هل أساءت أميركا فهم السودان؟

ضغوط في الكونغرس لعقوبات... ومسؤولون سابقون يدعون إلى «مزيد من الحزم والفعل»

البرهان يؤدي القسم رئيساً للمجلس الانتقالي بتشكيله الجديد الخميس (سونا)
البرهان يؤدي القسم رئيساً للمجلس الانتقالي بتشكيله الجديد الخميس (سونا)
TT

هل أساءت أميركا فهم السودان؟

البرهان يؤدي القسم رئيساً للمجلس الانتقالي بتشكيله الجديد الخميس (سونا)
البرهان يؤدي القسم رئيساً للمجلس الانتقالي بتشكيله الجديد الخميس (سونا)

في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حطّت طائرة المبعوث الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان في مطار الدوحة. هناك، سقط خبر «انقلاب» السودان كالصاعقة على رأسه. فقبل ساعات فقط، كان فيلتمان يجلس في غرفة واحدة مع رئيس المجلس الانتقالي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك لإقناعهما بتخطي الخلافات العميقة بينهما.
وبحسب مقابلات أجراها بعد تحرك البرهان، خرج فيلتمان من الاجتماع بنوع من التفاؤل، فرغم تلويح البرهان بأنه سيتخذ إجراءات ضد الحكومة المدنية، إلا أن الأميركيين لم يتوقعوا أن تكون هذه الإجراءات بهذه القوة. «حطّت الطائرة في الدوحة وكنا نعتقد أننا سنتوجه من بعدها إلى الولايات المتحدة، فتحنا هواتفنا ورأينا ما جرى... يا إلهي»، يقول أحد المسؤولين المرافقين لفيلتمان.
فيلتمان قال إنه حذّر البرهان من أن الولايات المتحدة سترد بقوة على أي تحرك من هذا النوع، وبالفعل سرعان ما أعلنت واشنطن تجميد المساعدات الاقتصادية للبلاد وحذّرت من اتخاذ خطوات إضافية في حال عدم تراجع القادة العسكريين عن موقفهم.
وفيما بدا الرد الأميركي متناغماً وموحداً إلى حد كبير لإدانة «الاستيلاء العسكري على السلطة» وإعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية إلى الحكم احتراماً للوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام، إلا أن إصرار البرهان على مواقفه وعدم وجود حلحلة في الأزمة بعد أكثر من أسبوعين على اندلاعها، دفع بالبعض في واشنطن إلى اعتبار الرد الأميركي «غير حازم بما فيه الكفاية»، وأن العقوبات بحق المسؤولين العسكريين هي «وسيلة الضغط الوحيدة لتراجعهم وإعادة الأمور إلى نصابها».
ويحذّر القائم بأعمال السفارة الأميركية السابق في السودان ألبرتو فرنانديز من الثقة بالقادة العسكريين، معتبراً أن تجميد 700 مليون دولار من المساعدات الأميركية للسودان «خطوة غير كافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن تكون الخطوة المقبلة فرض عقوبات فردية موجهة ضد وجوه النظام... واستهداف مصالحهم الاقتصادية وثرواتهم واستثماراتهم».
وهذا ما يوافق عليه الباحث في معهد «اتلانتيك» كبير الموظفين السابق للمبعوث الأميركي الخاص إلى السودان كاميرون هدسون. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن فرض عقوبات أميركية على القادة العسكريين هي الخطوة اللازمة في الوقت الحالي «بدلاً من العقوبات الواسعة النطاق والتي تؤذي الشعب السوداني كما حصل في نظام العقوبات السابق».


متظاهرون في الخرطوم نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

الكونغرس يضغط لفرض عقوبات
وبالفعل، تتزايد الضغوط على الإدارة الأميركية لفرض عقوبات من هذا النوع إذا تكاتف الحزبان الديمقراطي والجمهوري في إجماع نادر لسنّ مشروع قرار يدين انقلاب السودان، ويحث وزير الخارجية الأميركي على «التعريف فوراً» بقادة الانقلاب وشركائهم ومساعديهم «للنظر في فرض عقوبات عليهم» مع دعوة القادة العسكريين إلى العودة فوراً إلى «حكم القانون كما هو وارد في الوثيقة الدستورية الانتقالية». كما يطلب من المجتمع الدولي «فرض عقوبات على الجيش وشركاء الانقلاب وتعليق عضوية السودان في كل المنظمات الدولية». ويدفع المشروع نحو «مراقبة ومنع أي مجهود من قبل أطراف خارجية لدعم الانقلاب والجيش السوداني».
وعلى رغم أن طبيعة المشروع المطروح غير ملزمة للإدارة الأميركية، إلا أن الإجماع عليه من قبل الحزبين يرسل رسالة واضحة للإدارة مفادها أن الكونغرس سيدفع باتجاه تطبيق سياسة العقوبات في حال تخلفت الإدارة عن ذلك. فالكونغرس لعب دوراً جذرياً في رفع السودان عن لائحة الإرهاب وإعادة الحصانة السيادية له، ولهذا يشدد المشرعون على أنهم سيبذلون كل ما بوسعهم «لمنع السودان من الانجرار إلى نقطة اللاعودة». وبدا هذا واضحاً من خلال تصريحاتهم، إذ قال طارحو المشروع من ديمقراطيين وجمهوريين إنهم سيستمرون «بملاحقة كل التدابير المناسبة لدفع العسكريين نحو تغيير مسارهم فوراً، وإعادة النظام والقيادة المدنية احتراماً للإعلان الدستوري».


فيلتمان خلال لقائه مع حمدوك عشية عزله (سونا)

وضع حمدوك
ويعتبر هدسون أن موقف الولايات المتحدة يجب أن يقضي بالإصرار على عودة حمدوك إلى منصبه، «إلا في حال عاد ثم قدم استقالته أو قررت قوى الحرية والتغيير قانونياً تغيير رئيس الوزراء. فأميركا لا تتمسك بالشخص بل بأسلوب الاستبدال».
وهذا ما شدد عليه كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري جيم ريش الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «كان واضحاً» خلال هذه الازمة أن حمدوك «هو القائد الشرعي للحكومة الانتقالية السودانية بقيادة مدنية... السؤال حول ما إذا كان يجب أن يستمر في منصبه هذا يجب أن يكون مبنياً على قراره الشخصي وتوافق جماعي من قبل قوى الحرية والتغيير، وهي السلطة الوحيدة التي لديها الصلاحية لتغيير أو تنحية رئيس الوزراء، بحسب الوثيقة الدستورية».
ويتحدث السفير السابق فرنانديز عن حمدوك فيقول إن حكومته «ليست أفضل حكومة في العالم. لكنها كانت حكومة مقبولة تحاول أن تتطرق إلى الكوارث الناجمة عن 30 عاماً من حكم واحد في السودان. فكرة أن يحكم جنرالات إسلاميون السودان غير جيدة. غير جيدة للسودان، وغير جيدة للمنطقة».
وأشار فرنانديز الذي تواجد في السفارة الأميركية في السودان بين عامي 2007 و2009 إلى أن «جنرالات السودان نشأوا في ظل حكم الإسلاميين لهذا فأول أمر قاموا به هو الإفراج عن جماعتهم».
ويطرح هدسون الأسباب التي تخيف القادة العسكريين برأيه، قائلاً إن «كبار ضباط الجيش السوداني لا يستطيعون تصور مستقبل لهم يشمل تهديداً بمحاسبتهم». لكنه أضاف مع التشديد على أن هذه الفكرة مثيرة للجدل: «ربما يجب أن تبقى الولايات المتحدة منفتحة على احتمال تسهيل خروج آمن للقادة العسكريين مقابل خروجهم من المساحة السياسية والاقتصادية التي يحتلونها».

دبلوماسية من دون سفير
وفيما لا تزال إدارة بايدن تأمل بأن تنجح الوساطات الدولية ومساعيها الدبلوماسية في حل الأزمة، ينتقد فرنانديز تعاطيها مع الملف السوداني حتى قبل تحرك البرهان، فيذكر بأن بايدن لم يعيّن سفيراً أميركياً إلى الخرطوم، ويقول: «لقد كانوا بطيئين. حتى تعيين فيلتمان استغرق وقتاً. السودان كان كارثة على وشك الحصول. وكان على الإدارة أن تتصرف باكراً. إدارة بايدن تتفاخر بأنها أفضل من إدارة ترمب دبلوماسياً، لكنها تباطأت جداً في موضوع السودان، فهي رأت أن الانقلاب كان آتياً، وبايدن لم يرشح سفيراً في الخرطوم… ويمكننا أن نلوم الإدارة على هذا».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.