الغموض يلف مصير 200 آشوري يحتجزهم «داعش».. ووساطة سرية لشيوخ عشائر

ترجيح أن «داعش» بانتظار موقف من المرجعيات الآشورية بخصوص المشاركة في المعارك

سوريتان آشوريتان بانتظار تسلم المعونة الإنسانية في الحمزية شرق بيروت بعد أن هربا مع عوائلهما من الحسكة بعد دخول «داعش» (إ.ب.أ)
سوريتان آشوريتان بانتظار تسلم المعونة الإنسانية في الحمزية شرق بيروت بعد أن هربا مع عوائلهما من الحسكة بعد دخول «داعش» (إ.ب.أ)
TT

الغموض يلف مصير 200 آشوري يحتجزهم «داعش».. ووساطة سرية لشيوخ عشائر

سوريتان آشوريتان بانتظار تسلم المعونة الإنسانية في الحمزية شرق بيروت بعد أن هربا مع عوائلهما من الحسكة بعد دخول «داعش» (إ.ب.أ)
سوريتان آشوريتان بانتظار تسلم المعونة الإنسانية في الحمزية شرق بيروت بعد أن هربا مع عوائلهما من الحسكة بعد دخول «داعش» (إ.ب.أ)

لا يزال مصير أكثر من 200 آشوري اختطفهم تنظيم داعش من قراهم في ريف الحسكة قبل 24 يوما مجهولا، في وقت يستمر فيه نزوح المئات من الآشوريين السوريين إلى لبنان كمحطة يتحضرون فيها للهجرة إلى دول أوروبا وأميركا.
وقال الأسقف يترون كوليانا، وكيل رئيس الطائفة الآشورية في لبنان، إنه يتم التداول بمعلومات عن «قرار بالإفراج عن المختطفين، إلا أننا لا نعلم إذا ما كانت الأمور ستسير بسرعة»، لافتا إلى مساع سرية يبذلها «مصلحون خيرون» أكدوا أن كل الرهائن لا يزالون بخير وعافية.
وأوضح كوليانا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن نحو 250 آشوريا لا يزالون محتجزين بعدما تم الإفراج عن 21 من أصل 271 اختطفوا شهر فبراير (شباط) الماضي. وأضاف: «بلغ مجمل عدد النازحين الآشوريين من الحسكة إلى بيروت نحو 100 عائلة، وقد أجمعوا على أنّهم وقبل عملية فرارهم سمعوا هتافات تكبير وإطلاق نار، ما دفعهم لترك منازلهم بما فيها وبالملابس التي كانت عليهم فقط».
وأشار كوليانا إلى أن معظم العائلات النازحة تستقر حاليا في منازل لأقربائها في لبنان أو لدى عائلات آشورية لبنانية قررت استضافتهم، مرجحا أن يستمر «نزف النزوح» خاصة أن نحو 800 عائلة تركت قرى ريف الحسكة وتوجه معظمها إلى المدينة. وأضاف: «مقر المطرانية في مدينة الحسكة يستضيف حاليا 200 شخص، وبالتالي نحن نتوقع كل يوم دخول أعداد جديدة من الآشوريين إلى لبنان». وينكب هؤلاء وكثيرون سبقوهم على تقديم طلبات هجرة عبر السفارات الغربية الموجودة في بيروت. وفي هذا الإطار، قال كوليانا إنّه «منذ اندلاع الأزمة في سوريا وقبل معارك ريف الحسكة، وصل نحو 1500 عائلة إلى لبنان، نزحت 300 منها إلى دول أوروبا وكندا وأميركا وأستراليا وغيرها».
ورغم أن الدولة اللبنانية سهّلت إجراءات دخول الآشوريين إلى لبنان الذين لم تطبق عليهم القرارات الجديدة التي اتخذتها الحكومة للحد من اللجوء السوري، فإن هؤلاء يلاقون صعوبات كبيرة بالتأقلم مع ظروف عيشهم الجديدة، ما يدفعهم للتفكير جديا بالهجرة.
ويبلغ عدد الآشوريين الإجمالي في سوريا نحو 30 ألفا من بين 1.2 مليون مسيحي، ويتحدرون بمعظمهم من القرى المحيطة بنهر خابور في الحسكة. أما عدد الآشوريين اللبنانيين فيبلغ 12 ألفا يعيشون في مناطق سد البوشرية والحدث وزحلة والأشرفية، وقد باتوا خائفين على مصيرهم بعد الذي حلّ بإخوانهم في سوريا.
وأشار أبو محمد، الناشط في تجمع «الرقة تذبح بصمت»، إلى أن الغموض لا يزال يلف مصير المختطفين الآشوريين، لافتا إلى أن المعطيات المتوافرة تقول بأن بعضهم موجود في الرقة وآخرين في الحسكة وقسما في الموصل. وقال أبو محمد لـ«الشرق الأوسط»: «المعلومات تشير إلى أن كل الأسرى لا يزالون على قيد الحياة، وقد تم فقط إعدام أولئك الذين كانوا في الميدان يقاتلون إلى جانب قوات حماية الشعب الكردي». وأكد أبو محمد صحة المعلومات التي تقول بوساطات يقودها شيوخ عشائر عربية للإفراج عن الآشوريين المختطفين، لكنّه قلل من قدرتهم على التأثير على التنظيم المتطرف. وقال: «لو لم يكن (داعش) هو من قرر الإفراج عن 21 من المختطفين مطلع الشهر الحالي لما تم ذلك».
وكان «داعش» بثّ في السادس من الشهر الجاري معلومات تفيد بالإفراج عن كل المختطفين، ليتبين بعدها أن لا صحة لها.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان يوم أمس إن شيوخ عشائر عربية ما زالوا يعملون بشكل غير معلن للإفراج عن المختطفين الآشوريين، معربا عن خشيته على حياتهم، بعد «الوعود الكاذبة» بالإفراج عنهم، من قبل التنظيم الذي أعدم منذ إعلان تأسيس «خلافته» نحو ألفي شخص اختطفهم وأسرهم، بينهم ما لا يقل عن 1266 مدنيا من ضمنهم 6 أطفال دون سن الثامنة عشرة.
ورجّح الكاتب والناشط الآشوري الموجود في مدينة القامشلي، سليمان يوسف، أن يكون استمرار التنظيم باختطاف الآشوريين «نوعا من العقاب» لانخراط مقاتلين آشوريين بعمليات القتال إلى جانب قوات حماية الشعب الكردي، لافتا إلى أن «داعش» قد يكون بانتظار موقف رسمي من المرجعيات الآشورية بخصوص المشاركة بالمعارك، للإفراج عن المختطفين. وقال يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «المفاوضات وإن كانت حاصلة فهي تتم بالكثير من السرية، وما يُحكى عن وساطات يقودها وجهاء عشائر ليس بالمعطى الجديد، باعتبار أن لهم يدا بالإفراج عن دفعة من المختطفين مطلع الشهر الحالي». وأشار يوسف إلى أن كل أهالي قرى الخابور من الآشوريين تركوا منازلهم وهم حاليا يعيشون في مدينة الحسكة في منازل مضيفة، نافيا أن يكون قد تم إنشاء مخيمات تؤويهم.
ويُعتبر الآشوريون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول؛ وينتمون لكنائس مسيحية سريانية متعددة، وينتشرون في العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.