حالات انتحار وقتل تصدم المصريين خلال أيام

انتحار 3 طلاب ومتهم يمثل بجثة ضحيته

العاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - رويترز)
العاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - رويترز)
TT

حالات انتحار وقتل تصدم المصريين خلال أيام

العاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - رويترز)
العاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - رويترز)

على مدار الأيام القليلة الماضية صُدم المصريون بوقائع انتحار وجرام قتل وصفت بأنها «بشعة»، دفعت المصريين للتساؤل عن السبب وراء حالات الانتحار بين الشباب، وبين انتشار ما يعتبر نوعاً من التباهي بالجريمة على حد قولهم.
ويوم الجمعة الماضي بدأت السلطات المصرية التحقيق في واقعة العثور على جثتي شابين جامعيين بكليتي الطب والهندسة، داخل إحدى فنادق الإسكندرية، تبين أنهما انتحرا تاركين على هاتفيهما رسائل تقول «زهقنا من حياتنا»، و«لم نخلق لهذه الحياة وليس لنا مكاناً في عالم كله كذب وخيانة وخداع».
وفي واقعة أخرى، يوم السبت الماضي ألقت فتاة جامعية بنفسها في مياه الترعة الإبراهيمية من أعلى الخزان بمنطقة شرق أسيوط، تاركة خلفها حقيبة تحتوي على متعلقاتها الشخصية، تأتي هذه الوقائع بالتزامن مع جريمة قتل وقعت الأسبوع الماضي بمحافظة الإسماعيلية، قام خلالها المتهم، بقطع رأس المجني عليه، والتجول بها في شوارع المدينة فيما وصف بأنه «جريمة بشعة».
الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أكدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ظاهرة الانتحار كانت سبباً في نشأة علم الاجتماع، من خلال عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم الذي اهتم بظاهرة الانتحار من القرن التاسع عشر، واكتشف أربع أنواع من الانتحار من بينها الانتحار الإيثاري من أجل الأمة، كمن يفجر نفسه حالياً بحزام ناسف، كما يأخذ الانتحار شكلاً مقدساً أحياناً مثل النوع الذي يسمى كاميكازي في اليابان.
وقالت هدى زكريا إن «الحالات التي نشهدها حالياً هي نوع من الانتحار من أجل أسباب أنانية، وأشياء تخص صاحب الحادثة، وهي نتيجة لانتشار الأنانية والفردية في المجتمع، والنزعة نحو الفردية والأنانية، حيث ينحصر الفرد في نفسه وأحلامه الخاصة، ويصبح التعامل مع المجتمع مشكلة بالنسبة له»، مشيرة إلى أن «جريمة الإسماعيلية تظهر حالة توحش المجتمع».
بدورها قالت الدكتورة إيمان عبد الله، أستاذ علم الاجتماع، لـ«الشرق الأوسط» إن «الانتحار ظاهرة عالمية، وتزيد النسبة بين المراهقين بسبب الضغط واليأس، إضافة إلى أن التنمر قد يكون أحد الأسباب، أو اعتقاد الشخص أن مشكلته ليس لها حل، مما يجعل رؤيته مظلمة لحياته ومستقبله، إلى جانب إحساسه بالعداء للمجتمع أو رغبته في تقليد أشخاص انتحروا»، مشيرة إلى أن «المرض النفسي قد يكون أحد أسباب الانتحار».
وهذه ليست الحوادث الأولى من نوعها ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، ألقى طالب بكلية الطب بنفسه من أعلى مبنى الجامعة بمدينة 6 أكتوبر، وفي نفس الشهر ألقت فتاة جامعية بنفسها من الطابق السادس داخل مول تجاري وسط القاهرة، وخلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قفزت طالبة جامعية من الطابق العاشر بأحد مباني منطقة الهرم.
وقالت هدى زكريا إن «الشباب حالياً يعاني حالة من الضعف، وعدم التفاعل الصحي مع المجتمع، ونزعة عدائية تجاه المجتمع، تجعله يرغب في معاقبته من خلال الانتحار وإلقاء اللوم عليه لأنه سبب المشكلة، وهو ما يدفعهم للإقدام على الانتحار بطرق فيها نوع من الظهور، فهو يريد أن يقول المجتمع إنه انتحر لأنه لم يلقَ دعماَ ومساندة»، وأشارت هدى زكريا إلى أن «معظم الشباب يعيشون حالياً في العالم الافتراضي، وهو ما يجعلهم أكثر عزلة، وأكثر عدائية تجاه المجتمع».
وأوضحت إيمان عبد الله أن «المنتحر لم يعد يتحمل الألم، ويحاول أن يمنح لمن حوله رسالة بأنه سيريحهم منه، وسط شعور بين الأنا والأنا الأعلى»، مشيرة إلى «وضع الشاب تحت ضغط دائماً من الأسرة والمجتمع يجعله عرضة للاكتئاب الذي قد يؤدي للانتحار»، مطالبة الأسرة بالتنبه لأي تغيرات تطرأ على الأبناء.
ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر نهاية عام 2019 فإن هناك حالة انتحار حول العالم كل 40 ثانية، وأكثر من نصف المنتحرين دون سن 45 وفي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وبحسب التقرير تحتل مصر المرتبة الأولى عربياً في حوادث الانتحار، حيث شهدت 3799 حالة انتحار خلال عام 2016. وإن نفت مصر هذه الأرقام معتمدة على إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي تقول إن عام 2017 شهد 69 حالة انتحار فقط.
واهتمت وسائل الإعلام المصرية بنشر أخبار حوادث الانتحار، وتفاصيل جرائم القتل، وهو ما وضعته منظمة الصحة ضمن أسباب انتشار الانتحار من خلال دفع الناس للتقليد.
وهنا تقول هدى زكريا إن «الإعلام يلعب دوراً سلبياً بالتركيز على (الترند)، ويمارس قتلاً بطيئاً للمجتمع، بنقله مظاهر توحشه».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».