«جبهة النصرة» تختطف كاهنًا مسيحيًّا في إدلب.. والنظام يحشد لاستعادة المدينة

الجولاني يُعلن تطبيق الشريعة في المدينة

مقاتل من جبهة النصرة على حاجز في مدينة إدلب التي استولت عليها الجبهة مع فصائل أخرى قبل أيام (رويترز)
مقاتل من جبهة النصرة على حاجز في مدينة إدلب التي استولت عليها الجبهة مع فصائل أخرى قبل أيام (رويترز)
TT

«جبهة النصرة» تختطف كاهنًا مسيحيًّا في إدلب.. والنظام يحشد لاستعادة المدينة

مقاتل من جبهة النصرة على حاجز في مدينة إدلب التي استولت عليها الجبهة مع فصائل أخرى قبل أيام (رويترز)
مقاتل من جبهة النصرة على حاجز في مدينة إدلب التي استولت عليها الجبهة مع فصائل أخرى قبل أيام (رويترز)

قالت مصادر كنسية سورية في شمال البلاد لـ«الشرق الأوسط» إن «جبهة النصرة» اختطفت قبل يومين الأب الأرثوذكسي إبراهيم فرح، وهو الكاهن المسيحي الوحيد الذي كان لا يزال موجودا في مدينة إدلب بعد سيطرة قوات المعارضة عليها، لافتة إلى أن المقاتلين أطلقوا عبر مساجد إدلب دعوات للمسيحيين للمغادرة أو دفع جزية.
وأشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مقاتلي النصرة ما زالوا يختطفون الأب فرح الذي لم يعرف مصيره حتى الساعة»، موضحا أن «المقاتلين وبعد سيطرتهم على مدينة إدلب رفعوا الآذان في كنيستين».
ولفتت المصادر الكنسية الموجودة في شمال سوريا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى معلومات عن قتل عناصر «النصرة» أبا وابنه من آل الخال يمتلكان متجرا لبيع المشروبات الروحية، وهو ما نفاه عبد الرحمن، موضحا أنه تم فقط اختطاف الأب صاحب المتجر.
وأضافت المصادر أن عددا كبيرا من مسيحيي إدلب غادروا المدينة باتجاه محردة وأريحا وبانياس، بينما يصر عدد آخر على البقاء في أرضه رغم التحديات الجديدة.
وتزامنت هذه المعلومات مع إعلان أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» أنهم سيعمدون إلى تطبيق أحكام الشريعة في مدينة إدلب، لافتا إلى أنهم لا يريدون الاستئثار بالسلطة.
وأوضح الجولاني أن مقاتليه الذين سيطروا على إدلب مع جماعات معارضة أخرى، سيعاملون سكان المدينة «معاملة طيبة». وأضاف في رسالة صوتية نشرت على الإنترنت: «نبارك للأمة الإسلامية النصر الذي تحقق على أيدي أبنائها من المجاهدين في مدينة إدلب.. ونحيي موقف أهلنا في مدينة إدلب ووقفتهم مع أبنائهم المجاهدين واستقبالهم الحافل لهم، وسينعمون بعدل شريعة الله التي تحفظ دينهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم».
في هذا الوقت، تستعد قوات النظام لمعركة استعادة مدينة إدلب التي سيطر عليها مقاتلو المعارضة قبل أيام بعد إنشاء تكتل عسكري مؤلف من «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» و«جند الأقصى».
وأشار عبد الرحمن إلى أن النظام يحشد قواته حاليا على تخوم المدينة تحضيرا للمعركة، متحدثا عن «قرار قيادي» باسترجاع المدينة. وقال: «هناك 6000 مقاتل شيعي دربهم حزب الله موجودون في محيط المدينة من المرجح أن يشاركوا بالعملية».
وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن إدلب «مدينة استراتيجية بالنسبة إلى النظام باعتبارها تقع على تخوم اللاذقية وريف حماه حيث يوجد علويون، ومن هنا فهو لن يستسلم لفكرة سيطرة المعارضة عليها وإمكانية تقدمها باتجاه مناطق أخرى».
ودعا الناطق باسم الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط في بيان «أصدقاء الشعب السوري» لتنفيذ «خطة المنطقة الآمنة في شمال سوريا وجنوبها، وتسليح الجيش الحر بالسلاح النوعي القادر على حماية المدنيين من هجمات النظام والحرس الثوري الإيراني وتنظيم داعش».
وحذر المسلط من «أعمال انتقامية جديدة يشنها نظام الأسد على مدينة إدلب بعد تمكن كتائب المعارضة من السيطرة عليها بشكل كامل»، وحمل مجلس الأمن الدولي المسؤولية الكاملة عن سلامة المدنيين وسلامة المناطق السكنية ومؤسسات الدولة.
ولا يزال طرح تولي الحكومة المؤقتة إدارة مدينة إدلب غير مكتمل، خصوصا مع معارضة كثير من الفصائل على الأرض الفكرة وأبرزها «جبهة النصرة».
في المقابل، دعا هاشم الشيخ، القائد العام لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية»، مقاتلي الحركة إلى تقديم «الصورة الناصعة لتعامل الإسلام وإدارته لشؤون الناس»، وقال إن الجماعات المشاركة «قادرة على ذلك بعون الله إن تخلت عن مصالحها الفصائلية وجعلت مصلحة الإسلام ورفع البلاء عن هذا الشعب المكلوم مقدمة على كل مصلحة».
وقلل رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة في حديث تلفزيوني من وجود خلافات سياسية بين الحكومة والفصائل على الأرض، وقال إن هذه الأخيرة بما فيها «جبهة النصرة» ترحب بقيام إدارة مدنية في إدلب حتى لا تتكرر مأساة مدينة الرقة، وخاطب المجتمع الدولي متسائلا: «هل تريدون منا ترك إدلب حتى تصبح مثل الرقة تسيطر عليها قوى متشددة؟».
وكان مقاتلو المعارضة قد سيطروا على الرقة في مارس (آذار) 2013، وتمكن تنظيم داعش لاحقا من طردهم منها لتصبح أبرز معاقله في سوريا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.