رابع «تسوية روسية» في درعا خلال أسبوعين

حركة «رجال الكرامة» تفك الطوق الأمني عن الأمن في السويداء

مركز التسوية الذي أحدثه الروس في بناء البلدية في بلدة المزيريب (تجمع أحرار حوران)
مركز التسوية الذي أحدثه الروس في بناء البلدية في بلدة المزيريب (تجمع أحرار حوران)
TT

رابع «تسوية روسية» في درعا خلال أسبوعين

مركز التسوية الذي أحدثه الروس في بناء البلدية في بلدة المزيريب (تجمع أحرار حوران)
مركز التسوية الذي أحدثه الروس في بناء البلدية في بلدة المزيريب (تجمع أحرار حوران)

توصلت اللجنة المركزية للتفاوض في ريف درعا الغربي مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في درعا برعاية روسية، لاتفاق يقضي بتطبيق بنود خارطة الطريق الروسية في مدينة طفس أكبر مدن ريف درعا الغربي المشهورة بمناهضتها للنظام السوري وتحوي أعدادا كبيرة من قادة وعناصر المعارضة السابقين، بعد أن تم تطبيقها في مدينة درعا البلد وبلدات اليادودة والمزيريب في ريف درعا الغربي خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال أحد أعضاء اللجنة المركزية في الريف الغربي لـ«الشرق الأوسط» إن اللجنة المركزية بعد تشاور مع وجهاء وأعيان مدينة طفس اتفقت على قبول الحلول السلمية المطروحة من الجانب الروسي، وإبعاد الحرب والآلة العسكرية عن المدينة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب للأهالي وللمطلوبين للنظام السوري، دون تصعيد عسكري أو تهجير أو دمار، وبعد اجتماع مع لجنة النظام والجانب الروسي يوم أمس اتفقت الأطراف على إجراء تسويات جديدة في مدينة طفس تبدأ يوم السبت بدخول الشرطة الروسية واللجنة الأمنية وموظفي التسوية وإحداث مركز لتسوية أوضاع الراغبين من المطلوبين للنظام المدنيين والعسكريين المنشقين عن الجيش، وضمان الجانب الروسي لعدم ملاحقتهم وإزالة الملاحقات الأمنية المترتبة عليهم بعد إبرامهم اتفاق التسوية الجديد، وعودة العسكريين المنشقين إلى مراكز خدمتهم في الجيش دون محاسبة، وتسليم عدد من السلاح الخفيف والمتوسط الذي ظهر مؤخراً مع مجموعات من أبناء مدينة طفس وهاجمت به النقاط العسكرية التابعة للنظام في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي حين أعلنوا التضامن مع مدينة درعا البلد.
وأضاف أن المرحلة الثانية للاتفاق هي دخول قوة أمنية واللجنة التابعة للنظام والجانب الروسي لإجراء عمليات تفتيش لبعض منازل المدينة بحضور قوات من الفيلق الخامس المدعوم من حميميم ووجهاء المدينة وأعيانها واللجنة المركزية للتفاوض بحثاً عن السلاح الثقيل والخفيف الذي صادرته مجموعات من المدينة بعد هجومها على نقاط للجيش السوري مؤخراً.
كما نص الاتفاق على إعادة النقاط العسكرية الثلاث التي كانت متواجدة في مدينة طفس ومحيطها قبل السيطرة عليها وأسر عناصرها في أواخر شهر يوليو الماضي من قبل أبناء المدينة، وكانت هذه النقاط تابعة لجهاز الأمن العسكري وتتواجد عند بناء البريد والمشفى الوطني في مدينة طفس، وفي الثكنة العسكرية الموجودة شرق المدينة، وسوف تعود هذه النقاط بعدد 10 عناصر لكل نقطة تابعين للفرقة 16 في الجيش السوري ولا تحتوي على سلاح ثقيل، ومهامها تأمين الدوائر الحكومية في المدينة فقط، ونص الاتفاق على إعادة خدمات الدولة للمدينة، وتوضيح مصير المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من أبناء المنطقة الغربية وإطلاق سراحهم.
وأكد المصدر أن اتفاق التسوية الجديد سوف ينتقل إلى مناطق أخرى في ريف درعا الغربي بعد مدينة طفس منها بلدة تل شهاب ونهج وجاسم وانخل ونوى ومناطق حوض اليرموك، بهدف تعديل بنود اتفاق التسوية الذي تم عام 2018، وسمح للمقاتلين السابقين بالمعارضة قادة وعناصر الاحتفاظ بالسلاح الخفيف، والآن الخارطة الروسية الجديدة لمناطق التسويات جنوب سوريا تهدف إلى إلغاء بند الاحتفاظ بالسلاح الخفيف وتسليمه وإجراء تسويات جديدة، ومن يرفض تسليم سلاحه بعد إجراء التسوية سوف يلاحق من قبل الأجهزة الأمنية ويتحمل نتيجة ذلك بشكل فردي، بحسب ما طرح من اللجنة الأمنية التابعة للنظام والجانب الروسي.
وفي السويداء التي شهدت مؤخراً توتر متصاعد وعمليات تطويق لفرع الأمن العسكري واعتقال ومداهمة نفذتها «حركة رجال الكرامة» بحق أشخاص متورطين بعمليات قتل وخطف وتجارة المخدرات، قالت مصادر محلية إنه «فوجئ أهالي السويداء أمس بعد أن أخلت حركة رجال الكرامة الطوق الأمني الذي فرضته في محيط فرع الأمن العسكري في مدينة السويداء وبلدة عتيل التي تعتبر مركزا لمجموعة راجي فلحوط التابعة لشعبة المخابرات العسكرية داخل البلدة بين المدنيين، وأطلقت سراح الأشخاص الذين اعتقلتهم يوم الأربعاء الماضي التابعين للأجهزة الأمنية والمتورطين بأفعال قتل وخطف وتجارة المخدرات».
وأشار المصدر أن إطلاق سراح المتهمين وفك الطوق الأمني عن بلدة عتيل وفرع الأمن العسكري جاء بعد استمرار تلقي الحركة لمبادرات للتهدئة قدمها رجال دين من مشايخ العقل وفعاليات اجتماعية من السويداء ووجهاء بلدة عتيل، مقابل إزالة النقاط التي تتواجد فيها هذه المجموعات على طريق دمشق - السويداء، وإعادة السلاح الذي صادرته مجموعة راجي فلحوط من عناصر حركة رجال الكرامة أثناء وجودهم على طريق دمشق السويداء قبل أيام.
وقال الإعلامي مقداد الحبل لـ«الشرق الأوسط» ليس هناك تهدئة فيما يتعلق بمسألة المجموعات المتورطة بأفعال قتل وخطف من بلدة عتيل وغيرها من مناطق السويداء، وما زال بيارق الحركة مستنفرة، والانسحاب من تطويق بلدة عتيل كان للحفاظ على سلامة المدنيين، بعد أن تحصنت مجموعة فلحوط بين بيوت المدنيين، ويمارسون أفعال استفزازية بشكل مستمر، من خلال ضرب قذائف عشوائية وإطلاق النار، بهدف ترهيب أهالي البلدة، ما دفع الحركة إلى الانسحاب بعد تدخل وجهاء بلدة عتيل، وما تزال الحركة متمسكة بشروطها إما رحيل هذه المجموعات عن المحافظة أو تسليم نفسها للقضاء بإشراف شخصيات من الجبل، أو أنهم هدف للحركة بأي مكان.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.