غداة إحالته إلى البرلمان... جدل حول قانون «خدمة العَلم» الإلزامية في العراق

TT

غداة إحالته إلى البرلمان... جدل حول قانون «خدمة العَلم» الإلزامية في العراق

أثار قانون الخدمة العسكرية، أو ما يعرف في العراق بـ«خدمة العَلم» الإلزامية، الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان، أول من أمس، لمناقشته وإقراره، جدلاً واسعاً ومتوقعاً في العراق، وسبق أن ثار الجدل ذاته حين أعلن عن كتابته قبل أكثر من عام.
وانقسمت البلاد بين رافض بشدة ومؤيد بشدة للمشروع الذي غاب عن البلاد بعد عام 2003؛ إذ تحول أفراد الجيش إلى مجموعة متطوعين بما يشبه عقود العمل مع وزارة الدفاع.
وشهد العراق أولى محاولات فرض التجنيد الإلزامي خلال الحكم العثماني نهاية القرن التاسع عشر، ثم تحول الأمر إلى تطوع اختياري إبان العهد الملكي في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، ليتحول بعد ذلك تدريجيا إلى فرض التجنيد على الشباب في عمر 18 عاماً، واستمر هذا السياق حتى عام 2003.
وعدّ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن إقرار «خدمة العَلم» سيكرّس القيم الوطنية بين الشعب.
وقال الكاظمي في تدوينة عبر «تويتر» بعد إرسال قانون الخدمة الإلزامية إلى البرلمان: «أنجزنا (اليوم الثلاثاء) ما تعهدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتاريخ، بإقرار (خدمة العَلم) التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا».
ويطرح المؤيدون للقانون الجديد مجموعة أفكار حول أهميته، منها أنه «سيسهم في تلاقي أبناء البلد الواحد من مختلف المحافظات في إطار مؤسسة عسكرية رسمية، مثلما كان يحدث في السابق بدلاً عن عيش أولئك الشباب في كانتونات منعزلة؛ إذ نادراً ما يلتقي أبناء الجنوب مع أبناء المناطق الغربية والشمالية».
وهناك من يرى أن «الخدمة الإلزامية ستعوض الدولة عن الاعتماد على تشكيلات وقوات ميليشياوية غير موثوقة الولاء ولا تطيع القائد العام للجيش».
وخلافاً للقناعة التي يعبر عنها رئيس الوزراء وأعضاء حكومته والمؤيدون لهم حول القانون، فإن اتجاهات عراقية غير قليلة هاجمته بشده، وعدّوه بوابة جديدة «لعودة شريحة الشباب إلى بيت الطاعة الحكومي»، على غرار ما كان يحدث في ظل نظام البعث الديكتاتوري (1968 - 2003)، حين كان يسوق آلاف الشباب إلى الجيش وتمتد خدمتهم الإلزامية إلى أكثر من 10 سنوات، وهي المحددة بثلاث سنوات حداً أعلى، نتيجة حاجته إلى «الدماء» في حروبه العبثية.
وفضلا عن ذلك، يضع الرافضون لقانون التجنيد الإلزامي قائمة طويلة من الأسباب والاعتراضات حول القانون تصل إلى حد الذرائع الاقتصادية، وفي هذا الاتجاه تقول أستاذة الاقتصاد سلام سميسم: «خطوة غير مجدية اقتصادياً. إنه هروب إلى الأمام؛ لأن الدولة ستدفع رواتب دون إنتاج مادي، وهذه تكلفة إضافية تزيد عجز ‎الموازنة؛ لن يقابلها إنتاج، فهو زيادة ‎فجوة الموارد مقابل قلة المعروض السلعي تجاه الطلب عليه، لذا سيخلف مزيداً من التضخم والتشوه الهيكلي».
وإلى جانب الذريعة الاقتصادية التي تقدمها سميسم، هناك من يستبعد قدرة قانون الخدمة الإلزامي على تكريس مفهوم الوطنية في بلد منقسم، ويستبعد كثيرون قبول إقليم كردستان، شبه المنفصل، بالقانون. كما يستبعدون قدرة الحكومة العراقية التي تفتقر إلى «القوة والهيبة» على فرض القانون الذي لطالما مثّل أحد أكبر الكوابيس الاجتماعية بالنسبة للعراقيين، وكانت أعداد كثيرة من الجنود تقرر الهروب وعدم الالتحاق بالخدمة العسكرية حتى في ذروة الرهبة والخوف من نظام حزب البعث الحاكم قبل 2003.
ورغم التزام غالبية الكتل والأحزاب السياسية الصمت حيال تقديم القانون إلى البرلمان، فإن كثيرين يتوقعون عدم إقراره في الدورة الحالية ويرجحون تأجيل البت فيه إلى الدورة النيابية الجديدة التي ستنبثق عن انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».