محاكاة الإشعاع الكوني تكشف صعوبة الزراعة في المريخ

TT

محاكاة الإشعاع الكوني تكشف صعوبة الزراعة في المريخ

إذا أراد البشر العيش على المريخ لفترة أطول، فسيكون من الضروري لهم اللجوء للزراعة. والأمر الأكثر منطقية هو زراعة المحاصيل في صوب (غرف زجاجية مدفئة) على السطح، والاستفادة من ضوء الشمس، كما يظهر في كثير من التصاميم العلمية وأفلام الخيال العلمي. لكن هل سيكون هذا ممكناً في ظل كمية عالية من الإشعاع الكوني على مستوى سطح المريخ؟
حاولت دراسة هولندية لجامعة فاغينينغين، ومعهد مفاعل دلفت التابع لجامعة دلفت، الإجابة عن هذا السؤال، بالتحقيق في تأثير الإشعاع الكوني على سطح المريخ على نمو النبات، وأظهرت أنه، تماماً مثل البشر، تحتاج النباتات أيضاً إلى الحماية من الإشعاع الكوني.
وخلال الدراسة التي قادها نينكي تاك، الباحث بجامعة فاغينينغين، تم التحقق من تأثير إشعاع غاما، كما تم تسجيله بواسطة مسبار المريخ «كيوريوسيتي روفر»، على نباتي «رشاد الحديقة» و«الجاودار».
يقول تاك، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لفاغينينغين في 13 أغسطس (آب) الماضي، إنه «نظراً لأن الإشعاع على سطح المريخ أعلى بكثير منه على الأرض (230 ميكروغراماً/ يوم؛ أي نحو 17 مرة أعلى من الأرض)، فقد تم إجراء التجربة وفقاً لاحتياطات السلامة الصارمة». ويضيف: «وجدنا تأثيرات مرئية متعددة للإشعاع، بما في ذلك الأوراق البنية والنمو المتقزم. وإلى جانب ذلك، كان الحصاد أيضاً مخيباً للآمال، وأقل من تجربة التحكم غير المشع».
ولم يكن هذا مفاجئاً للباحث الرئيسي، وييجر واميلينك، الذي قال: «أتوقع دائماً أن يكون للإشعاع تأثير سلبي على نمو النبات، لكن لم يتم التحقيق منه جيداً، لذا احتجنا إلى تأكيد ما إذا كان هذا التوقع صحيحاً».
وانبعث الإشعاع من 5 مصادر من «الكوبالت 60»، وتم وضع المصادر فوق النباتات لإنشاء مجال إشعاع مستوٍ مماثلٍ للمريخ، وتم إشعاع النباتات النامية باستمرار لمدة 28 يوماً، ثم تم حصادها بعد ذلك.
وأوضح واميلينك أن إنشاء حقل إشعاع مستوي يعد أمراً صعباً، ولهذا تم استخدام 5 مصادر لمنع نبات واحد من تلقي جرعة أعلى من نبات آخر، مما قد يؤثر على نتيجة التجربة، وتم استخدام إشعاع «غاما» فقط، حيث يتكون الإشعاع الكوني على المريخ من أشعة «ألفا» و«بيتا» و«غاما» والأشعة فوق البنفسجية، لذلك لا تزال هناك اختلافات، لكن الجرعة كانت تقريباً مماثلة لما يحدث بالمريخ.
ويقول واميلينك: «الآن، بعد أن أصبح من الواضح أننا يمكن أن نتوقع آثاراً سلبية على نمو النبات بسبب الإشعاع على المريخ، فإن أحد الخيارات هو زراعة النباتات تحت الأرض في قبة، حيث لا يستطيع معظم الإشعاع اختراقها، وهذا تحدٍ أكبر من زراعة النباتات في صوب زراعية على السطح، لكنه أيضاً يجعل الحياة أسهل نظرياً، لأنه يمكننا زراعة النباتات في ظل ظروف خاضعة للسيطرة الكاملة، باستخدام ضوء (ليد)».
ويضيف: «لهذا السبب بدأنا التجارب الأولى الآن في مخبأ الحرب الباردة في (أرنهيم)، بالقرب من مدينة فاغينينغين، تحت الأرض، ولكن في محيط خاضع للسيطرة الكاملة».


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً