الملا محمد حسن أخوند... رئيس {قليل المرونة} لـ {حكومة طالبان}

عارض تسليم بن لادن... وأشرف على تدمير تمثال بوذا

الملا محمد حسن أخوند... رئيس {قليل المرونة} لـ {حكومة طالبان}
TT

الملا محمد حسن أخوند... رئيس {قليل المرونة} لـ {حكومة طالبان}

الملا محمد حسن أخوند... رئيس {قليل المرونة} لـ {حكومة طالبان}

لم تفلح 20 سنة في براري جبال أفغانستان وريفها في تغيير قواعد اللعبة داخل الهيكل التنظيمي لجماعة «طالبان»، ألا وهو الولاء للملا محمد عمر، القائد الأعلى الراحل للميليشيا، الأمر الذي يؤدي إلى التطرق إلى الصف الأول في الحكومة التي أعلنت جماعة «طالبان» تشكيلها في العاصمة الأفغانية كابُل، الثلاثاء الماضي. كذلك، لا يثير دهشة أي شخص عمل مع «طالبان»، أو عرفها عن كثب، أن يقع الاختيار لمنصب رئيس الوزراء على الملا محمد حسن أخوند، الذي كان مقرّباً جداً من القائد الراحل. ومن جانبه، قال دبلوماسي باكستاني سابق - طلب إغفال ذكر هويته - عمل عن قرب مع «طالبان» إبان فترة عمله السابقة: «عندما ذهبنا للتفاوض مع الملا عمر بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) لننصحهم بضرورة تسليم أسامة بن لادن إلى واشنطن، كان حسن أخوند حاضراً ذلك الاجتماع». وللعلم، كان هذا الدبلوماسي قد عمل في عواصم مهمة سفيراً لباكستان، ويعيش حالياً حياة التقاعد في إسلام آباد.

حسب الدبلوماسي الباكستاني المتقاعد، فإن الملا محمد حسن أخوند كان الشخص الرئيس في دوائر صنع القرار داخل «طالبان»، الذي نصح الملا عمر بشدة بألا يسلّم أسامة بن لادن للأميركيين. ولقد جرى إرسال الوفد الباكستاني - الذي كان بقيادة مدير الاستخبارات العامة الباكستانية آنذاك، الجنرال محمود أحمد - إلى قندهار من قبل الرئيس السابق الجنرال برويز مشرّف في محاولة لتجنّب الغزو الأميركي لأفغانستان، غير أن الوفد عاد خالي الوفاض. ومن جهة ثانية، حسب كلام الدبلوماسي الباكستاني، كان محمد حسن أخوند جزءاً من فريق «طالبان» الذي تفاوض مع الوفد الباكستاني يومذاك.
إزاء خلفية كهذه، ما كان مستغرباً وضع اسم رئيس الوزراء الأفغاني الجديد على قائمة عقوبات الأمم المتحدة التي تستهدف الأشخاص والكيانات الراعية للإرهاب. ثم إنه قبل أشهر من تعيين أخوند، أشار فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة في أفغانستان في أحد تقاريره إلى أن «جماعة (طالبان) الأفغانية لا تزال على صلة بتنظيم (القاعدة)». وتابع التقرير زاعماً أن «هناك 500 من عناصر التنظيم ما زالوا يختبئون في مناطق متفرقة من أفغانستان».

- خلفية شخصية
جدير بالذكر أن الملا محمد حسن أخوند ينتمي إلى زاراي في قندهار، المدينة والولاية الجنوبية التي نشأت ونمت فيها «طالبان». ويحظى أخوند بالاحترام داخل صفوف «طالبان» باعتباره من بين مجموعة علماء الدين الذين طرحوا فكرة تأسيس حركة مسلحة يمكن أن تضع حداً للفوضى في منطقتهم. ومن ناحيته، قال طاهر خان، الخبير الأفغاني المقيم في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، متحدثاً عن الملا أخوند: «إنه بالتأكيد أحد مؤسسي (حركة طالبان)».
ووفق المصادر، تعود صداقة الملا حسن أخوند مع الملا عمر إلى سن المراهقة، وإن كان أخوند، البالغ حالياً نحو 71 سنة، أكبر سناً من الملا عمر. هذا وتلقى أخوند تعليمه في مدارس دينية مختلفة في أفغانستان، لكن لم يتلقَ أي تعليم داخل باكستان. ثم إنه لم يستطع إكمال تعليمه بسبب انخراطه في القتال ضد القوات السوفياتية. لكن ثمة إجماعاً على أنه واحد من الأشخاص الثلاثة الذين تصوّروا فكرة «تنظيم طالبان». ومن جانب آخر، شغل الملا أخوند منصب وزير خارجية حكومة «طالبان» السابقة لفترة من الوقت، وقيل إنه لعب دوراً فاعلاً في تطوير العلاقات الدبلوماسية مع باكستان وبعض الدول العربية والإسلامية.
عندما سيطرت «طالبان» على كابل في منتصف عام 1996، شكلت الميليشيا أول حكومة لها بقيادة الملا ربّاني الذي توفي بعد سنوات قليلة من إصابته بالسرطان. وبالتالي، حلّ الملا حسن أخوند محل الملا رباني وظل رئيساً للوزراء لمدة 5 سنوات. وبناءً على اقتراح أخوند، اعتادت «طالبان» الإشارة إلى حكومتها على أنها «حكومة انتقالية»، لأن التنظيم حينها لم يكن ناجحاً في بسط السيطرة على أفغانستان بأكملها.

- سيطرة ومكانة وتشدّد
وحقاً، ظل الملا أخوند محكماً سيطرته على «طالبان» على امتداد السنوات الـ20 التي شهدت وجود القوات الأميركية في أفغانستان، وكان زعيماً لـ«مجلس شورى رهباري» (أي «القيادة الشورية العليا»)، التي هيأت صنع القرارات الرئيسة التي كانت تُصدر التوجيهات لحركة التمرد المناهضة للوجود الأميركي في أفغانستان. ويقال إنه في أحلك الفترات، كان يمضي كثيراً من الوقت داخل أفغانستان، عندما كان يقيم معظم قادة «طالبان» داخل أراضي باكستان، إما في مدينة كويتا (الجنوب الغربي) أو بيشاور (الشمال الغربي).
وبعد مقتل الملا منصور في غارة بطائرة مسيّرة من دون طيار، أصبح الملا هيبة الله زعيماً لـ«طالبان»، حتى هذا التاريخ، ظل أخوند مساعداً مقرباً ومستشاراً لهيبة الله. وما يستحق الإشارة هنا أن «مجلس شورى رهباري» كان قد طلب من أخوند أن يغدو أميراً لـ«طالبان» بعد وفاة الملا عمر، ومرة أخرى بعد وفاة الملا منصور، لكنه رفض في المرتين. ومع ذلك، أحكم أخوند بحزم قبضته على الهيكل التنظيمي لـ«طالبان».
في هذا الصدد، قال مسؤول باكستاني رفيع متحدثاً عنه: «له القول الفصل في مجلس شورى رهباري، وكان له دور فاعل في توجيه (طالبان) نحو الصداقة مع الجيش الباكستاني». ورغم ذلك، اعتاد أخوند تمضية معظم وقته داخل أفغانستان، ونادراً ما كان يزور باكستان. ولقد كانت آخر مرة زار فيها باكستان في عهد رئيس الوزراء السابق نواز شريف، عندما كان سرتاج عزيز وزيراً للخارجية.
بجانب ما تقدم، كان أخوند القيادي الوحيد الذي أراد أن تبتعد «حركة طالبان» الأفغانية عن حركة «طالبان الباكستانية» التي كانت تقاتل ضد الجيش الباكستاني في المناطق القبلية الباكستانية المتاخمة لأفغانستان. في البداية، نقل كثير من علماء الدين الباكستانيين رسالة الملا عمر (عندما كان على قيد الحياة) إلى «طالبان الباكستانية» طالبين الامتناع عن محاربة الجيش الباكستاني، لكن «طالبان الباكستانية» تجاهلت الرسالة. وبعد مقتل الملا عمر، واصلت مجموعة من قادة «طالبان» الأفغانية الضغط على «طالبان الباكستانية» من أجل الامتناع عن محاربة الجيش الباكستاني، وقال مسؤول باكستاني رفيع إن «الملا حسن أخوند كان من بين هؤلاء القادة».
مع هذا، وعلى الرغم من أن الملا أخوند شغل منصب وزير خارجية أفغانستان في الماضي، فقد عُرفت عنه قلة المرونة في كثير من القضايا الرئيسة التي تعتبرها «طالبان» حاسمة. وحسب كلام دبلوماسي باكستاني متقاعد: «أتذكر أن تمثال بوذا باميان جرى تدميره تحت إشراف الملا حسن أخوند». والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه عام 2001 دمّرت «طالبان» التمثال التاريخي الضخم المنحوت في الصخر بجبال إقليم باميان، وسط أفغانستان. وكان هذا التمثال قائماً هناك منذ العصور القديمة، وأشار إليه عدد من المؤرخين والجغرافيين الإسلاميين. وفي حينه، ناشد العالم بأسره، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، قادة «طالبان» بألا يدمّروا التمثال، لكنهم رفضوا كل النداءات ونسفوه.

- أمام التحديات المرتقبة
على صعيد آخر، من المتوقع أن تواجه حكومة الملا محمد حسن أخوند تحدياً يتمثل في الحفاظ على الإجماع الإقليمي الداعم لسيطرة «طالبان» العسكرية على كابُل، وهذا مع ملاحظة أن ردود الأفعال الإقليمية على استيلاء «طالبان» العسكري على الحكم في أفغانستان كان داعماً في الغالب.
على سبيل المثال، وصفت إيران انسحاب القوات الأميركية والأحداث اللاحقة بأنه «بشرى خير» للمصالحة الوطنية في أفغانستان. ومن جانبها، لا ترى روسيا - حتى الآن، على الأقل - أي تهديد لنفسها، أو للدول الدائرة في فلكها بمنطقة آسيا الوسطى، من استعادة «طالبان» السلطة أو تداعيات انتصاراتها العسكرية. وفي حين تسعى الصين إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع حكومة «طالبان»، يسود شعور بالبهجة أجهزة الدولة الباكستانية لتولي «أصولهم الاستراتيجية» زمام السلطة في أفغانستان.
ومن ثم، من المؤكد أن هذه الاستجابة الإقليمية مواتية للغاية لـ«طالبان» في المقام الأول، ولا سيما أن الحروب الأهلية الماضية في أفغانستان كانت دائماً ما تؤججها واحدة أو أكثر من «جارات» أفغانستان. ولكن، ما نراه اليوم أن جميع «الجارات» مرتاحة، أو هذا ما تقوله، إزاء صعود «طالبان» كقوة عسكرية مهيمنة في البلاد.
وبناءً عليه، فإن السبيل الوحيد أمام الملا أخوند وحكومته الجديدة من أجل الحفاظ على هذا الإجماع الإقليمي، يتمثل في إبقاء أعمال العنف بدايةً داخل حدود أفغانستان. وفي هذا السياق، يعلق الدبلوماسي الباكستاني المشار إليه سابقاً، قائلاً: «ترغب كلٌ من إيران والصين وروسيا في أن تسيطر حكومة (طالبان) بقوة على مصادر العنف التي يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة وتمتد إلى الدول المجاورة». وما يستحق الإشارة هنا أن باكستان تواجه مشكلات خاصة بها، أبرزها حركة «طالبان الباكستانية» التي ربما تستفيد من سيطرة «طالبان» على أفغانستان.
والتساؤل هنا؛ هل تستطيع باكستان تحمل هذه الاستجابة الإقليمية الإيجابية إزاء استيلاء «طالبان» العسكري على أفغانستان؟

- حسابات باكستانية
المعروف أن «مؤسسة» السياسة الخارجية الباكستانية تواجه مجموعة أكثر تعقيداً من تحديات السياسة الخارجية، في حين تشكل أفغانستان مجرد قطعة واحدة من أحجية التحديات القائمة. ومن ثم، بينما لا يمكن لانتصار «طالبان» أن يقلل أهمية الجوانب الأخرى لسياسة باكستان الخارجية، فإنه من غير المرجح أن تنجرف مؤسسة السياسة الخارجية الباكستانية بعيداً وتتصرف تحت تأثير هذا الانتصار لحلفائها الاستراتيجيين في أفغانستان.
أولاً وقبل كل شيء، يجب على باكستان الاهتمام بضمان استدامة الوضع المالي لأفغانستان، الذي يعتمد دوماً على التصويت بـ«نعم» لواشنطن في عمليات توزيع القروض لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وسيظل هذا عاملاً مهيمناً في تحديد توجهات السياسة الخارجية لأي دولة وموقعها في «رقعة الشطرنج» الجيوسياسية في إطار صراعات القوى الإقليمية في المستقبل المنظور.
من ناحيتها، لا تستطيع باكستان تحمل تكاليف الانضمام إلى الجهود الإقليمية التي تقودها دول مثل روسيا والصين وإيران التي تبدو وكأنها تتحرك في اتجاه استبعاد واشنطن تماماً من التأثير على الأحداث في أفغانستان وآسيا الوسطى. والمعروف أن الصين وروسيا تعارضان بشدة أي تحرك لتقديم قواعد للقوات الأميركية في آسيا الوسطى. وفي الوقت ذاته، من المقرر أن تنسحب القوات الأميركية بالكامل من أفغانستان خلال الأشهر المقبلة.
وعلى الصعيد السياسي، مُني أتباع واشنطن، بلا شك، بهزيمة مريرة ومباشرة في الصراع على السلطة في أفغانستان، كما تعاني القوات الموالية لواشنطن من حالة فوضى كاملة. أما «طالبان»، التي تتصدّر المشهد السياسي الأفغاني، فتتمتع بعلاقات قوية للغاية مع «المؤسستين الأمنيتين» الإيرانية والروسية. ولقد أعرب خبراء عن اعتقادهم بأن قادة «طالبان» يتشاورون بانتظام مع المسؤولين الروس والإيرانيين قبل اتخاذ أي خطوة كبرى أو اتخاذ مسار جديد.
وهنا، من بين المؤشرات التي تُظهر أن إسلام آباد ليست مستعدة بعد للانفصال التام عن واشنطن فيما يخص أفغانستان، آخر تعليق من وزارة الخارجية الباكستانية حول الوضع الأفغاني الذي أورد أنه «من المناسب ذكر حقوق الإنسان وحقوق المرأة باعتبارهما عاملين حاسمين في صياغة التوجه إزاء الحكومة الأفغانية الجديدة».
في المقابل، حقوق الإنسان وحقوق المرأة لا يشكلان عاملاً بارزاً في السياسات المعلنة لأي من دول المنطقة، بما في ذلك روسيا والصين وإيران تجاه «طالبان»، وهو ما يعني بوضوح أن هذا الأمر يتعلق حصراً بواشنطن و«أبناء عمومتها» الغربيين. وبالتالي، من الصعب توقع أي مدى ستمضي إسلام آباد فيه على طريق تنفيذ بيانها بشأن حقوق الإنسان والمرأة، وإن بدا في الوقت الراهن أن إسلام آباد غير مستعدة أو جاهزة لتجاهل قلق واشنطن على نحو كامل. وأما الأمر المؤكد فهو أنه حال التزام قيادة «طالبان» نهجاً متشدداً... سيصعب عليها وعلى حكومتها الجديدة التعامل بنجاح مع مثل هذه التعقيدات الدبلوماسية.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،