دعوات ليبية إلى محاكمة عاجلة للمتورطين في جرائم «المقابر الجماعية» بترهونة

جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
TT

دعوات ليبية إلى محاكمة عاجلة للمتورطين في جرائم «المقابر الجماعية» بترهونة

جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)

طالب سياسيون ليبيون بسرعة البحث عن المتورطين في «المقابر الجماعية» بمدينة ترهونة غربي البلاد وإخضاعهم للمحاكمة، جاء ذلك بالتزامن مع اقترح نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، إنشاء محكمة خاصة تتولى هذه القضية.
ورأى عضو مجلس النواب محمد عامر العباني، أن قضية «المقابر الجماعية» التي عُثر عليها في مدينة ترهونة (95 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس) هي «إحدى جرائم العصر التي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها لما تمثله من انتهاك لجميع الحقوق والقيم الإنسانية»، إلا أنه شكك في الطرح المقدم من الكوني.
وقال العباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «البعض يحاول انتهاز الفرص وتسييس القضية واستغلالها لتحقيق مكاسب انتخابية بدلاً من تفعيل القانون وملاحقة الجناة ومعاقبتهم وبالتالي التخفيف من معاناة أهالي الضحايا»، متابعاً: «هناك من يهدف للتشويش على المشهدين الانتخابي والسياسي بكل خلافاته، وتحميل المسؤولية عن هذه الجرائم للجيش الوطني الليبي ممثلاً في شخص قائده المشير خليفة حفتر، وهو منها براء».
وذهب العباني إلى أن عملية العثور على «مقابر جماعية» في ترهونة ربما بدأت منذ عام 2012 وتوالت في عهد الحكومات السابقة ونشطت في عهد حكومة «الوفاق» السابقة برئاسة فائز السراج.
كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت ميليشيا «الكانيات» وزعيمها محمد الكاني، على «القائمة السوداء» الأممية، بتهمة ارتكاب جرائم تعذيب وقتل، وحمّلتها مسؤولية الكثير من «المقابر الجماعية» التي عُثر عليها في ترهونة.
ومضي العباني يقول: «هم يسعون لتقليل حظوظ المشير حفتر كمرشح محتمل للرئاسة، وتعزيز حظوظ مرشحين آخرين، فترهونة تعد خزاناً بشرياً لا يمكن التقليل من ثقله»، داعياً «لفتح المزيد من التحقيقات القضائية في الكثير من الجرائم والمظالم التي وقعت خلال الأعوام العشرة الماضية ولم تحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية، والقضاء الليبي كفيل بمعاقبة الجناة المعروف هويتهم للجميع».
وكان الكوني قد وصف «المقابر الجماعية» التي يتم العثور عليها في ترهونة حتى الآن بـ«الإبادة الجماعية»، وقال إن المدينة «باتت أشبه بالقبر الجماعي للعديد من المدنيين الأبرياء بما في ذلك شيوخ ونساء وأطفال، بل إن عائلات بأكملها تمت إبادتها». ودافع عضو مجلس النواب عن مدينة ترهونة أبو بكر أحمد سعيد، عن مقترح الكوني إنشاء محكمة خاصة بقضية المقابر، وقال إن الأمر يعكس «استشعار المسؤولية وفداحة الجرائم».
ورأى أن «تشكيل المحكمة هو مقترح مقدم فعلياً وتجري دراسته رغم تحفظ البعض عليه بحجة أنه قد يخالف ما جاء في الإعلان الدستوري المؤقت للبلاد الذي يحظر تشكيل محاكم خاصة».
وقال سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الرئاسي بادر ودعا كبار المسؤولين المعنيين من السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية بالتنسيق مع المسؤولين بالمدينة وأهاليها، وتم الاتفاق على تسريع عملية البحث عن الجثث بمساعدة الخبرات الدولية، بجانب تحليل البصمة الوراثية وتحديد هوية المفقودين مما سيصبّ في نهاية الأمر في تسريع كشف الحقائق والقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.
ونوه إلى أن الجميع يتفقون على أنه «لا سلطان لأحد فوق القضاء والكل خاضع للمساءلة، ومن تثبت عليه تهمة ضلوعه في هذه المجازر بشكل مباشر أو غير مباشر سيكون ملاحَقاً من القضاء عاجلاً أو آجلاً، فهي جرائم لا تسقط بالتقادم».
وأشار سعيد إلى أن الجثث التي تم انتشالها من المقابر منذ بداية الكشف عنها في يونيو (حزيران) العام الماضي وحتى الآن وصل عددها إلى 232 جثة من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، لافتاً إلى أنه لم يتم تحديد هوية سوى 65 جثة فقط.
وتحدث عن أن التحقيقات في القضية جارية، وهناك لائحة بأسماء المتهمين وأوامر قبض صدرت من مكتب النائب العام المختص بمباشرة القضية، بل تم إرسال مذكرات من الإنتربول لجلب الموجودين من هؤلاء المتهمين بدول عدة ومنها دول الجوار لتقديمهم للعدالة».
وأُعلن في يوليو (تموز) الماضي، عن مقتل محمد الكاني، في منطقة بوعطني بمدينة بنغازي، جراء مقاومته أمراً باعتقاله، استناداً إلى مذكرتين من القضاء المدني والعسكري على خلفية اتهامات بتورطه وأعوانه في قضية «المقابر الجماعية» بترهونة.
في السياق، رأى الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عبد المنعم الحر، أن تنفيذ الاقتراح المقدم من المجلس الرئاسي سيعني «حسم معضلة تنازع الاختصاص ما بين القضاء الليبي صاحب الاختصاص الأصيل والذي باشر بالفعل جمع الأدلة والاستماع لشهود العيان في القضية، وبين القضاء الدولي وتحديداً المحكمة الجنائية الدولية».
ووصف الحر القضية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنها «معقدة»، وقال إن المقابر التي تم الكشف عنها بترهونة تعود لفترات مختلفة، حيث تُظهر المؤشرات الأولية للمعاينة والفحوص والشهادات أن بعض الجثامين التي تم التعرف عليها تعود إلى الفترة اللاحقة لقيام قوات «الجيش الوطني» بالتقدم نحو العاصمة طرابلس في أبريل (نيسان) 2019.
واستكمل: «كما أن هناك مؤشرات تدل على وجود جثث ربما تعود إلى الفترة ما بين عامي 2016 و2018»، لافتاً إلى أن بعض الضحايا ليسوا من داخل المدينة وإنما من خارجها.
ودعا الحر «الجميع وبخاصة المسؤولين في الدولة إلى احترام جلال وحرمة الموت، والامتناع عن توظيف هذه المأساة في سياق الصراعات السياسية أو القبلية، وتوجيه الاهتمام لاستكمال إجراء التحقيقات في كل الجرائم أمام القضاء الطبيعي، وضمان مساءلة مرتكبيها لمنع إفلاتهم من العقاب».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».