سقف «التطبيع» مع دمشق... ومآلاته

الأسد مستقبلاً وزير خارجية الإمارات أمس (سانا)
الأسد مستقبلاً وزير خارجية الإمارات أمس (سانا)
TT

سقف «التطبيع» مع دمشق... ومآلاته

الأسد مستقبلاً وزير خارجية الإمارات أمس (سانا)
الأسد مستقبلاً وزير خارجية الإمارات أمس (سانا)

بعد جرعات «التطبيع العربي» الأخيرة مع دمشق، هناك توقعات من دول عربية رئيسية لـ«خطوات سورية» قبل الإقدام على مبادرة سياسية أكبر تتمثل بعودة دمشق إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية المقررة في الجزائر في ربيع العام المقبل.
وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي، واجتماع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، مع عدد من نظرائه في نيويورك قبل شهرين، ومشاركة مدير إدارة المخابرات اللواء حسام لوقا في «المنتدى العربي الاستخباراتي» في القاهرة قبل أيام، اتجهت الأنظار إلى الخطوة المقبلة في مسار التطبيع ومن يقوم بها.
وعُقدت في الأيام الماضية، سلسلة لقاءات علنية وغير علنية بين مسؤولين عرب وأجانب لبحث الملف السوري للبحث عن تنسيق بين الأطراف المنخرطة «كي لا يكون التطبيع مجانياً»، حيث جرى وضع سلسلة أفكار على مائدة الدول العربية الأساسية.
وبالنسبة إلى هذه الدول، فإنها ترى أنها قامت بـ«الخطوة الأولى» مع دمشق، وبالتالي فهي تنتظر «خطوات سورية مقابلة»، قبل أن يمضي قطار التطبيع إلى محطاته المقبلة، وتتعلق التوقعات العربية الفردية أو الجمعية بثلاثة مستويات:
الأول، ملفات سورية، مثل التعامل الإيجابي مع العملية السياسية واجتماعات اللجنة الدستورية التي يجري التفكير الأممي بعقد جولتها السابعة في 13 الشهر المقبل بتسهيل من المبعوث غير بيدرسن، ومع ملف عودة اللاجئين والمعتقلين والنازحين، وانتهاءً بتطبيق القرار 2254.
الثاني، توقعات جيوسياسية، تخص الوجود الإيراني في سوريا والتوغل التركي في شمالها واحتمالات فتح أقنية بين تل أبيب ودمشق. لم تعد المطالب تركز على إخراج إيران بشكل كامل من سوريا، بل تدور التوقعات على تخفيف الدور الإيراني وإعادة تعريفه أو تذويبه، إضافةً إلى تراجع تقديم سوريا دعماً لوجيستياً - عسكرياً - تدريبياً لإيران في ملفات أخرى تخص دول عربية.
وتنطبق واقعية التوقعات ذاتها على الدور التركي الذي بات مستقبله مرتبطاً بالتفاهمات بين موسكو وأنقرة (وطهران)، حيث تبدي دول عربية استعدادها لتقديم دعم سياسي للحكومة السورية للعودة إلى «الحضن العربي»، لكنها تتردد قبل تقديم دعم عسكري باعتبار أن عواصم عربية عدة فتحت مشاورات مع أنقرة تخص أموراً ثنائية وإقليمية، وليست بصدد الدخول في مواجهة عسكرية.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهناك رهان لدى بعض الدول على تقريب دمشق من تل أبيب على أمل إبعادها عن طهران، مدعوم برهان على التنسيق العميق بين روسيا وإسرائيل ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
الثالث، مستوى ثنائي، يخص تعاون دمشق في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة وضبط الحدود مع الأردن، ووقف تهريب المخدرات إلى الدول العربية سواء من حدود الأردن أو من الموانئ السورية واللبنانية، إضافةً إلى التعاون بعدم تقديم «دفعات إضافية» من اللاجئين إلى الدول الجوار.
أميركياً، لم تمنع واشنطن الدول العربية من التطبيع مع دمشق، وهي تطلب من هذه الدول الحصول على «تنازلات سورية» داخلية أو جيوسياسية مع تذكيرها بـعقوبات «قانون قيصر». لكن واشنطن، في الوقت نفسه أبلغت دولاً أوروبية بضرورة الحفاظ على «اللاءات الثلاث»: لا لتمويل إعمار سوريا، لا لفك العزلة، لا لرفع العقوبات قبل تحقيق تقديم بالعملية السياسية وفق 2254.
وبالفعل، لا تزال الدول ملتزمة مواقفها وأدرجت (أمس) وزراء سوريين جدداً في العقوبات، لكنّ عدداً من الدول الأوروبية بدأ يطرح أسئلة عن مستقبل السياسة الأوروبية المرتبكة بين ثلاثة اتجاهات: استعجال دول عربية تطبيعها مع دمشق، والشكوك الكبيرة خصوصاً من فرنسا وألمانيا من جدوى الانخراط مع روسيا التي تزيد الضغط على أوروبا بـ«سلاح اللاجئين» من بوابة بيلاروسيا، ونصائح أميركية بالتزام السياسة التقليدية مع سوريا من دون استثمار سياسي لتنفيذ هذه النصائح.
جرعات التطبيع العربي جدّدت الدعوة لضرورة التوصل إلى صيغة دولية - عربية لمقاربة «خطوة مقابل خطوة» تحدد المطلوب من دمشق والحوافز المقدمة إليها، لكن لم يظهر تفاهم جماعي على ذلك بعد. وأمام اختلاف الأولويات ومدى قدرة كل دولة على الصبر وقبول الواقع السوري الجديد وتحمل منعكساته، يبدو أن المسار الأقرب إلى التحقق هو اختراقات ثنائية لـ«تعاون» دمشق في ملفات محددة مقابل لقاءات سياسية علنية أو سرية... ومكـافآت اقتصادية لدمشق يسمح بها «قانون قيصر» الأميركي أو يروج لها «القيصر» الروسي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.