الانتخابات في دائرة الشمال الثالثة تمهد لمعركة الرئاسة

TT

الانتخابات في دائرة الشمال الثالثة تمهد لمعركة الرئاسة

تكتسب الانتخابات النيابية المرتقبة نهاية شهر مارس (آذار) المقبل في دائرة الشمال الثالثة (تضم أقضية زغرتا، بشري، الكورة والبترون) أهمية استثنائية بعدما بات كثيرون يصورونها معركة على الزعامة المارونية ستنسحب تلقائياً على الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد نحو عام.
ويعتبر قضاء زغرتا معقل تيار «المردة» الذي يرأسه النائب السابق سليمان فرنجية أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية خاصة إذا قرر «حزب الله» دعمه كما دعم حليفه الرئيس الحالي العماد ميشال عون. ومن المفترض أن يترأس كما الانتخابات السابقة نجله النائب طوني فرنجية لائحة «المردة» التي حصدت في العام 2018 أكبر عدد من أصوات الناخبين ما أدى لحصولها على 4 مقاعد نيابية في الدائرة من أصل 10 مقاعد.
أما قضاء بشري، فهو معقل «القوات اللبنانية» التي يرأسها سمير جعجع الذي كان مرشحاً للرئاسة عام 2016 ومن المفترض أن يجدد ترشيحه عام 2022. وخاض حزب «القوات» في الاستحقاق النيابي الماضي المعركة بلائحة ترأستها زوجة جعجع، النائبة ستريدا جعجع، علماً بأن لائحتها حصدت 3 مقاعد نيابية من أصل 10.
ويخوض رئيس التيار «الوطني الحر» النائب جبران باسيل الانتخابات المقبلة مرة جديدة من مسقط رأسه، مدينة البترون، علماً بأنه حصد أكبر عدد من أصوات الناخبين في عام 2018، وفازت لائحته بـ3 مقاعد نيابية. لكن بعد فك النائب ميشال معوض الذي يعتبر أيضاً أحد المرشحين للرئاسة تحالفه مع «الوطني الحر»، سيؤثر ذلك بشكل كبير على عدد الأصوات التي سيحصدها العونيون، باعتبار أن معوض حصل على أكثر من 8500 صوت في الانتخابات الأخيرة.
وفيما يعتبر الخبير في الإحصاءات الانتخابية ربيع الهبر أن الانتخابات النيابية المقبلة في دائرة الشمال الثالثة هي «نيابية بامتياز باعتبار أن رئيس الجمهورية في لبنان يصنع إلى حد كبير في الخارج»، يرى الناشط السياسي والأستاذ الجامعي الدكتور ميشال دويهي أن «هناك توجهاً بأن المرشحين الرئاسيين الأساسيين الثلاثة يجب أن يحققوا أفضل النتائج في الانتخابات النيابية كي يعززوا حظوظهم الرئاسية وتحديداً فرنجية وباسيل اللذين ينتميان لمحور الممانعة، على أن يحصل ذلك من ضمن ضوابط منظومة الحكم ولاعبيها».
ويستبعد الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يترشح سمير جعجع للانتخابات النيابية، معتبرا أنه ليس بحاجة لمقعد نيابي، فالوضع اليوم يختلف عن عام 2005 حين عاد العماد عون من باريس وخاض الاستحقاق النيابي شخصياً. ويضيف: «أما جبران باسيل فمحسوم أمر ترشحه للنيابة في البترون فإما يذهب إلى ربح أو خسارة باعتبار أن تحالفاته ستحسم حصول لائحته على حاصل انتخابي»، مرجحاً فوز «القوات» بـ3 مقاعد، و«المردة» بـ3، و«الوطني الحر» بمقعد وميشال معوض بمقعد، على أن يبقى هناك مقعدان غير محسومين من دون استبعاد خرق لقوى التغيير والمعارضة.
ويشير دويهي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «خيارات سياسية جديدة في دائرة الشمال الثالثة بدأت تتبلور لم تعرفها الأقضية الأربعة التي تضمها هذه الدائرة ولو لمرة واحدة في تاريخها، حيث إن الناخبين فيها اعتادوا السير وراء الأقوى في القضاء سواء من خلال الأحزاب التقليدية أو العائلات السياسية». ويوضح أن العمل الجاري حالياً هو لـ«تشكيل رأي آخر ونمط عمل بالشأن العام مختلف عما اعتاده الناخبون في هذه الأقضية»، مضيفاً: «التحدي الحالي هو بخروج الائتلاف الذي يضم قوى المعارضة والمجموعات المرتبطة بـ17 تشرين الأول 2019، بورقة سياسية واضحة تقارب هموم الناس، وتشخص المشكلة الأساسية وتعرض الحلول المناسبة»، مشيراً إلى أن «تحقيق هذه المجموعات خرقا بأكثر من مقعد نيابي أمر وارد نتيجة التجاوب الاستثنائي من قبل الناس مع الخيارات السياسية الجديدة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.