هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

قراءة في المشهد الإقليمي بعد الانسحاب الأميركي

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟
TT

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

مع انتهاء الحرب في أفغانستان رسمياً وانسحاب الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية تاركة وراءها كميات ضخمة وثمينة من المعدات والآلات العسكرية بمليارات الدولارات وتولي جماعة «طالبان» المسؤولية، فإن السؤال الحقيقي الذي يمكن طرحه الآن هو مَن كان المنتصر الحقيقي في هذه «اللعبة» الدامية؟
مما لا شك فيه أن المحللين ومراكز الفكر تحدثوا بكثير من صراحة عن «الهزيمة المهينة» للولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها. بيد أن هؤلاء طرحوا كذلك تقييمات للمكاسب والخسائر التي يلحقها – أو قد يلحقها - استيلاء «طالبان» على السلطة بالعديد من الأطراف المعنية في المنطقة، وبالأخص باكستان والصين، وهما الدولتان «الجارتان» اللتان تزعمان أن الصداقة بينهما أقوى من كل الظروف.
يرى مراقبون أن انتصار حركة «طالبان» يحمل أخباراً سعيدة للمؤسسة الأمنية والسياسية الباكستانية، ويرتبط هذا الانتصار الأخير بصلات تاريخية مع إسلام آباد وصراعها ضد السوفيات. واللافت، أنه حتى رئيس وزراء الباكستاني، عمران خان، بدا عاجزاً عن إخفاء فرحته باستيلاء «طالبان» على كابُل، وخرج على الملأ ليعلن أن أفغانستان بذلك «كسرت أغلال العبودية».
راهناً، يعكف صانعو السياسة في إسلام آباد بجد لتطوير الشرعية الدولية للحكومة الأفغانية الجديدة. وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي جولة عبر الدول المجاورة لأفغانستان، وبالتحديد، تاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران؛ سعياً لحشد الدعم للاعتراف بحكومة «طالبان». كذلك، حذر مؤيد يوسف، مستشار الأمن الوطني الباكستاني، خلال مقابلة أجرتها معه الصحافية كريستينا لامب من صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في وقت قريب، من أن الغرب يجازف بوقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) جديدة ما لم «يعترف على الفور» بـ«طالبان». ومع ذلك، تراجع عن هذا التصريح لاحقاً، في الوقت الذي نفت لامب مزاعم يوسف بشأن «سوء توصيف تصريحاته»، مؤكدة أن المقابلة مسجلّة.
- دور باكستان المزعوم
من جهة أخرى، هناك اعتقاد يسود أوساط المؤسسات الدبلوماسية والاستخباراتية في مختلف أنحاء العالم بأن انتصار «طالبان» ما كان ليتحقق من دون مساعدة فاعلة من باكستان. وفي هذا السياق، غرّد محمود سيكال، نائب وزير خارجية أفغانستان السابق والسفير لدى الأمم المتحدة وأستراليا، عبر «تويتر» هذا الأسبوع، قائلاً، إن باكستان خلقت «طالبان» في محاولة للتصدي للهند، مستشهداً في ذلك بتصريح للرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف.
وأشار سايكال أيضاً إلى ورقة بحثية بعنوان «شمس في السماء: العلاقة بين وكالة الاستخبارات الباكستانية والمتمردين الأفغان» وضعها مات والدمان من مركز كار لسياسات حقوق الإنسان التابع لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد. ثم قال في تغريدة لاحقة «فقط سياسة الضغط - العقوبات والتقارب على أساس شروط مع باكستان يمكن أن حدث تغييراً إيجابياً حقيقياً في أفغانستان ويحافظ على السلام والأمن الدوليين». وأردف، إن تقريراً جديداً صدر عن الأمم المتحدة يكشف العلاقات التكافلية بين تنظيمات «داعش - خراسان» وحركة «طالبان» و«القاعدة».
من ناحيته، صرح الجنرال ديفيد بتريوس، المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لـ«إن بي آر» في وقت سابق من الشهر، بأن عودة «طالبان» لم تكن لتتحقق لولا مساندة الداعم الرئيس للجماعة المسلحة... باكستان. وتبدو استجابة باكستان لانهيار الحكومة الأفغانية منسقة للغاية مع «طالبان»، إن لم يكن متفقاً عليها. وينبع هذا الاعتقاد من العلاقة الطويلة بين باكستان و«طالبان»، منذ مولد الجماعة المسلحة عام 1994، ودعم باكستان لاستيلائها المرة الأولى على السلطة في أفغانستان عام 1996، ووصولاً إلى إيواء مقاتليها وقادتها في أعقاب الغزو الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر، رغم ادعاء باكستان في الوقت ذاته دعمها للولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب».
على صعيد متصل، انضم إلى الاحتفالات بسيطرة «طالبان» على أفغانستان غالبية وسائل الإعلام الباكستانية والمسؤولون العسكريون المتقاعدون، وحتى مسؤولون بارزون في حزب عمران خان الحاكم، بجانب سخريتهم من الهند للهزيمة التي مُنيت بها في أفغانستان. وشارك كثيرون منهم في نشر مقابلة مع رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية السابق، الجنرال حميد غول، الذي يعتبر «الأب الروحي» لجميع الحركات المقاتلة يتحدث فيه عن «طالبان» ويسلط الضوء على قيم المساواة داخل الجماعة.
في الواقع، كان حميد غول مغرماً بالتباهي بأنه «عندما تجري كتابة تاريخ أفغانستان، فإنه سيسجل أن وكالة الاستخبارات الباكستانية، بمساعدة الولايات المتحدة، هزمت الاتحاد السوفياتي». وعلى هذا، علقت الصحافية البارزة نيروباما بالقول «لقد كان (الجنرال غول) محقاً في القول، إن تكتيك وكالة الاستخبارات الباكستانية في رعاية المسلحين والإرهابيين - الذين جرى تسليحهم وتزويدهم بالعتاد وتمويلهم من قِبل الولايات المتحدة - ضد الجيش الروسي في أفغانستان أجبر الكرملين على الانسحاب بشكل مخزٍ».
- العلاقة العميقة بـ«طالبان»
أدى غضب واشنطن بعد 11 سبتمبر إلى الإطاحة بـ«طالبان» ونفي أسامة بن لادن، الذي اختبأ في باكستان. أما القيادة السياسية لـ«طالبان» فاحتشدت داخل مدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني، والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية بشكل عام. ومن ثم، تحولت مناطق جنوب وشمال وزيرستان إلى ما يشبه الباب الدوار لمقاتلي «طالبان» الأفغانية و«شبكة حقاني» المرتبطة بها، إلى جانب «القاعدة» ومجموعة من الجماعات المقاتلة الأخرى، وعبر هؤلاء المقاتلون من وإلى أفغانستان كما يحلو لهم.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور شاشي ثارور، وزير الدولة الهندي السابق للشؤون الخارجية، والنائب البرلماني في الوقت الحالي «مع سأم واشنطن من التخبط في المستنقع اللامتناهي في أفغانستان، ومعاونة وكالة الاستخبارات الباكستانية عملاءها من (طالبان) على إعادة تسليح أنفسهم وإعادة تنظيم صفوفهم واستئناف عملياتهم ضد النظام المدعوم من الولايات المتحدة في كابُل، تحوّل المشهد العام لصالح باكستان». وأردف ثارور «كانت الولايات المتحدة على علم بذلك، لكن حاجتها إلى باكستان كساحة خلفية لوجستية للحرب في أفغانستان كانت كبيرة، لذلك لم تضغط على الجيش الباكستاني بما يكفي للعمل ضد مثل هذه الملاذات الآمنة للمسلحين».
- تحديات رغم الابتهاج
ومع ذلك، يعتقد كثيرون أنه على الرغم من ابتهاج باكستان بنجاح «طالبان» في ضوء نظرية «العمق الاستراتيجي» ضد الهند، فإن القيادة الباكستانية ستواجه صعوبة في ترويض الحركة. وفي هذا السياق، أعرب المحلل الأمني الهندي الميجور غوراف آريا عن اعتقاده بأنه «طوال السنوات، كانت باكستان تؤوي «طالبان» ، ولم تسمح الدولة الباكستانية لـ«طالبان» باتخاذ قرار محاورة الحكومة الأفغانية أو الولايات المتحدة من دون موافقتها. وأخطأ زعيم «طالبان» الملا عبد الغني برادر في التواصل مع حامد كرزاي بشكل مستقل، إبان رئاسة الأخير لينتهي به الحال إلى الاحتجاز في أحد سجون باكستان. ثم إن مقاتلي «طالبان» يعرفون جيداً مَن دفع رفاقهم إلى خليج غوانتانامو - حيث لم يعد البعض منهم حتى الآن. ودعونا نقتبس هنا من الغلاف الخلفي لكتاب لسيرة الذاتية للجنرال مشرف، المكتوبة عام 2006 عندما كان لا يزال في منصبه «لقد أسرنا 672 وسلمنا 369 إلى الولايات المتحدة. وكسبنا مكافآت بلغ مجموعها ملايين الدولارات».
وأضاف المحلل الهندي «لا يمكن أن تتلاشى هذه الذكريات بسهولة، على الرغم من أن المنتصر حديثاً قد لا يطيل التفكير في مثل هذه الأمور في الوقت الحالي». وتابع «(طالبان) تتحدى بالفعل مصالح باكستان. على سبيل المثال، شعرت إسلام آباد بالإحباط بسبب إحجام (طالبان) عن التحرك ضد الآلاف من مقاتلي (طالبان باكستان) في شرق أفغانستان». وقال المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد، إن على إسلام آباد التعامل مع «طالبان باكستان»؛ لأن هذه الجماعة ليست مشكلتهم. ويتضح من تصريحات المتحدث باسم «طالبان» أن الحركة لن تظل دمية في يد باكستان. ولذا؛ قد تواجه باكستان مثل أي دولة أخرى في المستقبل نفس التهديد من «طالبان».
أكثر من هذا، في صدمة لباكستان، أدلى قادة من «طالبان» بعدد من التصريحات الإيجابية إزاء الهند. وكمثال، شدد شير محمد ستانيكزاي، رئيس اللجنة السياسية لـ«طالبان»، على اهتمام الحركة بمواصلة الشراكة مع الهند سياسياً واقتصادياً. ونشير هنا إلى أن شير محمد - المعروف شعبيا باسم «شيرو» في الدوائر العسكرية الهندية – كان قد تدرب في أكاديمية عسكرية هندية باعتباره مجنداً في الجيش الأفغاني إبان فترة حكومة نجيب الله، قبل أن يحوّل ولاءه إلى «طالبان». ومن اللافت أن «طالبان» أكدت للهند مرة أخرى أنها ستعالج مخاوف نيودلهي إزاء الأنشطة «المعادية للهند» والإرهاب على نحو إيجابي، وذلك خلال اجتماع بين السفير الهندي لدى قطر ديباك ميتال وشير محمد في السفارة الهندية بالدوحة.
ووفق المحلل الباكستاني قمر شيما، الذي يدير قناة على «يوتيوب»، «ثمة مشكلة أخرى وشيكة، هي أنه بعد استقرار (طالبان) في السلطة، ستطفو قضية الحدود الباكستانية - الأفغانية وخط دوراند من جديد على السطح. وثمة شعور داخل باكستان بأن (طالبان) لن تفعل الكثير لتبديد المخاوف الاستراتيجية لباكستان. ومثل الحكومات الأفغانية السابقة، رفضت (طالبان) الاعتراف بخط دوراند كحدود دولية بين أفغانستان وباكستان. بل وأعلنت (ذراع) «طالبان) الأفغانية في باكستان، حركة (طالبان باكستان)، أنها تقاتل من أجل أفغانستان أكبر».
- مصالح الصين وباكستان
من جهة أخرى، منذ استيلاء «طالبان» على كابُل، كثفت الصين وباكستان اتصالاتهما وسط شعور بالبهجة تجاه «الهزيمة المهينة» للولايات المتحدة. ويذكر أن سفاراتي البلدين تعملان بشكل كامل في أفغانستان. ومع اعتماد «طالبان» الأفغانية على إسلام آباد في حشد دعم جيرانها نيابة عنها، يرى البعض أن نظام «طالبان» في كابُل قد يعني أن أفغانستان قد تسقط في «فلك» باكستان، وبالتبعية... الصين.
في هذا الشأن، يمكن الرجوع إلى البيان الأخير للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، التي صرحت يوم 19 أغسطس (آب) الماضي بأنه يتوجب على المجتمع الدولي «الحكم على حركة (طالبان) الأفغانية بموضوعية». وأضافت، أن «طالبان» «لن تكرر الماضي، وهم الآن أكثر حكمة وعقلانية»، مقارنة بآخر مرة حكموا فيها أفغانستان وفي وقت سابق، استضافت بكين كبار قادة «طالبان» وسط اهتمام إعلامي كبير.
وفي المقابل، قال غوتام موخوبادهايا، سفير الهند السابق لدى كابُل، إنه «بعد تعرضها لانتقادات واسعة النطاق بشأن أصل فيروس (كوفيد – 19)، اغتنمت الصين فرصة إذلال الولايات المتحدة إثر (هزيمتها) المتمثلة بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان». من وجهة نظر بكين، فإن تعثر القوات الأميركية في أفغانستان له فوائد جيوسياسية كبيرة للغاية. ويعتقد البعض أن اعتماد «طالبان» على باكستان سيسمح للصين بتوسيع «مبادرة الحزام والطريق» الطموحة لتشمل أفغانستان. أما بكين، فيمكنها رد الجميل من خلال استخدام سلطتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للدفاع عن نظام «طالبان» في كابُل. وتعد حقيقة أن حركة «طالبان» تجلس الآن على كنز معادن يقدّر بتريليون دولار - خاصة الاحتياطيات الضخمة من الليثيوم - مصدر تفاؤل لدى كل من إسلام آباد وبكين. ومن المهم أيضاً أن نذكر هنا جهود الصين الحثيثة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وللعلم، فالصين ليست المشتري الرئيسي لنفط الشرق الأوسط فحسب، بل تمكنت شركات التكنولوجيا الصينية كذلك من تطوير شراكات استراتيجية مع عدد من أبرز دول المنطقة أيضاً».
بناءً عليه، يبدو واضحاً أن بكين ترى مخاطر وفرصاً واعدة وراء عودة «طالبان» إلى السلطة. ومع ذلك، يبقى لدى بكين مخاوف مشروعة من إمكانية تحول أفغانستان مرة أخرى إلى نقطة انطلاق للإرهابيين بسبب الروابط التاريخية لـ«طالبان» مع الجماعات المتشددة، بما في ذلك «الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية»، التي تضم قوى إسلامية من شعب الأويغور الثائر ضد الحكم الصيني، والذين تتهمهم بكين بشن «الهجمات الإرهابية» في إقليم سنكيانغ (تركستان الشرقية).
ومع أن الملا عبد الغني برادر، أحد مؤسسي «طالبان»، أكد لوزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال زيارته للصين، الشهر الماضي، بأن «طالبان» لن تسمح للمقاتلين الأجانب بالعمل من داخل أراضي أفغانستان. تبقى بكين غير مقتنعة وغير مطمئنة. ثم إنه في الشهر الماضي فقط، قُتل تسعة عمال صينيين في تفجير انتحاري داخل باكستان، وألقت إسلام آباد في وقت لاحق باللوم على حركة «طالبان باكستان» عن الهجوم.
- ما هو خط دوراند؟
> جرى ترسيم «خط دوراند» لأسباب استراتيجية بريطانية بحتة، ويخترق هذا قلب أراضي الباشتون... أكبر المكوّنات الأفغانية. ومن جانبها، لم تقبل أفغانستان، الدولة التي أسسّها الباشتون (الباثان أو الأفغان) في منتصف القرن الميلادي الثامن عشر، قط هذه الحدود. وعندما أسدل الستار عن الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية، عام 1947، رفضت الحكومة الأفغانية في البداية الاعتراف باستقلال باكستان ما لم تتخل باكستان عن «خط دوراند» وتسلم أراضي الباشتون إلى أفغانستان. وما كان مستغرباً أن ترفض باكستان ذلك.
وهكذا، واصلت الحكومات الأفغانية المتتالية رفض الاعتراف بـ«خط دوراند» كحدود قانونية، وحاولت من وقت إلى آخر إثارة النزعة الانفصالية الفئوية الباشتونية داخل باكستان.
ورداً على ذلك، حاولت باكستان على امتداد 70 سنة تقريباً إما التأثير على أفغانستان أو إضعافها من خلال مزيج من الضغوط الاقتصادية والإغراءات مع دعم عمليات التمرد داخل أفغانستان.
ومن ثم، شكلت هذه الاستراتيجية دافعاً رئيسياً وراء توفير باكستان الملاذ لـ«طالبان» الأفغانية، تماماً كما في الثمانينات (بالتحالف مع الولايات المتحدة). وكانت كذلك أحد الحوافز وراء الدعم الباكستاني لـ«المجاهدين» الأفغان ضد الدولة الشيوعية الأفغانية وداعميها السوفيات.
والمفارقة اللافتة، أنه على الرغم من هذا الدعم والمأوى الباكستاني، كانت القومية الأفغانية سبباً وراء رفض قيادة «المجاهدين» الأفغان و«طالبان» الأفغانية على نحو قاطع الاعتراف بـ«خط دوراند».
- نقطة الاشتعال في بلوشستان
> تواجه الحكومات الباكستانية حركة تمرد داخل إقليم بلوشستان الممتاد على الحدود الجنوبية لأفغانستان، منذ تأسيس باكستان عام 1947. ويذكر أن ميناء غوادر الشهير الذي بنته الصين يقع في هذا الإقليم. وتتضمن أسباب الصراع المشتعل بين بلوشستان وباكستان المشاعر القومية العرقية القوية في الإقليم، جنبا إلى جنب مع مشاعر الإقصاء الاقتصادي والسياسي.
وتتهم باكستان منذ زمن الهند باستغلال مشاعر متمردي بلوشستان ضدها، وتزعم أنها وفرت ترسانة لمهاجمة المصالح الباكستانية.
يقع إقليم بلوشستان في جنوب غربي باكستان ويشكل نصف إجمالي أراضي باكستان. ومع أن سكان الإقليم المتاخم لأفغانستان لا يشكلون سوى 3.6 في المائة من إجمالي سكان باكستان، يحظى الإقليم بأهمية استراتيجية كبيرة بسبب التركيز العالي للموارد الطبيعية فيه، بما في ذلك الغاز والنفط والنحاس والذهب. كما أنه رغم وفرة الموارد الطبيعية فيه، لا يزال بلوشستان أفقر أقاليم باكستان.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».