أميركا تحذر من حرب أهلية في أفغانستان وعودة «القاعدة»

«طالبان» تتقدم في بنجشير... وتضع اللمسات الأخيرة على نظام حكمها الجديد

مقاتل يشتبه في انتمائه لتنظيم «داعش» يجلس معصوب العينين داخل عربة تابعة لـ«طالبان» في كابل أمس (رويترز)
مقاتل يشتبه في انتمائه لتنظيم «داعش» يجلس معصوب العينين داخل عربة تابعة لـ«طالبان» في كابل أمس (رويترز)
TT

أميركا تحذر من حرب أهلية في أفغانستان وعودة «القاعدة»

مقاتل يشتبه في انتمائه لتنظيم «داعش» يجلس معصوب العينين داخل عربة تابعة لـ«طالبان» في كابل أمس (رويترز)
مقاتل يشتبه في انتمائه لتنظيم «داعش» يجلس معصوب العينين داخل عربة تابعة لـ«طالبان» في كابل أمس (رويترز)

تقدم مقاتلو «طالبان» في ولاية بنجشير، آخر جيب للقوات المناهضة، في وقت رجح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي الجنرال مارك ميلي وقوع حرب أهلية مستقبلاً في أفغانستان.
وإثر هزيمتها الخاطفة للجيش الأفغاني الشهر الماضي والاحتفالات بمغادرة آخر الجنود الأميركيين الاثنين الماضي بعد 20 عاما من الحرب، تسعى «طالبان» لسحق قوات المقاومة التي لا تزال تدافع عن وادي بنجشير. ويُنتظر أن تضع «طالبان» اللمسات الأخيرة على شكل نظامها الجديد، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرتها السريعة على كابل التي يشير محللون إلى أنها شكلت مفاجأة للحركة المتشددة ذاتها.
إلا أن كبير الجنرالات الأميركيين حذر من وقوع حرب أهلية وإمكانية عودة ظهور تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من الجماعات الإرهابية في هذا البلد.
وأدلى ميلي بهذه التصريحات في قاعدة رامشتاين الأميركية في ألمانيا، خلال رد على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة باتت أكثر أماناً بعدما سحبت الولايات المتحدة كل قواتها من أفغانستان. وقال إن «تقديري العسكري هو أن الظروف يحتمل أن تتطور إلى حرب أهلية»، مضيفاً «لا أعرف ما إذا كانت (طالبان) ستكون قادرة على توطيد سلطتها وإقامة حكمها - ربما يستطيعون، وربما لا». واستطرد أن «هناك على الأقل احتمالاً كبيراً لوقوع حرب أهلية أوسع، وهذا بدوره سيؤدي إلى ظروف قد تؤدي في الواقع إلى إعادة تشكيل (القاعدة) أو نمو (داعش) أو غيرهما من الجماعات الإرهابية التي لا تعد ولا تحصى»، مؤكداً أن المسؤولين الأميركيين «لا يعرفون بعد على وجه اليقين مصير أفغانستان».
وعندما سئل ما إذا كان بإمكانه تصور وضع يتعين فيه على القوات الأميركية العودة إلى أفغانستان، أجاب ميلي أنه سيكون ذلك «خياراً سياسياً صعباً للغاية»، مضيفاً «لن أقول نعم أو لا لأي شيء في الواقع. أعتقد أنه من السابق لأوانه قول أي شيء من هذا القبيل في هذه المرحلة». وأكد أن على المسؤولين الأميركيين «مواصلة مراقبة الوضع الاستخباري».
وجاءت تصريحات الجنرال ميلي بعدما دبت الفوضى خلال أغسطس (آب) الماضي في سياق الانهيار السريع للحكومة الأفغانية مع تقدم حركة «طالبان» للسيطرة على البلاد. وصار الانسحاب فوضوياً بعد سيطرة «طالبان». وتخلل إنهاء التدخل العسكري الأميركي أعمال عنف وتفجير ووفيات وأعمال يأس من جانب المواطنين الأفغان الذين يرغبون في الفرار من البلاد.
ويشعر المسؤولون والمشرعون في الولايات المتحدة بالقلق من أن أفغانستان يمكن أن تكون بؤرة للإرهابيين بعد انسحاب الولايات المتحدة بالنظر إلى أنه لم يعد هناك وجود عسكري أميركي أو حلفاء على الأرض.
وأكدت «طالبان» أنها تغيرت منذ حكمها السابق في أواخر التسعينات من القرن الماضي، مشيرة إلى أن الجماعة لن تلاحق الأعداء وستحترم حقوق المرأة في ظل الإطار الإسلامي، لكن الكثيرين في المجتمع الدولي وفي أفغانستان نفسها لا يزالون متشككين في هذه الالتزامات.
ودافع الرئيس الأميركي جو بايدن عن قراره بسحب القوات من أفغانستان، بحجة أنه لا يريد إطالة الحرب المستمرة منذ فترة طويلة بالفعل في البلاد. وقال: «إلى أولئك الذين يطالبون بعقد ثالث من الحرب في أفغانستان، أسأل: ما هي المصلحة الوطنية الحيوية؟ من وجهة نظري، لدينا واحدة فقط: للتأكد من عدم استخدام أفغانستان مرة أخرى لشن هجوم على وطننا». وأدلى ميلي بتوقعات مماثلة أمام مجلس الشيوخ في أغسطس الماضي، محذراً المشرعين من احتمال صعود الجماعات الإرهابية في أفغانستان وسط سيطرة «طالبان» على البلاد.
وتعهد قادة أفغانستان الجدد بالحكم بطريقة أكثر تساهلا من ولايتهم الأولى التي جاءت أيضا بعد سنوات من النزاع تمثل أولا باجتياح القوات السوفياتية البلاد سنة 1979 أعقبته حرب أهلية. ووعدت بحكومة «شاملة للجميع» تمثل تركيبة أفغانستان العرقية المعقدة، رغم أنه من المستبعد أن تتولى النساء أي مناصب عليا.
لكن وعودها وقعت على أذن صماء في بنجشير، وهو واد وعر شمال كابل صمد لنحو عقد في وجه الاحتلال السوفياتي ومن ثم خلال ولاية «طالبان» الأولى من العام 1996 حتى 2001.
وأفاد المسؤول في «طالبان» بلال كريمي أمس بوقوع مواجهات عنيفة في بنجشير. وفيما أكد عناصر المقاومة الأفغانية قدرتهم على إبعاد مسلحي الحركة، حذر محللون من أن قوات المعارضة تواجه صعوبات.
وذكرت وكالة الإغاثة الإيطالية «إميرجنسي» (طوارئ) أن قوات «طالبان» وصلت إلى قرية أنابة، حيث تدير الهيئة مركزا للعمليات الجراحية. وأفادت «إميرجنسي» في بيان السبت أن «العديد من الأشخاص هربوا من قرى في الأيام الأخيرة»، مضيفة أنها تواصل تقديم الخدمات الطبية وتعالج «عددا صغيرا من المصابين». وتقع أنابة على بعد نحو 25 كلم شمالا داخل الوادي البالغ طوله 115 كلم، لكن تقارير غير مؤكدة أشارت إلى أن «طالبان» استولت على مناطق أخرى كذلك.
وقال مدير تحرير «لونغ وور جورنال» ومقرها الولايات المتحدة بيل روجيو أمس الأحد إن الوضع لا يزال «ضبابيا بالنسبة للمقاتلين» وسط تقارير غير مؤكدة بأن «طالبان» انتزعت عدة مناطق، لكن الوضع «يبدو سيئا».
ويشير كل طرف إلى أنه كبد الآخر خسائر كبيرة. وأفاد روجيو أمس بأن «جيش (طالبان) اكتسب خبرة خلال 20 عاما من الحرب ولا مجال للشك في أن (طالبان) تدربت كجيش»، مضيفا أن «النصر غير مرجح» بالنسبة لقوات المقاومة في بنجشير. وأكد أن «جيش (طالبان) حصل على كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة بعد الانسحاب الأميركي وانهيار الجيش الوطني الأفغاني».
بدوره، حذر نائب الرئيس السابق أمر الله صالح، الموجود في بنجشير إلى جانب أحمد مسعود (نجل القيادي التاريخي المناهض لـ(طالبان) أحمد شاه مسعود)، من وضع قاتم. وتحدث صالح في بيان عن «أزمة إنسانية واسعة النطاق» مع آلاف «النازحين جراء هجوم (طالبان)».
ويوفر وادي بنجشير، المحاط بقمم جبلية وعرة تغطيها الثلوج، ميزة دفاعية طبيعية، إذ يمكن المقاتلين من التخفي في وجه القوات المتقدمة لشن كمائن لاحقا من المرتفعات باتجاه الوادي.
واجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان وأطاحت بأول نظام لـ«طالبان» عام 2001 غداة اعتداءات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم «القاعدة»، فيما كانت كابل توفر له ملاذا آمنا. وتخشى الحكومات الغربية من احتمال تحول أفغانستان مجددا إلى ملاذ للمتطرفين الساعين لشن هجمات.
وأكدت الولايات المتحدة أنها ستحتفظ بحقها في ضرب أي تهديدات لأمنها في أفغانستان. ويتأقلم المجتمع الدولي مع حقيقة أنه سيتعين عليه التعامل مع نظام «طالبان» الجديد دبلوماسيا.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».