سوريا تشهد موجة هجرة جديدة منذ الصيف الماضي

البحث عن طرق بديلة بعد تعليق «أجنحة الشام» إلى بيلاروسيا

متطوعان من منظمة «مسعفون على الحدود» يتفقدان عائلة سورية قرب بلدة بولندية (أ.ف.ب)
متطوعان من منظمة «مسعفون على الحدود» يتفقدان عائلة سورية قرب بلدة بولندية (أ.ف.ب)
TT

سوريا تشهد موجة هجرة جديدة منذ الصيف الماضي

متطوعان من منظمة «مسعفون على الحدود» يتفقدان عائلة سورية قرب بلدة بولندية (أ.ف.ب)
متطوعان من منظمة «مسعفون على الحدود» يتفقدان عائلة سورية قرب بلدة بولندية (أ.ف.ب)

«سأتوجه إلى نيجيريا»، قال عمر الذي حالفه الحظ السيئ منذ قرر الهجرة إلى أوروبا بطريقة آمنة، فبيته الذي عرضه للبيع لم يبع، وليس لديه سوى 15 ألف دولار ثمن سيارته التي باعها لتأمين تكاليف السفر إلى بيلاروسيا، ومن هناك إلى بولندا، حيث يعيش شقيقه، إلا أن بيان شركة الطيران «أجنحة الشام» بتعليق رحلاتها إلى بيلاروسيا، بدءاً من يوم السبت الماضي، حرف مسار خطته للهجرة.
يقول عمر: «سأنتظر فترة قصيرة لظني أن الشركة ستعود عن هذا القرار بشكل أو بآخر. أما إذا طال الزمن، فليس لي سوى السفر إلى نيجيريا، وهناك يخلق الله ما لا تعلمون؛ المهم أن أخرج من سوريا».
يشار إلى أن موجة الهجرة الجديدة التي تشهدها سوريا منذ الصيف الماضي ترافقت مع جمود واضح في سوق العقارات، مع ازدياد العرض بشكل ملحوظ وتراجع الطلب، وسط ارتفاع كبير بالأسعار، لتكون موجة الهجرة الجديدة من جملة الأسباب التي أدت إلى جمود سوق العقارات، إذ يحتاج المهاجر عبر شبكات تهريب البشر إلى مبلغ يتراوح بين 12 و18 ألف دولار، في حين تبلغ تكاليف الحصول على تأشيرة عبر مكاتب السياحة المرخصة بدمشق، وبعد تقديم الأوراق المطلوبة، نحو ألفي دولار دون تكاليف الإقامة، علماً بأن السفارة البيلاروسية أوقفت مؤخراً، وبشكل مؤقت، قبول طلبات التأشيرة، وقد تزيد التكاليف إلى الضعف، في حال تضمنت حجوزات فندقية للإقامة في مينسك، لتتجاوز الخمسة آلاف دولار، حسب لوائح الأسعار والعروض التنافسية بين المكاتب السياحية.
رضوان، من تدمر، تحدث عن وقوع شقيقه ضحية عملية نصب واحتيال، على الرغم من الحذر الكبير الذي تصرف به مع المهرب، فقد اشترط عليه إيداع المبلغ المطلوب لتأمين تأشيرة إلى إحدى الدول الأوروبية عند طرف ثالث يتم الحصول عليه بعد التأكد من سلامة التأشيرة. إلا أنه تبين أن الطرف الثالث، وهو صاحب مكتب صرافة في تركيا، شريك المهرب، وقد اختفى الشخصان بمجرد إيداع المبلغ.
ويشير رضوان إلى أن تكرار عمليات النصب والاحتيال جعلت السفر إلى مينسك في بيلاروسيا هو الأضمن للوصول إلى أوروبا «من هناك إلى دولة أخرى؛ لكن لا شيء مضمون».
وأعلنت شركة «أجنحة الشام» للطيران في العاصمة دمشق عن تعليق رحلاتها الجوية إلى مطار مينسك - روسيا، بدءاً من السبت. وذلك بعد ساعات من إعلان المديرية العامة للطيران المدني في تركيا، والخطوط الجوية في بيلاروسيا (بيلافيا)، حظر سفر مواطني سوريا والعراق واليمن من تركيا إلى بيلاروسيا حتى إشعار آخر.
واللافت في البيان المقتضب، الصادر عن شركة «أجنحة الشام» للطيران المملوكة لرجال أعمال مقربين من النظام، إشارته إلى أن أغلبية المسافرين على رحلات «أجنحة الشام» للطيران إلى مطار مينسك «من الجنسية السورية، ومن الصعب التمييز بين المسافرين المتجهين إلى بيلاروسيا كوجهة نهائية والمسافرين المهاجرين»، ولذا قررت الشركة تعليق رحلاتها إلى مطار منسيك، بعد إشارة البيان إلى «الظروف الحرجة التي تشهدها الحدود البلاروسية - البولندية».
وضجت وسائل الإعلام الدولية، خلال اليومين الماضيين، بقصص اللجوء وعمليات تسلل المهاجرين من بيلاروسيا إلى بولندا، وسط اتهامات لشركات الطيران بالتنسيق لنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود البيلاروسية - البولندية. وذكرت تقارير إعلامية دولية أن الجداول الزمنية لمطار مينسك من 31 أكتوبر (تشرين الأول) تظهر نحو 47 رحلة أسبوعياً من مواقع في الشرق الأوسط، في مقابل 23 رحلة أسبوعياً في السابق، حيث تتضمن الرحلات الإضافية خطاً يومياً جديداً من دمشق على متن طائرات «أجنحة الشام» للطيران التي قامت بأكثر من 54 رحلة من وإلى بيلاروسيا منذ نهاية سبتمبر (أيلول) 2021 حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.
وكان متحدث باسم المفوضية التنفيذية للاتحاد الأوروبي قد كشف قبل أيام أن الاتحاد يراقب الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا من 20 دولة، في محاولة لمنع مزيد من المهاجرين من السفر إلى حدود الاتحاد.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.