يتابع الحارس الموجود في غرفة التحكم في سجن «أفين» السيئ الصيت في طهران، توقف الشاشات أمامه فجأة قبل أن تعرض شيئاً مختلفاً تماماً عن لقطات المراقبة التي كان يشاهدها.وتظهر الشاشات تعرضها لـ«هجوم إلكتروني».
ويتجمع حراس آخرون في غرفة التحكم، وهم ممسكون بهواتفهم المحمولة ويصورون، أو يجرون مكالمات عاجلة. وكتب على الشاشات عبارة «احتجاج عام حتى حرية المعتقلين السياسيين».
وقام حساب على الإنترنت، يُزعم أنه لمجموعة من المتسللين، بإرسال لقطات من الاختراق، وأجزاء من كاميرات مراقبة آخر استولى عليها، إلى وسائل إعلام عديدة في الخارج. وأفادت وكالة «أسوشيتد برس» بأن المتسللين المزعومين قالوا إن نشر مقطع الفيديو كان محاولة لإظهار الظروف القاتمة في السجن المعروف باحتجاز السجناء السياسيين، وأولئك الذين تربطهم صلات بالخارج والذين غالباً ما يستخدمون كورقة مساومة في المفاوضات مع الغرب.
وكان السجناء - وحتى الحراس - يضربون بعضهم بعضاً في المشاهد التي التقطتها كاميرات المراقبة. ينام النزلاء في غرف مفردة مع أسرة بطابقين مكدسة بثلاثة مرتفعين مقابل الجدران، ولفوا أنفسهم بالبطانيات للتدفئة. وقال المتسللون: «نريد أن يسمع العالم صوتنا من أجل حرية جميع السجناء السياسيين». ولم تعلق السلطات الإيرانية أمس رغم انتشار الفيديوهات والصور من أحدث اختراق إلكتروني، عبر المواقع ووسائل الأنباء والقنوات الناطقة بالفارسية في الخارج.
وتعمل المجموعة منذ فترة على فضح أعضاء وشبكات الهاكرز التابعة لجهاز «الحرس الثوري». وقالت قناة إيران إنترناشيونال الناطقة بالفارسية إن الوثائق التي حصلت عليها من المجموعة، كشفت هوية المسؤول عن الفريق الهجمات الإلكترونية في «الحرس الثوري» أو ما يسمى بـ«فريق الاستطلاع 13» التابع لمجموعة «شهيد كاوه» التابع لمركز القيادة الإلكترونية في «الحرس الثوري».
وكانت قناة سكاي نيوز البريطانية قد كشفت الشهر الماضي عن تقارير بحثية من 57 صفحات بشأن عمليات سرية لمجموعة «كاوه» العدائية، وتوضح أن إيران تخطط لهجمات تستهدف البنية التحتية في الدول الغربية، وشن هجمات لإغراق سفن الشحن أو تفجير محطات الوقود. وتعرضت إيران لعدة هجمات إلكترونية محرجة وسط توترات مستمرة بشأن برنامجها النووي المتسارع، ومع استمرار تعليق المحادثات مع الغرب بشأن إحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية.
قال أربعة سجناء سابقين في أفين، بالإضافة إلى ناشط إيراني في مجال حقوق الإنسان في الخارج، لوكالة أسوشيتد برس إن مقاطع الفيديو تشبه مناطق من السجن في شمال طهران. وتطابقت بعض المشاهد أيضاً مع صور السجن التقطها صحافيون سابقاً، بالإضافة إلى صور للسجن كما شوهدت في صور الأقمار الصناعية.
تُظهر اللقطات أيضاً صفوفاً من آلات الخياطة التي يستخدمها السجناء، وزنزانة حبس انفرادي، ومناطق خارجية من السجن. هناك صور لساحة في الهواء الطلق في السجن، وحمامات السجناء والمكاتب. يحمل جزء كبير من اللقطات طوابع زمنية من عام 2020 وهذا العام. تُظهر عدة مقاطع فيديو بدون ختم حراساً يرتدون أقنعة، ما يشير إلى أنهم جاءوا وسط جائحة «كورونا».
رغم عدم وجود صوت في مقاطع الفيديو، فإنها تروي العالم الكئيب الذي يواجه السجناء في السجن. يُظهر أحد المقاطع ما يبدو أنه رجل هزيل ملقى من سيارة في ساحة انتظار السيارات، ثم يتم جره عبر السجن. يظهر آخر رجل دين يسير على الدرج ويمر بجانب الرجل دون توقف.
وشوهد حراس في مقطع فيديو آخر، وهم يضربون رجلاً يرتدي أزياء السجناء. ويوجه أحد الحراس لكمة لسجين في زنزانة. كما يتقاتل الحراس فيما بينهم، كما يفعل السجناء. وتظهر مقاطع الفيديو حشر الكثير منهم في زنازين من غرفة واحدة. ولا أحد يرتدي قناع الوجه بينما هناك مخاوف على صحة السجناء من انتشار العدوى.
ويسمى الحساب الذي شارك مقاطع الفيديو مع الإعلاميين، عمليات الاختراق باسم «عدالة علي». ورأت «أسوشيتد برس» أنه يسخر من المرشد الإيراني علي خامنئي. وقالت مجموعة إن لديها «مئات» غيغا بايت من البيانات مما وصفته باختراق تم إجراؤه منذ عدة أشهر. ولم تجب عن أسئلة حول المتورطين في التسريب. وربط الحساب توقيت تسريبه بتولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مهامه وهو أبرز المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وأهمها إعدام الآلاف في عام 1988 في نهاية الحرب العراقية الإيرانية.
وكتب في الرسالة على الشاشات في غرفة التحكم في السجن «سجن أفين وصمة عار على عمامة رئيسي السوداء ولحيته البيضاء». في الأشهر الأخيرة، استهدف هجوم إلكتروني شبكة السكك الحديدية الوطنية في إيران، وأثار إرباكاً في حركة المرور. يعود بناء سجن أفين إلى 1971 في عهد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي. كان مخصصاً للسجناء السياسيين بعد ثورة 1979 التي أطاحت الشاه من السلطة.
ومن الناحية النظرية يخضع السجن لإدارة منظمة السجون الإيراني لكن يضم أيضاً وحدات متخصصة للسجناء السياسيين، ويديرها جهاز استخبارات «الحرس الثوري». وفرضت عدة عقوبات أميركية وأوروبية السجن ضمن عقوبات ضد انتهاكات حقوق الإنسان. بعد قمع المتظاهرين في أعقاب إعادة انتخاب الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد في 2009، انتهى الأمر بالعديد من المحتجين المعتقلين في أفين. دفع المشرعون في وقت لاحق للإصلاحات في أفين، بعد تقارير عن انتهاكات في السجن، ما أدى إلى تركيب كاميرات المراقبة.
استمرت المشاكل، ومع ذلك، ذكرت تقارير للمقرر الخاص للأمم المتحدة جاويد رحمن مراراً وتكراراً أن سجن أفين هو موقع لانتهاكات السجناء. وحذر رحمن في يناير (كانون الثاني) من أن السجون الإيرانية تواجه «اكتظاظاً ونقصاً في النظافة» و«عقبات لا يمكن التغلب» لمواجهة جائحة «كورونا». وكتب أن «سجناء الرأي والسجناء السياسيين أصيبوا بكوفيد، أو عانوا من أعراضه، مع حرمان العديد من الاختبارات أو العلاج أو يعانون من تأخيرات غير ضرورية في تلقي نتائج الاختبارات والعلاج».
اختراق كاميرات المراقبة يكشف ظروفاً مروعة في سجن «أفين» الإيراني
اختراق كاميرات المراقبة يكشف ظروفاً مروعة في سجن «أفين» الإيراني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة