المعجم التاريخي للغة العربية يرى النور بأجزائه الخمسة

يؤرخ لمفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً

حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي يلقي كلمة افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب التي أعلن فيها عن إصدار الأجزاء الخمسة من المعجم التاريخي للغة العربية
حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي يلقي كلمة افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب التي أعلن فيها عن إصدار الأجزاء الخمسة من المعجم التاريخي للغة العربية
TT

المعجم التاريخي للغة العربية يرى النور بأجزائه الخمسة

حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي يلقي كلمة افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب التي أعلن فيها عن إصدار الأجزاء الخمسة من المعجم التاريخي للغة العربية
حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي يلقي كلمة افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب التي أعلن فيها عن إصدار الأجزاء الخمسة من المعجم التاريخي للغة العربية

في حفل افتتاح الدورة الأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أعلن حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي عن صدور الأجزاء الخمسة الأولى من المعجم التاريخي للغة العربية الذي يؤرخ للمرة الأولى لمفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر الـ17 قرناً الماضية، وقال في كلمته: «هنيئاً للعرب، وهنيئا للناطقين بالضاد في كل مكان، إنجاز هذا المعجم التاريخي الذي يؤرخ للعربية الضاربة في أعماق التاريخ. بعد جهود مضنية بذلها المخلصون من أبناء اللغة العربية من العلماء والباحثين والأكاديميين من المجامع اللغوية العربية كافة، ها نحن نشهد ميلاد المعجم العملاق الذي سيفتح أبواباً للباحثين وطلاب العلم».
وأكد الدكتور القاسمي أن هذا العمل الضخم ليس جهداً فردياً يُحسب لدولة أو مجمع لغوي دون آخر، وإنما هو نتاج جهود مؤسساتٍ ومجامع ومراكز لغوية في كل أقطار الوطن العربي، اشتركت جميعها في هذا العمل الكبير تحت مظلة اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية بالقاهرة، وكان لمجمع اللغة العربية بالشارقة دور التنسيق الإداري والمالي لهذه الجهود العلمية الحثيثة.
وسبق كلمة الشيخ سلطان القاسمي عرض فيلم قصير مرئي عن تاريخ ومحاولة إنجاز المعجم التاريخي منذ عام 1932 في عهد الملك فاروق الأول، حينما أصدر مرسوماً لتأسيس المجمع العربي للغة العربية في القاهرة، لكن المشروع الكبير تعثر بسبب ضخامة التراث العربي، والتكلفة المادية الباهظة، وحجم المشروع الذي يمتد من الفترة التاريخية التي تسبق العصر الإسلامي، تقريباً من فترة قبائل عاد وثمود ولغات أهل جديس وطسم وحمير، مروراً بالتراث والأشعار الجاهلية، وتوالي العصور الإسلامية، وصولاً إلى العصر الحديث، وغيرها من العوائق المعاصرة، ومنها الحرب العالمية الثانية، وحرب 1948، وشح الموارد، وعدم الجدية في المضي قدماً بمشروع عملاق كهذا.
ولقد أنجزت عدد من اللغات العالمية معاجمها التاريخية، مثل الفرنسية والإنجليزية والسويدية والألمانية وغيرها، وظل المشروع العربي يترنح بين نقص التخطيط ومزالق وضخامة المشروع وفداحة التكاليف المادية، حيث تعددت المحاولات منذ عهد المستشرق الألماني فيشر، ومنذ تأسيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وأطلق حاكم إمارة الشارقة الدكتور القاسمي الموقع الرسمي على الشبكة العنكبوتية العالمية لهذا المعجم اللغوي التاريخي الذي سيكون في متناول الجميع: (www.almojam.org). ويستطيع كل باحث في موقعه أن يطلع على ما أنجز في هذا المعجم، ويبحث عن الكلمات والنصوص التي يريد، ويتصفح المجلدات المنجزة، ويبحث عن الجذور والمداخل، بالإضافة إلى إمكانية تصفُّح المدونة، وما تحويه من كتب وعناوين اعتُمد عليها لإعداد الأجزاء الأولى من المعجم، وأسماء المحررين والخبراء ورؤساء المجامع اللغوية العربية. كما خُصص تطبيق إلكتروني للمعجم التاريخي، بحيث يكون في مُتناول أصحاب الهواتف الذكية واللوحات الرقمية.
وتغطي مجلدات المعجم الأولى الأحرف الخمسة الأولى (الهمزة، والباء، والتاء، والثاء، والجيم)، حيث تقدم تاريخ المفردات في السياق الذي وردت فيه في عصر ما قبل الإسلام على ألسنة الشعراء الجاهليين، مروراً بالعصر الإسلامي، وتتبع اللفظ في النص القرآني والحديث النبوي الشريف، مروراً بالشعر الأموي فالعباسي، حتى تصل إلى العصر الحديث، وترصد حركة الألفاظ.
وشارك في إنجاز المعجم الذي يشرف عليه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية بالشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه إلى قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الأربعة الماضية، لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية خاصة باللغة العربية، منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.
ويشكل المعجم، إلى جانب أنه يبحث ويوثق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكونة من أمهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكن الباحثين والقراء، بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، من الوصول إلى آلاف الكتب والمصادر والوثائق التي يُعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي.
ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة، وهي تاريخ الألفاظ العربية، حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقة منها وتقلباتها الصوتية، ويقوم بتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة، ورصد المستعمل الأول لها منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، مركزا على الاستعمال الحي للغة؛ أي أنه يختلف عن سائر المعاجم السابقة بأنه يستشهد بالنصوص الحية، قرآناً وحديثاً وشعراً وخطباً ورسائل وغيرها. ويكشف المعجم تطور المصطلحات عبر العصور، ويرصد تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال، مع ذكر الأسباب المؤثرة في ذلك. إلى جانب ذلك، يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون، إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية، قديماً وحديثاً، من نحو وصرف وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقف عند المصطلحات التي ولدت ونشأت من تلك العلوم. كما يقدم موازنات بين الألفاظ في اللغة العربية وما انحدر منها في اللغة العبرية والأكدية والسريانية والحبشية وغيرها. وفي هذا المجال، تم تكليف لجنة متخصصة برصد أوجه الشبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدل على ذلك، مع توثيق للمصادر والكتب التي أُخذت منها.
يشار إلى أن المنصة الرقمية التي تم إعدادها لإنجاز المعجم تتميز بسهولة البحث، وسرعة الحصول على المعلومة واسترجاع النصوص وإظهار النتائج في سياقاتها التاريخية، إضافة إلى أنها تشتمل على قارئ آلي للنصوص المصورة.



العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.