فرنسوا ميتران العاشق... كتاب يكشف امرأة ثالثة في حياة الرئيس الفرنسي الراحل

الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران (أرشيف)
الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران (أرشيف)
TT

فرنسوا ميتران العاشق... كتاب يكشف امرأة ثالثة في حياة الرئيس الفرنسي الراحل

الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران (أرشيف)
الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران (أرشيف)

قبل 25 عاماً توفي الرئيس الإشتراكي فرنسوا ميتران بعد 14 عاماً قضاها في قصر الإليزيه لولايتين متعاقبتين. وسبب وفاته إصابته بمرض السرطان الذي أخفاه لسنوات عن مواطنيه، ودفع أطباءه إلى كتابة تقارير كاذبة تثبت متانة صحته. ولم يُكشَف النقاب عن مرضه إلا قبل أشهر قليلة من وفاته في بيته الكائن على الضفة المقابلة لكاتدرائية نوتردام الشهيرة في قلب باريس. بيد أن المرض العضال الذي أودى به لم يكن السر الوحيد الذي خبّأه ميتران عن أقرب المقربين منه. كان هناك سر آخر، هو أنه كانت للرئيس الأسبق عائلة موازية لعائلته الشرعية. كانت له عشيقة وابنة خرجت كلتاهما للنور، عندما قرر ذلك، أو بالأحرى عندما أصبح من المستحيل إخفاء وجودهما، بعد أن كشف بعض الصحافيين أن لميتران ابنة غير شرعية، اسمها مازارين، وعشيقة على صلة قديمة بها، اسمها آن بانجون. وكما هو متوقَّع في مثل هذه الحالات، فإن النبأ انتشر انتشار النار في الهشيم، وكان الفاتحة التي عبَّدت الطريق لفضح أخبار غالبيتها نسائية تلفّها المغامرات؛ إحداها مع سيدة عربية، بمناسبة زيارة رسمية لزوجها المسؤول إلى باريس. بيد أن أسرار ميتران كالبئر بلا قعر، وكل طبقة تكشف عن بعض ملامح حياته.
الجديد ما جاء في كتاب الصحافية الاستقصائية في جريدة «لوموند»، سولين دو رواييه، التي أعدّت كتاباً عن ميتران بعنوان «السر الأخير»، الصادر عن دار «غراسيه»، وسيطرح في المكتبات في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، وفيه تكشف أنه كانت لميتران عشيقة شابة في الثماني سنوات الأخيرة من عمره (1988 - 1996)، وقد بقيت الى جانبه حتى الأشهر الأخيرة من حياته.
وبين فرنسوا الرئيس المتقدم في السن و«كلير» الطالبة (اسم مستعار) التي انتقلت من مدينتها الريفية إلى العاصمة لدراسة القانون فاصل من خمسين عاماً. وبينهما نشأت علاقة غامضة تحولت شيئاً فشيئاً إلى علاقة حب أرادتها هذه الشابة روحية وجسدية في آن واحد. وكانت صحيفة «لو موند» السبّاقة، حيث نشرت بعضاً من صفحات الكتاب الأكثر إثارة، التي تكشف كثيراً عن شخصية ميتران بالغة التعقيد الذي كان يُقال عنه إن علاقاته تنتظم في دوائر لا تتقاطع، وإنه يعتمد السرية.

وخلال رئاسته، شبه ميتران بـ«سفينكس» (أبو الهول)، وأنه حكم فرنسا كملك متوَّج. ومن المعروف عن ميتران أنه كان يلاقي عائلته الثانية مساء كل يوم، بعد أن أسكنها في شقة فارهة تابعة للحكومة ومطلّة على نهر السين، وكان يستخدم أحد مستشاريه للتعمية؛ إذ كانا يركبان السيارة معاً إلى موقع المبنى، حيث لمستشاره أيضاً شقة. لكن يوماً رأى أحد أفراد الحراسة المولجة مرافقة ميتران وجود ألعاب ودُمى في صندوق السيارة، فبدأت التساؤلات. والمعروف أيضاً أن ميتران كلف جهازاً أمنياً خاصاً السهر على سر عائلته الثانية.
تكشف سولين دو روييه بناء على مقابلات مطوَّلة مع «كلير» عخ الملاحظات اليومية التي دوّنتها في مفكرتها الخاصة، خصوصاً الاستماع الى الأشرطة المسجّلة للاتصالات الهاتفية التي لا تُحصى بين الشخصين عن نشوء هذه العلاقة وتحوُّلها حتى أصبحت أساسية في حياتهما معاً. «كلير» استضافت ميتران للمرة الأولى في شقتها القائمة في الدائرة السادسة في باريس، لكنها شيئاً فشيئاً تحولت إلى ضيفة مداومة في قصر الإليزيه؛ تذهب إليه ممتطية دراجتها النارية، حتى أصبح حرس القصر يعرفونها عن ظهر قلب، لا بل امتنعوا لاحقاً عن طلب الاطلاع على هويتها. وتروي الكاتبة أنه في بداية العلاقة كان موظفو بروتوكول القصر يرافقونها حتى مكتب الرئيس أو شقته الخاصة. ولكن بعد أن تكررت الزيارات أخذ يُقال لها: «أنت تعرفين الطريق، ولا حاجة لمرافقتك».
كان هذا التطور تتويجاً لطموحات «كلير»، المتحدرة من عائلة بورجوازية يمينية ريفية ومحافظة. بيد أنها شخصياً تبنّت تياراً آيديولوجياً وسياسياً مخالفاً؛ فانضمت الى الحزب الاشتراكي، وداومت على أن توجَد في المدن والمناطق التي يوجد فيها ميتران، إلى درجة أنه أخذ يلاحظ وجودها مرة بعد الأخرى. وأخيراً حظيت بدعوته إلى قصر الإليزيه مع زميل لها، وهذه كانت بداية الحكاية.
المدهش أن ميتران واظب على هذه العلاقة طوال ثماني سنوات. ووفق ما أسرَّت به «كلير»، فإنه كان يتصرف معها كشاب مراهق؛ يتصل بها مرتين في اليوم صبحاً وليلاً، ويلاحقها بالأسئلة حول ما قامت به، وعن دراستها، ولاحقاً عن عملها، وعن علاقاتها مع الرجال الآخرين.
وهذه الشابة كانت ترى في ميتران «معبودها». ويكشف الكتاب أن تحوُّل العلاقة الى علاقة حب كان بمبادرة من «كلير» التي قالت للكاتبة: «هل تتوقعين أنه كان يوقظني يومياً الساعة الثامنة صباحاً طيلة ثماني سنوات؟»، وإنه كان صبوراً، متفهماً، يدعي أنه يعرف جميع تفاصيل حياتها. كان يدعوها الى الغداء أو العشاء في القصر الرئاسي أو في مطاعم باريس، وكان يهوى التجول معها في شوارع العاصمة التي كان يعرفها عن ظهر قلب، وأخذ عليها لاحقاً أن رؤساءها في مهنتها يسيئون معاملتها، وهدد مرات بالتدخل لردعهم. وإذا انتقد ميتران على كثير من سلوكياته وسياساته، إلا أن الجميع كان يعي أنه كان مثقفاً كبيراً وسياسياً من طراز الجنرال ديغول. كان ميتران يسمي نفسه «أتيان»، عندما يقوم بزيارتها في شقتها. وتقول الكاتبة إن فكر كلير كان منصباً بكليته على ميتران، بينما الأخير كان يلاحقها بالأسئلة، ويلحق بها أينما تذهب، لا بل أحياناً كان يسبقها، وذلك رغم مشاغله الرسمية العديدة. وشيئاً فشيئاً، تحولت «كلير» إلى امرأة حسود، لأنها أرادته لها فقط وبعيداً عن كل الأخريات. وعندما ذاع خبر وجود عائلة مخبَّأة موازية لعائلته الرسمية انتابتها نوبات من الحسد، وراحت تستجوبه عن علاقته مع آن بانجون، ومع ابنته التي أصبحت لاحقاً كاتبة معروفة. وفي إحدى المرات، قال لها ميتران بعد موجة من الغضب سببها أنها ترى أن علاقتهما «لا تتطور وفق ما تشتهي»: «هل تعين بأية طريقة أنت تعاملينني وتتحدثين إليّ؟». وتروي سولين دو روييه أن ميشال شاراس «وكان وزيراً مقرباً جداً من ميتران» هددها يوماً بشكل غير مباشر إن هي كشفت سر العلاقة مع ميتران.
كثيرة التفاصيل التي تضمها صفحات الكتاب. إلا أن الأكثر تأثيراً فيها يتناول الأشهر الأخيرة حيث شعر ميتران بدنو أجَله، ويوماً فاجأها بقوله: «أنا أساعدك على أن تعيشي، وأنت تساعدينني حتى أموت». وقال لها في مناسبة أخرى: «إنني أمضي معك وقتاً أطول من الوقت الذي أمضيه مع زاخاروف (المنشق السوفياتي) ومع فاليسا (الزعيم البولندي)». وحتى يهوِّن عليها الوضع يضيف: «أنت لا تدركين كم قصتنا استثنائية!».



لُقى «سمهرم» في محافظة ظُفار

لُقى «سمهرم» في محافظة ظُفار
TT

لُقى «سمهرم» في محافظة ظُفار

لُقى «سمهرم» في محافظة ظُفار

تحوي سلطنة عمان سلسلة من المواقع الأثرية تتوزع على قطاعات متفرقة من أراضيها الواسعة. بدأ استكشاف هذه المواقع بشكل علمي في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، إذ أنجزت بعثة أميركية أول حفرية في خور من أخوار ساحل محافظة ظفار، يُعرف محلياً باسم «خور روري». كشفت هذه الحفرية عن قلعة مستطيلة مدعّمة بأبراج، شُيّدت بالحجارة على جبل منخفض يطل على هذا الخور، وحملت اسم «سمهرم» باللغة العربية الجنوبية القديمة، وتبيّن أن هذه القلعة كانت من أهم المواني في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية التي لعبت دوراً كبيراً في تجارة اللبان الدولية. استمرّت أعمال التنقيب في هذا الموقع خلال العقود التالية، وكشفت عن مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية ثقافية تعكس الوجه الدولي الذي عُرقت به سمهرم في الماضي.

تقع سلطنة عُمان في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، يحدّها خليج عُمان من الشمال والشرق، وتطوّقها الكثبان الرملية من الجنوب، ممّا يجعلها أشبه بجزيرة بين الصحراء والبحر. تضمّ هذه الجزيرة الشاسعة إحدى عشرة محافظة، منها محافظة ظفار التي تقع في أقصى الجنوب، وعاصمتها مدينة صلالة التي تبعد عن مسقط بنحو 1000 كيلومتر. تبدو ظفار في الظاهر معزولة عن شمال عُمان بأرض قاحلة، غير أنها تشاركه في الكثير من أوجه الشبه، كما يشهد تاريخها الموغل في القدم، حيث عُرفت بأرض اللبان، واشتهرت بتصدير هذا المورد النباتي في العالم القديم، وشكّلت بوابة عُمان الضخمة المفتوحة على المحيط الهندي حلقة الوصل بينها وبين ساحل شرق أفريقيا. برزت تجارة اللبان بشكل خاص منذ منتصف الألف الأول قبل الميلاد، كما تشهد مؤلفات كبار الجغرافيين اليونانيين، وتؤكد هذه المؤلفات أن اللبان كان يُنتج داخل هذه البلاد، ويُجمع في ميناءين يقعان على ساحل يُعرف باسم «موشكا ليمن»، ومن هناك كان يُشحن بالسفن شرقاً إلى الهند والخليج العربي، وغرباً نحو ميناء قنا على ساحل بحر العرب.

زار الرحالة البريطاني جيمس ثيودور بنيت ساحل ظفار في نهاية القرن التاسع عشر، وقضى بداء الملاريا في 1897، وبعد رحيله، نشرت زوجته ومرافقته في رحلاته كتاب «جنوب الجزيرة العربية» في 1900، الذي حوى وصفاً لموقع «خور روري» في ساحل ظفار، ويُعد هذا الوصف أول تقرير ميداني خاص بهذا الموقع. استند الرحالة البريطاني في بحثه الميداني إلى دليل ملاحة يعود على الأرجح إلى منتصف القرن الأول، يُعرف باسم «الطواف حول البحر الإريتري». و«البحر الإريتري» هي التسمية التي عُرف بها خليج عدن، وشملت البحر الأحمر الحالي والخليجين العربي والهندي. ذكر صاحب هذا الدليل ميناء «موشكا ليمن»، ونسبه إلى ملك من جنوب الجزيرة العربية يُدعى إليازوس، ورأى جيمس ثيودور بنيت أن هذا الميناء يقع في «خور روري»، وأثارت هذه القراءة الميدانية البحّاثة العاملين في هذا الحقل.

تولّت بعثة أميركية مهمة التنقيب في هذا الموقع بشكل متواصل خلال عام 1950، وعاودت العمل لفترة قصيرة خلال عام 1962، وتبيّن أن الموقع يضمّ قلعة حملت اسم سمهرم، شيّدها ملك من ملوك حضرموت في تاريخ غير محدد، كما يؤكّد نقش كتابي كُشف عنه في هذا الموقع. تبنّت البعثة الأميركية قراءة جيمس ثيودور بنيت، ورأت أن سمهرم هي «موشكا ليمن»، وحُددت هوية الملك «إليازوس» على ضوء هذه القراءة، وهو ملك يَرِد ذكره بشكل مشابه في نقوش تعود إلى أكسوم في الحبشة. قيل إن ميناء سمهرم واصل نشاطه من القرن الأول إلى القرن الثالث للميلاد، كما توحي الكتابات المنقوشة واللُّقى التي عُثر عليها في الموقع، غير أن الأبحاث اللاحقة أثبتت أن هذه القراءة تحتاج إلى المراجعة. تولّت بعثة تابعة لجامعة بيزا مهمة مواصلة البحث في هذا الموقع منذ عام 1997، ونشرت تباعاً تقارير رصدت اكتشافاتها، وأظهرت الدراسات التي رافقت هذه التقارير أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، بالتزامن مع نشوء التجارة البحرية وتطوّرها في المحيط الهندي، وقبل وصول الرومان إلى مصر بزمن طويل، ولم يُهجر قبل القرن الخامس للميلاد، حين تراجع نشاطه تدريجياً مع اندحار مملكة حضرموت، وخضوعها لملوك حمير بعد سلسلة من الحروب في القرن الرابع للميلاد.

منذ نشوئه، تميّز ميناء سمهرم بطابع «كوسموبوليتي»، كما تشهد القطع الفخارية المتعدّدة المصادر التي عُثر عليها بين أطلاله. خلال تاريخه الذي دام عدة قرون، نسج هذا الميناء كما يبدو علاقات متينة مع سائر أنحاء العالم القديم، من حضرموت إلى قتبان في جنوب جزيرة العرب، إلى أكسوم في الحبشة، ومن الخليج العربي إلى آسيا ومصر وسواحل البحر الأبيض المتوسط. في هذا الموقع، عثرت البعثة الأميركية على تمثال هندي صغير من البرونز، يبلغ طوله 8 سنتيمترات، وهو من محفوظات متحف فنون آسيا التابع لمؤسسة «سميثسونيان» في واشنطن. يُمثل هذا التمثال الذي فقد رأسه وذراعه اليسرى امرأة تلوي خصرها، وتثني ساقها اليسرى خلف ساقها اليمنى. تُميل هذه الراقصة وركيها وتحني كتفيها إلى الجهة اليمنى، ويتميّز لباسها المحلّي بحلله المتعددة، ومنها حزام عريض يحوي أربعة صفوف من الدرر، وقطعة قماش تنسدل من طرف هذا الحزام على الفخذ الأيمن، وثلاث قلائد من الدرر تلتف حول الرقبة. صيغ هذا التمثال وفقاً لناموس الجمالية الهندية ويُجسّد كما يبدو سيدة الشجر في العالم الهندي. كذلك عثرت البعثة الإيطالية على قطعة مما تُعرف بـ«عملة كوشان» تحمل اسم كانيشكا، ملك كابل وكشمير وشمال غربي الهند. ونقع على مجموعة من الكسور واللُّقى الصغرى تعكس هذا الأثر الهندي الذي برز بشكل خاص في سمهرم.

في المقابل، يظهر أثر حضرموت في مجموعات أخرى من اللُّقى، منها المسكوكات، والأواني المتعددة، والأنصاب الحجرية المزينة بالنقوش الحجرية. من هذه الأنصاب يبرز حجر مستطيل يحمل نقشاً يصوّر ثوراً في وضعية جانبية، مع كتابة تسمّيه، بقي جزء منها فحسب. تُماثل هذه القطعة في تأليفها الكثير من القطع التي خرجت من نواحٍ متعددة من جنوب الجزيرة العربية، وهي على الأغلب من القطع التي تحمل في العادة طابعاً دينياً. في هذا الميدان، تحضر مجموعة من المجامر الحجرية تتميز بنقوشها التزيينية الجميلة. تحمل هذا المجموعة طابعاً جامعاً، كما أنها تحمل في بعض الأحيان طابعاً محلياً خاصاً، وتحتاج إلى دراسة مستقلّة خاصة بها.