واشنطن تلوّح بـ«خيارات عدة» لإعادة الحكم المدني في السودان

بلينكن يتصل بحمدوك... والبنك الدولي يوقف دفعاته والاتحاد الأفريقي يعلّق العضوية

جانب من احتجاجات مدينة عطبرة في السودان أمس (رويترز)
جانب من احتجاجات مدينة عطبرة في السودان أمس (رويترز)
TT

واشنطن تلوّح بـ«خيارات عدة» لإعادة الحكم المدني في السودان

جانب من احتجاجات مدينة عطبرة في السودان أمس (رويترز)
جانب من احتجاجات مدينة عطبرة في السودان أمس (رويترز)

لم توفر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أي جهد للتعبير عن غضبها من إطاحة الحكومة المدنية في السودان، برئاسة عبد الله حمدوك، إذ اتخذ المسؤولون الأميركيون على كل المستويات، خطوات استثنائية دبلوماسية ومالياً واقتصادياً للضغط على القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، من أجل إعادة الحكم إلى المدنيين والتزام التعهدات الواردة في الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام.
وذهبت إلى التلويح بـ«خيارات متعددة»، من أجل دعم الشعب السوداني ومسيرته نحو الديمقراطية. وتجلى هذا الجهد الأميركي أولاً في تعبير المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، الذي كان في الخرطوم حتى عشية الانقلاب العسكري، عن غضبه الشديد من استيلاء العسكريين على السلطة. وكان قد حصل على وعود من البرهان بالاستمرار في نقل السلطة للمدنيين، خلال محادثات أجراها في الخرطوم في اجتماع مشترك مع حمدوك والبرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم «حميدتي»، في سياق وساطة أميركية للتغلب على الصعاب التي تواجه عملية الانتقال السياسي، وعلى الخلافات المتزايدة بين القيادات المدنية والعسكرية في البلاد.
غير أن غضب واشنطن لم يقتصر فقط على فيلتمان، الذي لم يستشفِ ما يشير إلى تغيير كبير تعده قيادة الجيش لإطاحة حمدوك؛ فقام وزير الخارجية أنطوني بلينكن باتصالات واسعة النطاق دولياً وعربياً من أجل اتخاذ موقف موحد يعارض استيلاء العسكريين على الحكم في الخرطوم، ويطالب بإطلاق جميع المعتقلين، وأولهم حمدوك وبإعادة العملية الانتقالية إلى الخط المرسوم لها بين القيادات السودانية، ولكن بدعم دولي.

- البنك الدولي
من جهته، علق البنك الدولي دفعات الأموال المقدمة للسودان في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية في البلاد. وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس: «أشعر بقلق بالغ إزاء الأحداث الأخيرة في السودان، وأخشى من التأثير الكبير الذي يمكن أن يحدثه ذلك على التنمية والانتعاش الاجتماعي والاقتصادي للبلاد».
وكان إعلان إدارة بايدن تعليق المساعدات الأميركية البالغة قيمتها 700 مليون دولار، مجرد إشارة لبقية الدول والمؤسسات المالية الدولية من أجل المشاركة في الضغوط على المؤسسة العسكرية السودانية وعلى البرهان نفسه. وأدى ذلك إلى إعلان العديد من الدول والمؤسسات الأوروبية استعدادها لاتخاذ خطوات مماثلة للخطوة الأميركية، قبل أن يصل الأمر إلى تسريبات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تفيد بأن هناك «اتجاهاً لتعليق المعونات المالية والاقتصادية للسودان إذ لم يتم الاتزام بالعملية الانتقالية للمدنيين».
وظلت الإدارة الأميركية الحالية تتابع باهتمام الجهود التي بدأت خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، مما أدى إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، عقب الاتفاق على تعويض عائلات ضحايا استهداف المدمرة «يو إس إس كول» وتفجيري السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا.
غير أن الجهد الآخر توجه نحو الاتصالات على المستوى الدولي والعربي للمشاركة في الضغوط الأميركية التي أدت إلى إعادة حمدوك إلى منزله. وبادر بلينكن على الأثر إلى إجراء مكالمة هاتفية معه للترحيب بإطلاقه، مؤكداً في بيان أن واشنطن «قلقة» على المحتجزين وتسعى إلى «التأكد من سلامتهم، وإطلاقهم جميعاً». وعبر عن «قلقه العميق من استمرار استيلاء الجيش على السلطة»، مكرراً مطالبته القوات العسكرية بـ«ضبط النفس وتجنب العنف في الرد على المتظاهرين». وشدد على «دعم الولايات المتحدة للانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية في السودان، وللعودة إلى مبادئ إطار العمل الانتقالي، على النحو المنصوص عليه في الإعلان الدستوري لعام 2019. واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020»، مشيراً إلى «تزايد الأصوات الدولية المنددة بـ(استيلاء) العسكريين على الحكم».
وعكس بلينكن هذا التوجه الأميركي في اتصال أجراه مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد العزيز. وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان بأن الاتصال ركز على هذا الوضع و«تأثيره على استقرار السودان والمنطقة»، مجدداً دعم تطلعات الشعب السوداني إلى الديمقراطية، ومشدداً على الحاجة إلى العودة الفورية للحكومة الانتقالية، التي يقودها المدنيون في السودان. وأضاف: «ندد الطرفان بالاستيلاء العسكري على الحكم، وناقشا أهمية التزام جميع الأطراف بالإطار المنصوص عليه في الإعلان الدستوري، واتفاقية جوبا للسلام، وأن الفشل في ذلك يعرض الدعم الدولي للسودان للخطر».

- «ترويكا» والاتحاد الأفريقي
وشمل التحرك الأميركي بياناً مشتركاً أصدرته دول «الترويكا» المعنية بملف السودان، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، يندد بما حصل، ويطالب بإطلاق المعتقلين فوراً وبعودة الحكم المدني، غير أن التحرك الأميركي الأبرز جاء عبر مجلس الأمن الذي عقد جلسة مشاورات طارئة، أول من أمس (الثلاثاء)، بطلب من ست دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وآيرلندا والنرويج وإستونيا، بدعم من الدول الأفريقية الثلاث في المجلس، وهي كينيا والنيجر وتونس، واستمع خلالها إلى إحاطة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة فولكر بيرثيس. ولم يتمكن أعضاء المجلس من التوافق فوراً على مشروع بيان يندد باستيلاء العسكريين على السلطة، ويطالب بإطلاق حمدوك، وغيره من المعتقلين لدى الجيش، وصولاً إلى إعادة الحكم إلى الحكومة الانتقالية، تمهيداً لإجراء انتخابات تتشكل على أثرها حكومة متوافق عليها وذات سلطة شرعية.
وعزا دبلوماسيون هذا الفشل إلى اعتراضات من روسيا التي «ترفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للسودان»، وترفض أيضاً تسمية ما حدث في السودان بانقلاب عسكري. ولكنهم أشاروا إلى غياب غالبية المندوبين الدائمين الذين كانوا في رحلة لمجلس الأمن إلى أفريقيا، وبينهم المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد والفرنسي نيكولا دو ريفيير وغيرهما.
وعاد هؤلاء جميعاً إلى نيويورك، أمس (الأربعاء)، وكان مقرراً أن يعودوا مناقشة الوضع السوداني على أرفع المستويات في جلسة مغلقة من خارج جدول أعمالهم اليومي.
من جانبه، أعلن الاتحاد الأفريقي، أمس (الأربعاء) أنه علق عضوية السودان في الاتحاد المؤلف من 55 دولة بعد الإجراءات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح برهان، وشملت حل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطوارئ.
وجاء في بيان مجلس السلام والأمن بالاتحاد الأفريقي أن قرار التعليق «(تم تفعيله فوراً)، ويحظر السودان من جميع أنشطة الاتحاد، لحين الاستعادة الفعلية للسلطة الانتقالية بقيادة المدنيين».
وطالب المجلس من رئيس الاتحاد الأفريقي أن «يرسل فوراً إلى السودان مبعوثه للحوار مع الأطراف السودانية بشأن الخطوات الضرورية اللازمة، للتعجيل باستعادة النظام الدستوري في السودان».

- الجهات الدولية
واعتبر الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن الإجراءات «المناهضة للديمقراطية» التي اتخذها الجيش السوداني «تقوضت الإعلان الدستوري لعام 2019»، كما تقوّض «التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني»، مؤكداً توافق بلاده مع الدول والمنظمات من كل أنحاء العالم في التعبير عن القلق، معدداً تلك الجهات مثل الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، و«منظمة التعاون الإسلامي»، ودول أخرى مثل فرنسا، وألمانيا، وكندا، والمملكة المتحدة، والدول المجاورة للسودان أيضاً.
وقال خلال مؤتمره الصحافي إن مصر وإثيوبيا وجنوب السودان دعت أيضاً إلى وقف التصعيد والحوار في السودان، والإفراج «الفوري» عن جميع السياسيين المحتجزين.
وفي رد على سؤال من «الشرق الأوسط»، أوضح برايس أن المساعدات التي علقت «مؤقتاً» تبلغ 700 مليون دولار ومرتبطة بدعم الصناديق الاقتصادية الطارئة، فيما المساعدات الإنسانية الأخرى لم تتوقف. وقال: «قدمت الولايات المتحدة 60 مليون دولار خلال السنة المالية التي انتهت في نهاية الشهر الماضي، وذلك في صورة مساعدات ثنائية للصحة والتنمية، وركزت على دعم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأمن والمشاركة المدنية وتخفيف حدة النزاعات والمساعدة الصحية العالمية».
واستطرد قائلاً: «بالإضافة إلى ذلك، قدّمنا 438 مليون دولار مساعدات إنسانية منقذة للسودان في السنة المالية الماضية، وجميع المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لا تخضع للتوقف الحالي للمساعدة. وكل هذه المساعدات تتماشى مع القيود المطبّقة، بما في ذلك تلك القيود التي كانت مفروضة على السودان، منذ الانقلاب العسكري في عام 1989، عندما صعد نظام البشير السابق إلى السلطة». واتهم الجيش السوداني بأنه «خطف التحول الديمقراطي»، مضيفاً أن الاستيلاء على السلطة «غير مقبول».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر أميركي أن واشنطن لا تزال تدرس خياراتها فيما يخص الوضع بالسودان، مؤكداً أن «خيار العقوبات ربما يكون مطروحاً على الطاولة خلال الأيام المقبلة، إذا لم تُحَل الأزمة». وأوضح أن العقوبات المقصودة ربما تطال أشخاصاً لهم ارتباط وثيق بـ«السيطرة» في المؤسسة العسكرية السودانية أو خارجها.



«الوزراء اليمني» يناقش إنقاذ الاقتصاد في اجتماع استثنائي

جانب من اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء اليمني في عدن الخميس (سبأ)
جانب من اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء اليمني في عدن الخميس (سبأ)
TT

«الوزراء اليمني» يناقش إنقاذ الاقتصاد في اجتماع استثنائي

جانب من اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء اليمني في عدن الخميس (سبأ)
جانب من اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء اليمني في عدن الخميس (سبأ)

عقدت الحكومة اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن، الخميس، اجتماعاً استثنائياً برئاسة رئيس مجلس الوزراء أحمد عوض بن مبارك؛ لمناقشة خطة إنقاذ اقتصادي تتوافق مع أولوية الحكومة وبرنامجها في الإصلاحات، وإنهاء الانقلاب الحوثي، واستكمال استعادة الدولة.

وجاء الاجتماع في وقت يعاني فيه الاقتصاد اليمني ظروفاً خانقة بسبب تراجع الموارد، وتوقف تصدير النفط جراء الهجمات الحوثية على موانئ التصدير وتعثر مسار السلام، إثر تصعيد الانقلابيين بحرياً وإقليمياً.

حزم من الأوراق النقدية اليمنية الجديدة والقديمة في أحد البنوك في عدن (غيتي)

وذكرت المصادر الرسمية أن مجلس الوزراء ناقش في الاجتماع المستجدات الاقتصادية والمالية والنقدية والخدمية والمعيشية، وفي المقدمة تقلبات أسعار الصرف، والتحديات المتصلة بالكهرباء، وتقييم مستوى الخطط الحكومية للتعاطي معها.

واستعرضت الحكومة اليمنية في اجتماعها مشروع خطة الإنقاذ الاقتصادي لإثرائها بالنقاشات والملاحظات؛ لتطويرها ومواءمتها مع البرامج والسياسات الحكومية الجاري تنفيذها في مجال الإصلاحات، تمهيداً لإقرارها ورفعها إلى مجلس القيادة الرئاسي.

ونقلت وكالة «سبأ» الرسمية أن مجلس الوزراء أجرى نقاشاً مستفيضاً لتقييم الخطة، والتي تتوافق في عدد من جوانبها مع المسارات الرئيسية لأولويات الحكومة والمتمثلة في استكمال استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب، وتحقيق السلام، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة، إضافة إلى الإصلاح المالي والإداري، وتنمية الموارد الاقتصادية، والتوظيف الأمثل للمساعدات والمنح الخارجية وتوجيهها وفقاً للاحتياجات والأولويات الحكومية.

وبحسب الوكالة، أقرت الحكومة تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير المالية، وعضوية وزراء التخطيط والتعاون الدولي، والصناعة والتجارة، والكهرباء والطاقة، والنقل، والخدمة المدنية والتأمينات، والنفط والمعادن، والبنك المركزي اليمني، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومكتب رئيس الوزراء، لدراسة الخطة واستيعاب الملاحظات المقدمة عليها، وإعادة عرضها على المجلس خلال أسبوعين من تاريخه للمناقشة واتخاذ ما يلزم.

مواءمة الخطة

وأفاد الإعلام الرسمي بأن مجلس الوزراء كلف اللجنة الوزارية بمواءمة خطة الإنقاذ مع برنامج الحكومة ومصفوفة الإصلاحات وخطة التعافي الاقتصادي والخطط القطاعية للوزارات، وغيرها من السياسات التي تعمل عليها الحكومة، وتحديد الأولويات، وما تم إنجازه، ومتطلبات تنفيذ الخطة، والخروج بوثيقة اقتصادية موحدة يتم الاستناد إليها في عمل الدولة والحكومة، بحسب الأولويات العاجلة.

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وشدد مجلس الوزراء اليمني على تحديد التحديات بما يتناسب مع الواقع والمتغيرات، وسبل معالجتها بطريقة مناسبة والمسؤولية التشاركية والواجبات بين الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.

وركزت نقاشات الحكومة على أهمية مراعاة الخطة لمسببات الوضع الاقتصادي الكارثي الذي فاقمته هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، وتحديد جوانب الدعم المطلوبة من شركاء اليمن في التنمية من الدول والمنظمات المانحة.

وأكد اجتماع الحكومة اليمنية تحديد السياسات التي تم تنفيذها والجاري العمل عليها، والتي تضمنتها الخطة، والتحديات والمعوقات التي حالت دون تنفيذ بعضها، ومقترحات المعالجة.

نقص الوقود

اطلع مجلس الوزراء اليمني في اجتماعه على تقارير من الوزراء المعنيين، حول الإشكالات القائمة في تزويد محطات الكهرباء بالوقود في العاصمة المؤقتة عدن، والجهود المبذولة لتجاوزها، والإجراءات العاجلة لوضع الحلول لتحقيق الاستقرار النسبي في خدمة الكهرباء، واستمرار إمدادات المياه للمواطنين.

وطبقاً للإعلام الرسمي، تم التأكيد بهذا الخصوص على توفير كميات إسعافية من الوقود لمحطات الكهرباء، وعلى العمل لتأمين كميات أخرى إضافية لضمان استقرار الخدمة.

الحكومة اليمنية تعاني تدهوراً حاداً في الاقتصاد بسبب نقص الموارد وتوقف تصدير النفط (سبأ)

كما وجه الاجتماع الحكومي وزيري المياه والكهرباء بالتنسيق لتأمين احتياجات تشغيل آبار المياه، من الكهرباء والوقود اللازم لاستمرار الضخ، وتفادي توقف إمدادات المياه للسكان في عدن.

وإلى ذلك، استمع مجلس الوزراء اليمني إلى إحاطات حول نتائج حملات ضبط محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في عدن والمحافظات المحررة، وضبط أسعار السلع والمتلاعبين بالأسعار، وشدد على مواصلة الحملات والتنسيق بين الجهات الأمنية والسلطات العدلية المختصة في هذا الجانب، طبقاً لما أورده الإعلام الرسمي.