قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

أمام أوباما تحديات جديدة.. بينها مخاطر الحرب الأهلية

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
TT

قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)

مرة أخرى عاد اليمن إلى اللعبة، بعد أن كانت للولايات المتحدة الأميركية قبل 5 سنوات حكاية نجاح ونصر مبكر في الحرب ضد «القاعدة». أما الآن، فقد ضاعت تلك المكاسب وظهرت «القاعدة»، وسيحتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما وطاقمه إلى إيجاد طريقة لخوض نوع جديد من الحروب، وسيضطرون إلى فعل ذلك في أحد أسوأ البلدان ضيافة في العالم. في أرض تنهار وتنحدر نحو الحرب الأهلية والعنف، وترتفع فيها أسعار الطعام وتجف الآبار.
صعود «القاعدة» وسقوطها ونهوضها من جديد في اليمن، قصة نجاح وإخفاق، وتحديات قرن جديد، وطريقة جديدة في فهم العالم. وهي قصة تمس أميركا كما رصدها الكاتب غريغوري دي. جونسون في كتاب تحت عنوان «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب»، أوضح خلاله أن أفغانستان كانت تمثل فكرة لـ«الجهاديين» أكثر منها مكانا جغرافيا.

ضخ تنظيم «القاعدة» كمًّا هائلا من المعلومات في شكل وثائق وفيديوهات وملفات صوتية، أصدرها في اليمن، ولاحقا في شبه الجزيرة العربية. ومنذ عام 2007 أصدر كمية كبيرة من المواد عبر المنتديات المتشددة على شبكة «الإنترنت»، وفي ما بعد عن طريق جناحه الإعلامي. ولكن مع كل ذلك ليس هناك من يستطيع أن يجزم بدقة بصحة هذه المواد وما جاء بها من معلومات. مع هذا، حاول الكاتب الأميركي غريغوري دي. جونسون في كتابه «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب» أن يستعين ببعض الصحافيين والفارين من «القاعدة» لكي يتوثق ويعيد توثيق ما أصدره التنظيم من معلومات في هذا الشأن.
الكتاب تعرض لبعض الشخصيات الرئيسية التي اعتبرها المؤلف منطلقات لمعلوماته ومصادره. ومن هذه الشخصيات محمد الأهدل، وكيل «القاعدة» والقائم على شؤونها المالية حتى عام 2003، عندما استسلم كجزء من اتفاقية سرية، وحرر عام 2006 وهو يعيش في اليمن. كذلك تعرض الكتاب لعبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد القوية ورئيس البرلمان اليمني عام 1993 حتى وفاته عام 2007، كما ترأس أيضا حزب الإصلاح الذي كان حزب المعارضة اليمني الأبرز.
ذهب الكاتب إلى أنه في عام 2009، وتحديدا في أوائل يناير (كانون الثاني) منه، اجتمع عدة رجال في بيت صغير آمن ذي طابقين في المرتفعات المطلة من الشمال على العاصمة صنعاء، وكانوا قد جاءوا من كل أنحاء العالم العربي، إلى أفريقيا وجنوب آسيا. وخلال بضعة أشهر انضمت إليهم حفنة من الأميركيين ومجموعة من الأوروبيين. وكلهم حارب وأخفق في أماكن أخرى، وبعضهم سجن في أماكن مختلفة منها غوانتانامو واليمن، إلا أنهم صمدوا وظلوا أحياء على الرغم مما مروا به من ظروف صعبة.
جاء الرجال إلى المنزل الصغير الآمن، في ذلك اليوم، عبر خليج عدن بقوارب لتهريب الرقيق الأبيض، فضاعوا بين حشود اللاجئين اليومية من أفريقيا. وبعض السعوديين جاءوا بالسيارة عبر خط الحدود المخفي في الرمال، وغيرهم هبطوا في مطار صنعاء الدولي مدعين أنهم طلبة لغة عربية أو سياح وكانوا مستعدين لما ينتظرهم.
وعلى بعد قارتين، كان باراك أوباما – الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك – غير مستعد لما هو على وشك أن يحدث.
كان يجلس في مكتبه المؤقت في فندق «هاي - آدامز» الفخم المجاور للبيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن، ويحضر لتطبيق التغيرات التي وعد بها خلال حملته، وكان على رأس قائمته إغلاق سجن قاعدة غوانتانامو، لأنه أزعجه وأضر بصورة أميركا في الخارج، وقسم أصوات الناخبين في الداخل، وكانت المحاكم الداخلية تهاجم أسسه الشرعية، بينما كانت تتدفق قصص التعذيب عبر أقفاص السجن الحديدية.
ومع أن أوباما لم يكن يعلم ذلك في حينه، فإن حفنة من الرجال الملتقين في البيت الصغير الآمن باليمن، كانوا على وشك إجباره على ما لا يريد، ويلزمونه في الأيام المقبلة، بالرجوع عن وعد حملته الانتخابية. وكان السؤال الصعب: كيف للولايات المتحدة الأميركية أن تحارب عدوا حاذقا.. لا دولة له من دون الدخول في اجتياح عسكري جديد مكلف لا يزيد المسألة إلا صعوبة؟
وصل أوباما إلى منصبه مستعدا للتعامل مع الحربين في أفغانستان والعراق، إلا أنه لم يمض وقتا كافيا للنظر في اليمن، فخلال الأيام الأولى من يناير، كان اليمن لا يزال مسألة ثانوية، لكنها لم تبق كذلك. وبحلول أسبوعه الأول في المنصب، وجد أوباما أنه سيحتاج إلى الإجابة عن السؤال الذي طرحه اليمن ومقاتلوه، وهو الذي لم يبدأ حتى بالتفكير في المشكلة بعد.
وعلى الرغم من إعلان أوباما اعتزامه إغلاق معتقل غوانتانامو بعد أيام، فإن الرجال في اليمن كانوا يعرفون ما يفعلونه، فمن مخبئهم الضيق في الصحراء، وباستخدام مجرد كاميرا وبضع كومبيوترات محمولة، أحرجوا رئيس الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءه العرب باستخدام فيديو واحد لا غير. حتى الطريقة التي نشروا بها المعلومات كنت محسوبة لزيادة التأثير، فنشروا أولا خبرا تشويقيا على صفحات المنتديات المتشددة على شبكة الإنترنت في الأيام التي سبقت مراسم تنصيب الرئيس الجديد، ومن ثم، بعدما أدى أوباما القسم الرئاسي، نشروا المادة النهائية.

* قصة هشام الديلمي
* في الصباح الباكر من يوم 12 سبتمبر (أيلول) 1987، دوى رنين الهاتف الحاد على الجدران الثقيلة في منزل داخل صنعاء. ثمة صوت غير مألوف على الجانب الآخر من الخط، يطقطق عبر أميال من التشويش، قبل أن ينقل الخبر: «لقد استشهد هشام.. مبارك».
هذا كل ما ستحصل عليه العائلة.. حفنة كلمات من رجل غريب على بعد ألفي ميل. لا جثة يدفنونها ولا رسالة أخيرة تمرر إليهم، وفي الوقت الذي وصل فيه الاتصال من باكستان، كان قد مر على موت هشام 12 يوما.
هشام الديلمي ابن إحدى عائلات اليمن المتدينة العريقة، كان قد غادر اليمن قبل شهور للقتال ضد السوفيات. عبد الوهاب هو رب العائلة التي تتكون من 12 ولدا وحفنة من البنات، إلا أن هشام كان المفضل عنده؛ إذ كان يدرس القرآن، وعندما اكتشف أبناء جيله الفتيات إبان الدراسة الثانوية، وصاروا يطاردونهن كظلالهن في شوارع صنعاء الملتوية، جلس هشام يلتهم أعمال سيد قطب. لم يلمس قلب الشيخ ذي التسعة والأربعين عاما منظر مثل منظر ابنه الممتلئ منحنيا على كتبه.
ومع أن شهر سبتمبر أحد أجمل أوقات السنة في صنعاء، فإن ذلك الصباح من سبتمبر 1987، كان ثقيلا على عبد الوهاب. الذي وجد صعوبة في الكلام وهو يستمع إلى أولاده يخبرونه بأمر الاتصال الهاتفي الآتي من باكستان، وبينما هم يتحدثون، انحرف ذهنه عودة إلى قصة يعقوب القديمة في التوراة، وكيف تعامل مع خسارة ابنه المفضل، ولكن هذا أيضا لم يمنحه كثيرا من المواساة.. «كان قلبي حزينا، واغرورقت عيناي بالدموع»، يقول متذكرا: «أردت ولدي».

* بعيدا عن الجغرافيا.. أفغانستان فكرة
* يعتقد الكاتب أن أفغانستان ما كان لها أن تكون حرب هشام؛ «إذ هي صراع ضمن سياق الحرب الباردة في آسيا الوسطى، وعلاقتها بالإسلام قليلة وكذلك لا علاقة لها باليمن بتاتا. كان الدين هنا مصادفة جغرافية على رقعة شطرنج سياسة القوى العظمى، ولكن العرب جذبهم شيء أعمق.. شيء أكثر سحرا من السياسة أو السلطة.. شدهم هذا الشيء إلى الحرب الدائرة في أفغانستان.. فدخلوا متعثرين إلى بلد لم يفهموه تماما من قبل».
أفغانستان، ذات الشتاء القارس، بلاد عديمة اللون، وصحاراها مقفرة تتشقق وتتفتت تحت الأقدام، وجبالها متزاحمة في الشرق، متكسرة ومسننة بوديان تخترقها الأنهار، لا تشبه في أي شيء الصحارى الخالية والمدن المكتظة التي يدعوها معظم الشبان الآتين أوطانهم.
كانت على البقايا الرملية للحرب في البلاد قد نشطت قبائل منقسمة، وظهر «أمراء حرب» مخدرون، ومجرمون صغار، وجواسيس، وأصناف أخرى من البشر. كانت هذه هي أفغانستان من حيث التاريخ والخبرة، ولكن ثمة أفغانستان أخرى ما بعد الفوضى، تربت في عقول المراهقين النقية من أمثال هشام، الذين جاءوا ليشكلوا «جيوشا شعبية دينية» تنطلق من هذه البلاد التي كانت فكرة أكثر منها مكانا.

* شرارة الاقتتال الأولى
* انطلقت شرارة القتال مع قيام الاتحاد السوفياتي يوم الميلاد من عام 1979، بإنزال عسكري لدعم الحكومة الشيوعية في كابل. وهذا ما جعل العرب يحولون الحرب إلى «جهاد» على الفور. وبعكس كثير من الحكومات العربية، التي كانت تدعم الأمر علنا لكنها كانت تحاول في الخفاء ثني شبابها عن السفر، أرسل «اليمن الشمالي» - وكان في ذلك الوقت دولة مستقلة منفصلة عن اليمن الجنوبي - عشرات من خيرة شبانه وألمعهم. وبالنسبة إلى جيل كامل من الشباب اليمني، غدت الرحلة إلى الخطوط الأمامية في أفغانستان تعبيرا طقسيا عن النضج.
كانت هناك 3 قنوات تغذي خطوط اليمن إلى أفغانستان: القناة الأولى، الحكومة برئاسة علي عبد الله صالح الرئيس الخامس لليمن الشمالي الذي وصل للسلطة عام 1978؛ إذ كان يدعو المجندين إلى القصر الرئاسي، ويجلس المراهقين على مقاعد عملاقة فخمة ويتحدث إليهم في هذا الأمر.

* مصطفى بادي.. رفيق جديد
* وفي الوقت الذي كان فيه هشام يطلب من أبيه الإذن له بالسفر إلى أفغانستان، وصل يافع يمني آخر اسمه مصطفى بادي إلى قرار مشابه، حينما كان يستمع إلى شيخ القرية وهو يتحدث عن أفغانستان بأنها تتعرض إلى هجوم شيوعي من السوفيات. وبعد أيام اشترى تذكرة سفر واستقل طائرة متجهة إلى مدينة كراتشي؛ كبرى مدن باكستان، وفي طريقه إلى حمام الطائرة، بدأ حوارا مع شابين يمنيين، واستمع الاثنان إلى بادي يكرر خطبة شيخ القرية ويخبرهم عن جرائم السوفيات في أفغانستان التي هو الآن في الطريق إليها.
أخبر الشابان اليمنيان بادي، وهم في سماء بحر العرب، أنهما متوجهان إلى أفغانستان، فبقي تحت رعايتهما، ومن ثم أرشداه عبر معبر كراتشي الصاخب إلى فندق هادئ وأحضرا له تذكرة سفر إلى بيشاور على متن طائرتهما عبر البلاد. وفي ردهة الواصلين وقف شخص فلسطيني ينتظرهم عرف عن نفسه ببساطة بـ«أبي تراب»، فجمع اليمنيين مع مقاتل أفغاني بدا كأنه أبكم، وأصعدهم في حافلة صغيرة، ومن ثم في بيت داخل قسم المدينة الجامعية في بيشاور.

* عبد الله عزام.. «راعي الجهاد في أفغانستان»
* شرح «أبو تراب» لأولئك الشبان اليمنيين، أن البيت هو «مكتب الخدمات»، وهو نزل ومركز تبادل تعليمات بيروقراطي للمتطوعين العرب يديره عبد الله عزام وهو «راعي الجهاد في أفغانستان»، وفق المؤلف جونسون. وفي الداخل سلم الثلاثة جوازات سفرهم وبطاقات هوياتهم وأموالهم واختاروا هويات جديدة؛ إذ قيل لهم: إن «الأسماء الجهادية» ستحميهم أثناء حياتهم السرية في بيشاور. واختار بادي اسم «أبو إبراهيم» وطوال بقائه في أفغانستان، لم يعرف إلا باسم «أبو إبراهيم».

* أميركا الصديقة.. تتحول إلى عدو لـ«القاعدة»
* سافر عزام إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة لتجنيد الشبان المسلمين للحرب في أفغانستان. وسمحت الولايات المتحدة بالفعل لعزام بإنشاء مراكز على امتداد البلاد مثل نيويورك وكانساس سيتي وتوسون، وذلك لتشوق واشنطن لإغراق الاتحاد السوفياتي في «المستنقع الأفغاني» مثلما أغرق الشيوعيون من قبل أميركا في «مستنقع فيتنام».
وبحلول أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، تحولت قطرات المتطوعين العرب إلى فيضان، وكثيرون منهم جذبهم عزام وتلميذه أسامة بن لادن. وفي 15 فبراير (شباط)، حين عبر العسكري السوفياتي الأخير في أفغانستان الجنرال بوريس غروموف «جسر الصداقة» الذي صنعه السوفيات من الحديد والإسمنت المسلح وصولا إلى أوزبكستان السوفياتية، أكمل السوفيات رحيلهم تاركين خلفهم «حكومة دمية في كابل»، برأي مؤلف الكتاب، لكن بن لادن كان يريد أن ينهي العمل.
شعر بن لادن (31 سنة في حينه) بثقة هائلة بعد الانسحاب السوفياتي، وكان يخطط لرحلة وحيدة أخيرة نحو الحدود إلى أفغانستان. ولم يكن أحد يتوقع أن يكون هناك كثير من القتال، ولكن في ضاحية لانغلي، بولاية فيرجينيا، حيث مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، اتفق محللو الوكالة مع تحليل «المجاهدين»، ووضعوا بالاشتراك مع الاستخبارات الباكستانية خطة لدعم الثوار المقاتلين أثناء اندفاعهم غربا من باكستان نحو كابل، قبل أن تلاحقها تفاصيل كثيرة من الأحداث غيرت مسار الحرب وانتهت بمواجهة جديدة بين «القاعدة» وأميركا.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.