إسرائيل تحذر الغرب من تنازلات مجانية لإيران

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد (ف.ب)
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد (ف.ب)
TT

إسرائيل تحذر الغرب من تنازلات مجانية لإيران

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد (ف.ب)
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد (ف.ب)

«العصف الذهني» الذي أجرته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع الحكومة الإسرائيلية، حول إمكانية إبرام واشنطن والقوى العظمى، «اتفاقاً مرحلياً» مع إيران يضمن تجميد تخصيب اليورانيوم لمستوى 60 في المائة، مقابل تحرير قسم من الأموال الإيرانية المجمدة، يدل على رياح التغيير الحاصلة في كل من تل أبيب وواشنطن. فالإسرائيليون ينتقلون من موقع الرفض من بعيد إلى الرفض مع محاولة التأثير من قريب على مفاوضات النووي، والأميركيون يشركون إسرائيل في بلورة الاتفاق مع أنها ليست جزءاً منه وتستخدم معارضتها المتوقعة وعملياتها وتهديداتها العسكرية، لممارسة الضغوط على طهران.
فكما هو معروف، تعارض إسرائيل أي اتفاق مع إيران، لا يؤدي إلى إلغاء تام لمشروعها النووي، ولا يتضمن تنازلاً عن مشروع تطوير الصواريخ الباليستية، وعن مشروع الهيمنة على دول الشرق الأوسط، خصوصاً المحيطة بإسرائيل. لكن الحكومة السابقة برئاسة نتنياهو كانت تحارب العودة للاتفاق النووي من بعيد، وتتهم إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، بالرضوخ لطهران، وتتهم إدارة جو بايدن بالعودة إلى سياسة أوباما. وجاءت حكومة نفتالي بنيت بموقف لا يختلف في الجوهر، ولكنه يغير التكتيك فيقول إن سياسة الصراخ من بعيد التي اتبعها نتنياهو لم تجد نفعاً. وسياسة الانسحاب من الاتفاق، التي اتبعها الرئيس السابق، دونالد ترمب، بدعم وتشجيع من نتنياهو، وبموجبها انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في سنة 2015، حققت عكس مرادها، وتسببت في تمكن طهران من إحراز تقدم دراماتيكي في تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60 في المائة، الأمر الذي يقرب طهران نظرياً من التخصيب بمستوى 90 في المائة الذي يسمح بالاستخدام العسكري لليورانيوم المخصب. وأتاح لمصانع «الحرس الثوري» التقدم في صنع صواريخ باليستية. ولذلك ينبغي على إسرائيل أن تكون في ساحة اتخاذ القرار. وتظل قريبة من طاولة المفاوضات لتؤثر على القرار الغربي.
وقد تلقفت إدارة بايدن الفكرة بكلتا يديها، وراحت تشرك حكومة بنيت وهيئات الأمن القومي في تل أبيب (الجيش والموساد ومجلس الأمن القومي ولجنة التنسيق العسكرية بين البلدين) في أبحاثها بخصوص إيران، وتنصت للموقف الإسرائيلي. وفي أعقاب لقاء القمة بين الرئيس بايدن وبين بنيت في البيت الأبيض، في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، بدأت الولايات المتحدة تستخدم مصطلح «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، أي عملياً تهدد بالخيار العسكري. وقد عبرت المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عن الموقف المنسجم مع الرغبة الإسرائيلية، إذ قالت لدى مغادرتها تل أبيب، أول من أمس (الأربعاء)، إن بلادها «تريد التسوية الدبلوماسية والحلول السلمية مع إيران، إذ إن جميع دول المنطقة غير معنية بالحرب. ولكننا لن نظل نتكلم بلا حدود وكل الخيارات الأخرى مطروحة على الطاولة».
وقد أحبوا في إسرائيل هذه النغمة واعتبروها تقدماً مهماً في الموقف الأميركي ولكنهم يعتبرونه تطوراً جاء بفضل الضغوط الإسرائيلية وبفضل إصرار تل أبيب على وجوب تهديد طهران. فهي في نظرهم لا تفهم إلا لغة القوة. ولن تتراجع إلا إذا رأت أن التهديد بالخيار العسكري جاد ويجري العمل عليه على أرض الواقع. وتجاوب البنتاغون مع الرغبة الإسرائيلية وشارك في مناورات حربية معها تحاكي سيناريوهات هجوم بحري، وهجوم جوي، وإنزال قوات كوماندوس كبيرة (3000 جندي في غضون ساعات).
وما كشفه موقع «أكسيوس» الأميركي وموقع «واللا» الإسرائيلي، الليلة الماضية، هو أن الأميركيين نقلوا لإسرائيل اقتراحاً مقدماً من شخصية أوروبية قريبة من المفاوضات ويعرض مشروع «اتفاق مرحلي» للدول الكبرى مع إيران، يتم بموجبه تجميد تخصيب اليورانيوم لمستوى 60 في المائة، والتعهد بالامتناع عن مزيد من التخصيب، مقابل تحرير قسم من الأموال الإيرانية المجمدة، والاستمرار في المفاوضات نحو اتفاق دائم أوسع وأعمق. وقد تم إشراك إسرائيل في الأمر مبكراً جداً، خلال مباحثات أجراها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، مع نظيره الأميركي، جيك سوليفان، قبل ثلاثة أشهر. وأكد الأميركيون أنهم يطرحون الفكرة من باب «العصف الذهني المشترك»، ما يعني أن واشنطن تعطي تل أبيب مكاناً مهماً في المشاورات.
من جهة ثانية، تواصل إسرائيل التشكيك في جدية الموقف الإيراني. وتقول إن ما تعتبره واشنطن «إبداء نوايا طيبة تجاه طهران» هو مضيعة للوقت، لأن الإيرانيين ليسوا جديين وليسوا مخلصين في المفاوضات، وكل ما يرمون إليه هو «محاولة لكسب المزيد من الوقت للمفاوضات، وهم يستغفلون الغرب ويستغلون هذا الوقت لمزيد من الإعداد لتطوير القدرات النووية العسكرية»، وهي تؤكد أن تحرير الأصول الإيرانية المجمدة، حتى لو كان جزئياً، فإنه يسمح لإيران بشراء سلع يتعذر عليها شراؤها بسبب العقوبات التي أعادت فرضها الإدارة الأميركية السابقة على طهران. وشدد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي خلال محادثاته مع سوليفان على أنه «لا يعتقد أنها فكرة جيدة»، كما شدد على أن «إسرائيل تخشى أن يصبح الاتفاق المؤقت في نهاية المطاف اتفاقاً دائماً دون تفكيك البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني ودون التطرق إلى احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب»، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون للموقعين.
وقد استمع المبعوث الأميركي الخاص بالشأن الإيراني، روبرت مالي، الذي زار إسرائيل بداية الأسبوع الجاري، لهذا الرأي من جميع المسؤولين الإسرائيليين الذين قابلهم، بل إنهم طالبوا بأن تتركز واشنطن ودول الغرب عموماً، في ممارسة الضغوط على إيران في هذه الأيام بالذات، وأن تصدر هذه الدول قرار إدانة ضد إيران، خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المقرر عقده الأسبوع المقبل في فيينا.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن خطوة من هذا القبيل ضرورية، قبل خمسة أيام فقط من موعد استئناف المحادثات النووية في فيينا، المقررة في 29 الشهر الجاري، لتوجيه رسالة لإيران مفادها أن «هناك ثمناً يجب دفعه مقابل الخطوات التي يتخذونها في برنامجهم النووي والقيود التي يفرضونها على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وحسب تقرير لموقع «واللا»، فإن وزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين، بيني غانتس ويائير لبيد، شددا خلال اجتماعهما بالمبعوث مالي، على ضرورة، التلويح بالخيار العسكري، لأنه دون هذين الإجراءين، لن يلتزم الإيرانيون بالاتفاق.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.