بعض الأحيان. وتعد إحدى الرسائل المرسلة إلى مدني إسرائيلي والتي اطلعت عليها «رويترز» بتقديم مبلغ 15 ألف دولار مقابل الحصول على معلومات مع بريد إلكتروني ورقم هاتف للاتصال.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول كبير سابق عمل في جهود إسرائيل لمكافحة التجسس حتى عام 2007، إن إيران تتصل أيضاً بشبكات المغتربين من اليهود من دول القوقاز الذين يعيشون في كندا والولايات المتحدة.

وقالت السلطات الإسرائيلية علناً إن بعض المشتبه بهم اليهود هم في الأصل من دول القوقاز.

وقال المسؤول السابق إن الأفراد المجندين يتم تكليفهم أولاً بمهام تبدو غير ضارة مقابل المال، قبل مطالبتهم تدريجياً بمعلومات استخبارية محددة عن أهداف، بما في ذلك عن أفراد وبنية تحتية عسكرية حساسة، مدعومين في ذلك بتهديد بالابتزاز.

صورة نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية لفلاديسلاف فيكتورسون وصديقته آنا بيرنشتاين بعد توقيفهما

قضية فيكتورسون

وأُلقي القبض على أحد المشتبه بهم الإسرائيليين، فلاديسلاف فيكتورسون (30 عاماً)، في 14 أكتوبر مع صديقته البالغة من العمر 18 عاماً في مدينة رامات جان الإسرائيلية قرب تل أبيب. وكان قد سُجن في عام 2015 بتهمة ممارسة الجنس مع قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً وفقاً للائحة اتهام للمحكمة منذ ذلك الوقت.

وقالت إحدى معارف فيكتورسون لـ«رويترز» إنه أخبرها أنه تحدث إلى إيرانيين باستخدام تطبيق «تلغرام» للتراسل. وقالت إن فيكتورسون كذب على المتعاملين معه بشأن تجربته العسكرية. ورفض أحد معارفه الكشف عن اسمه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

وقال إيجال دوتان محامي فيكتورسون لـ«رويترز» إنه يمثل المشتبه به مضيفاً أن الإجراءات القانونية ستستغرق وقتاً وأن موكله محتجز في ظروف صعبة. وأوضح دوتان أنه لا يمكنه الرد إلا على القضية الحالية، ولم يدافع عن فيكتورسون في محاكمات سابقة.

أنشطة التخريب

وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) والشرطة إن فيكتورسون كان يعلم أنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية، ويقوم بمهام تشمل الكتابة على الجدران وإخفاء أموال وتوزيع منشورات وحرق سيارات في هياركون بارك بتل أبيب والتي تلقى مقابلها أكثر من 5000 دولار. وأظهرت التحقيقات أنه وافق لاحقاً على تنفيذ اغتيال لشخصية إسرائيلية، وإلقاء قنبلة يدوية على منزل، والسعي للحصول على بنادق قنص ومسدسات وقنابل يدوية.

وقالت الأجهزة الأمنية إنه جنّد صديقته التي كُلفت بتجنيد المشردين لتصوير المظاهرات.