الانتخابات الليبية... موعد محفوف بالمخاطر والانقسامات

وسط تبادل الأفرقاء اتهامات بالفساد والتخوين وتزايد خطاب الكراهية

المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا خلال استقبالها عدداً من سفراء الدول الداعمة للاستحقاق (المفوضية)
المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا خلال استقبالها عدداً من سفراء الدول الداعمة للاستحقاق (المفوضية)
TT

الانتخابات الليبية... موعد محفوف بالمخاطر والانقسامات

المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا خلال استقبالها عدداً من سفراء الدول الداعمة للاستحقاق (المفوضية)
المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا خلال استقبالها عدداً من سفراء الدول الداعمة للاستحقاق (المفوضية)

قُبيل 51 يوماً على إجراء الانتخابات الليبية المُرتقبة، يبدو الوضع شبيها بما كان عليه قبل انتخابات السلطة التنفيذية في فبراير (شباط) الماضي، حيث يتواصل تبادل اتهامات بـ«الفساد والتخوين والتشكيك في الذمم»، فضلاً عن تزايد خطاب الكراهية. لكن رغم ذلك تسعى أطراف محلية ودولية إلى استغلال ما تبقى من وقت لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء السياسيين، حول نقاط الاختلاف المتعلقة بالقوانين، التي سيجرى على أساسها الاستحقاق في 24 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ويرى سياسيون ليبيون، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن البلاد «مقبلة على مرحلة ساخنة ومحفوفة بالمخاطر على كل المستويات، سواء أجريت الانتخابات في موعدها أم لم تجر»، وقالوا إن هناك فصيلا «جاهزا من الآن لرفض نتائج الانتخابات إذا لم تكن في صالحه، ويتوعد بفعل أي إجراء في سبيل ذلك، وهو ما يهدد بعودة التوتر، وفتح الباب أمام الانقسام السياسي والاحتراب الأهلي».
وسبق لنجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية، التحذير من وجود «خطر حقيقي من اندلاع حرب أهلية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة». لكن أطرافاً مناوئة اعتبرت هذا التصريح جاء عكس رغبة حكومية في تأجيل الاستحقاق وتعطيله.
وكان 18 نائباً قد اتهموا المنقوش قبيل انطلاق «مؤتمر استقرار ليبيا» بمحاولة الالتفاف على الاتفاقيات القائمة، وتأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية عن موعدها.
فيما تقول المفوضية العليا للانتخابات، التي يترأسها عماد السائح، إنها لا تزال تنتظر بت مجلس النواب في التعديلات، التي طالبته بإجرائها على قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية، استعداداً لفتح باب الترشح بمجرد اكتمالها، والذي سيكون غالباً في النصف الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
وسبق أن أصدر مجلس النواب القانونين، لكن مفوضية الانتخابات اضطرت إلى إعادتهما إليه مجدداً، قصد إجراء بعض التعديلات الفنية عليهما، وذلك بعد تصاعد الخلافات السياسية بين «النواب» و«الأعلى للدولة» حول نقاط خلافية عديدة بهذين القانونين. وأدخلت المفوضية تعديلات على المادة (12) من قانون انتخاب الرئيس، الذي أقره مجلس النواب، حيث ألغت شرط «ضرورة أن يكون المترشح متوقفاً عن العمل قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر»، وأرسلت خطاباً لـ«النواب» بهذا الشأن، وهو ما فسره بعض الرافضين بأن المفوضية تعمل على إتاحة الفرصة لترشح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، الذي قالت مصادر ليبية أمس، وفقاً لموقع «بوابة الوسط»، إنه أوكل مهام منصبه لنائبه رمضان أبو جناح «استعداداً للترشح على مقعد رئيس البلاد».
وأمام اقتراب موعد إجراء الاستحقاق، دعت البعثة الأممية لدى ليبيا مجلس النواب إلى اعتماد التعديلات القانونية اللازمة، بما في ذلك تلك التي طرحتها المفوضية، حتى يتسنى إجراء الانتخابات في موعدها. لكن هذه الدعوة قوبلت بسيل من الاتهامات بانحياز البعثة إلى أطراف تريد تأجيل وتعطيل المسار الانتخابي.
ونشرت المفوضية العليا أمس شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، متضمنة ضرورة «عدم تمتعه بجنسية دولة أخرى عند ترشحه، وكذلك الأمر بالنسبة لوالديه وزوجته؛ على ألا يقل سن المترشح عن 40 عاماً، علماً بأن البرلمان حدد سن المترشح بأن يقل عن 35 عاماً. لكن سرعان ما حذفتها من على موقعها الرسمي على شبكة «الإنترنت»، معللة ذلك بـ«حدوث خطأ»، وموضحة أنها «ستعيد نشر الشروط لاحقاً».
وحرصت المفوضية في الوقت ذاته على إبراز جهودها في سبيل إجراء الانتخابات، وقالت إن القائمين على إرسال شحنات بطاقة الناخب إلى المراكز الانتخابية بأنحاء البلاد، «يعملون على مدار الساعة لإيصالها قصد إتاحة الفرصة لجميع الناخبين لتسلم بطاقاتهم الانتخابية في المواعيد المحددة، رغم اتساع الرقعة الجغرافية للوطن الليبي».
واستعرضت «المفوضية» وسفراء الاتحاد الأوروبي، ورئيسة المكتب السياسي للسفارة البريطانية دور المجتمع الدولي، وترتيبات إجراء العملية الانتخابية. وانضم لهذا الاجتماع عن طريق شبكة «الإنترنت» مساء أول من أمس، سفراء الولايات المتحدة ريتشارد نورلاند، وسفير ألمانيا ميخائيل أونماخت، والقائم بالأعمال بسفارة اليابان لدى ليبيا.
كانت المفوضية قد نشرت الأسبوع الماضي قوائم الناخبين في مراكز الاقتراع، وفتحت باب الطعون فيها لمدة 48 ساعة، تمهيداً لإعداد البطاقات الانتخابية، وتسليمها لأصحابها، بالتزامن مع فتح باب الترشح. كما أعلنت عن قبول طلبات اعتماد المنظمات الدولية الراغبة في مراقبة الانتخابات.
ووقع السائح اتفاقية مع الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مارك أندريه فرانش، بمقر المفوضية أمس، تقضي بتخصيص قرابة 900 ألف دولار لمشروع «تعزيز الانتخابات من أجل شعب ليبيا»، على أن تزيد هذه المساهمة بإتاحة توريد المواد الانتخابية، استعداداً للانتخابات المرتقبة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.