مواجهة لا تنتهي بين الهايتيين والكوارث الطبيعية

عواصف وفيضانات تتبع زلزالاً حصد نحو 2000 ضحية

في مدينة لي كاي بدأ أكثر من مائتي شخص بناء ملاجئ هشة بملعب لكرة القدم غمرته المياه وسط رياح وأمطار متواصلة (أ.ف.ب)
في مدينة لي كاي بدأ أكثر من مائتي شخص بناء ملاجئ هشة بملعب لكرة القدم غمرته المياه وسط رياح وأمطار متواصلة (أ.ف.ب)
TT

مواجهة لا تنتهي بين الهايتيين والكوارث الطبيعية

في مدينة لي كاي بدأ أكثر من مائتي شخص بناء ملاجئ هشة بملعب لكرة القدم غمرته المياه وسط رياح وأمطار متواصلة (أ.ف.ب)
في مدينة لي كاي بدأ أكثر من مائتي شخص بناء ملاجئ هشة بملعب لكرة القدم غمرته المياه وسط رياح وأمطار متواصلة (أ.ف.ب)

يقف سكان جنوب غربي هايتي المنهكون الذين لا يملكون خياراً آخر سوى البقاء في الشوارع المهددة بالفيضانات منذ الزلزال الذي ضرب المنطقة عاجزين في مواجهة الأحوال الجوية السيئة الناجمة عن عاصفة استوائية. وإلى جانب محنة الضحايا الذين ينامون في الخارج، حملت العاصفة الاستوائية غريس، الثلاثاء، أمطاراً غزيرة.
وذكر المركز الأميركي للأعاصير، ومقره في ميامي، أن هطول الأمطار قد يتسبب في بعض الأماكن في حدوث «فيضانات كبيرة». وفي هذه الظروف، دعت السلطات الهايتية إلى «التزام أكبر قدر من الحذر» حيال المنازل المتصدعة بسبب الزلزال الذي ضرب البلاد يوم السبت الماضي التي قد تنهار تحت تأثير المطر. لكن أفقر دولة في القارة الأميركية تواجه فوضى سياسية بعد شهر على اغتيال رئيسها جوفينيل مويز، وهو ما زاد من تعقيد إدارتها. وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الثلاثاء بـ1.2 مليون شخص، من بينهم 540 ألف طفل، عدد المتضررين من الأزمة.
ففي مدينة لي كاي، بدأ أكثر من مائتي شخص بناء ملاجئ هشة في ملعب لكرة القدم غمرته المياه، وسط رياح وأمطار متواصلة. وكل هؤلاء من المنكوبين في الزلزال الذي بلغت شدته 7.2 درجة، وأدى السبت إلى تدمير عشرات الآلاف من المنازل خلال ثوانٍ. وقتل 1941 شخصاً في الزلزال، حسب حصيلة ما زالت «جزئية جداً» أعلنها الدفاع المدني الهايتي الثلاثاء. وبينما تستمر عمليات إزالة الأنقاض في المدينة، على أمل العثور على ناجين، نظمت مروحية تابعة لخفر السواحل الأميركي رحلات لنقل المرضى الذين يعانون من وضع حرج.
واستأجرت الولايات المتحدة التي أجلت نحو 40 شخصاً يحتاجون إلى علاج عاجل بـ3 مروحيات لخفر السواحل، ثماني مروحيات أخرى للجيش انطلاقاً من هندوراس لمواصلة جهود الإجلاء الطبي. وقالت القيادة الجنوبية في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، كما نقلت عنها الصحافة الفرنسية، إنه من المقرر وصول سفينة النقل «يو إس إس أرلينغتون» التابعة للبحرية الأميركية إلى هايتي الأربعاء، مع فريق جراحي. ويتم تنظيم المساعدات الطبية لآلاف الجرحى، مع ظهور غرف عمليات ميدانية في بعض المراكز الطبية في المنطقة المتضررة من الزلزال.
وفي موقع مستشفى «أوفاتما» في كايس، أنزل الجنود الأميركيون صناديق من المعدات، قبل أن ينقلوا بطائرتهم إلى العاصمة بور أو برانس رجلاً مصاباً بجروح خطيرة، وطفلاً يدعى جيريمي (سبع سنوات) حمله أحد العاملين في منظمة الإجلاء الطبي «هيرو امبولانس».
وقالت كارولين ديفيز، الممرضة في منظمة المساعدة الطبية الكندية غير الحكومية «كانيديان ميديكال أسيستانس»، التي وصلت إلى لي كاي غداة الزلزال إن «هذا الصبي الصغير يعاني من نزف دماغي قد يضر به طوال حياته. إذا تمكنا من مساعدته، فقد ينعم بطفولة طبيعية، لذلك هذه (المساعدة) تحدث فرقاً». وبعد انتظار دام يومين، يشكل هذا الدعم الدولي مصدراً للتخفيف من أعباء الفريق الطبي في مستشفى لي كاي الذي ما زال يشعر بخيبة أمل مع ذلك، لا سيما في غياب جهاز مسح (سكانر) أو أشخاص مدربين لتشغيل هذا النوع من الأجهزة.
وتبدو ماغالي كاديت (41 عاماً) بغطاء حماية الشعر من المياه منهكة، بعد 3 أيام من المحن التي اختبرتها. وقالت السيدة التي تعبت من الهزات الارتدادية التي لا تتوقف «حتى من أجل تلبية حاجتنا، ليس لدينا مكان لذلك، علينا أن نبحث في الشوارع عن مكان لنتخلص من فضلاتنا». وأضافت: «مساء أمس، احتميت بمكان قريب من الكنيسة، لكن عندما شعرنا أن الأرض تهتز مرة أخرى، ركضت للعودة إلى هنا».
وجرح نحو 9900 شخص في الهزات الأرضية وارتداداتها. وقالت السلطات إن رجال الإنقاذ انتشلوا من تحت الأنقاض 34 شخصاً أحياء خلال الساعات الـ48 الماضية. ويشعر السكان الذين يبنون على عجل ملاجئ مؤقتة بالغضب. وقالت ناتاشا لورميرا وهي تمسك قطعة خشب صغيرة بقطعة قماش ممزقة «مساء أمس، شهدنا وضعاً سيئاً: رياح ثم هطلت أمطار غزيرة. بقيت جالسة، وفي كل مرة كانت العواصف ترسل لنا المياه». وأضافت: «لا أريد أن أذهب تحت ممر أو زاوية حائط لأننا رأينا أشخاصاً يموتون تحت أجزاء من الجدران. لذلك نقرر أنه من الأفضل أن نبتل على أن نموت». ويحاول فلاديمير جيل (28 عاماً) الذي كان مبللا بالمياه زرع بضع قطع من الخيزران في عمق العشب لحماية زوجته وطفله، وقال: «بيتي مدمر، وليس لدي مكان للنوم؛ نحن بحاجة إلى غطاء بلاستيكي للنوم قليلاً بلا أمطار، لكن الدولة لا تحل أي مشكلة».
وأعلن رئيس الوزراء، أرييل هنري، حالة الطوارئ لمدة شهر في المقاطعات الأربع المتضررة من الكارثة. وما زالت إمكانية الحصول على المياه محدودة جداً في بعض الأماكن، مثل بلدة بيستيل، حيث سحق أو تضرر أكثر من 1800 صهريج، ما يثير مخاوف من تدهور الظروف الصحية. وبعد أشهر قليلة من الزلزال المدمر الذي أودى بحياة مائتي ألف شخص في 2010، أدت الإدارة السيئة لمياه الصرف الصحي في قاعدة تابعة للأمم المتحدة في هايتي إلى انتشار الكوليرا في البلاد.



75 عاماً على تأسيس «الناتو»... أزمة أوكرانيا تتصدر قمة الحلف في واشنطن

علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف «الناتو» في كييف (رويترز)
علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف «الناتو» في كييف (رويترز)
TT

75 عاماً على تأسيس «الناتو»... أزمة أوكرانيا تتصدر قمة الحلف في واشنطن

علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف «الناتو» في كييف (رويترز)
علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف «الناتو» في كييف (رويترز)

يحيي حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذا الأسبوع في واشنطن الذكرى الـ75 لتأسيسه، لكن القمة المقررة التي كان يفترض أن تعكس صورة تحالف عسكري أقوى وأكبر، تُعقد في ظل غموض بشأن أوكرانيا وبلبلة سياسية من جانبي المحيط الأطلسي، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

إثبات وحدة الصف

في هذه المناسبة سيحوّل الرئيس الأميركي جو بايدن اهتمامه عن الحملة الانتخابية العسيرة التي يخوضها بعد أدائه الكارثي في مناظرة تلفزيونية مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترمب، ليستقبل قادة دول الحلف الـ32 لثلاثة أيام اعتباراً من (الخميس).

كما يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة بعد زلزال سياسي شهدته بلاده مع صعود اليمين المتطرف الذي بات على أبواب السلطة في الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها.

وتتجه الأنظار أيضاً إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بعد الجدل الذي أثاره بقيامه (الجمعة) بزيارة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.

وتلقي هذه السلسلة من الأحداث بظلالها على المحادثات بين قادة الحلف الأطلسي خلال جلسات العمل ومأدبة العشاء الرسمية واللقاءات الثنائية على هامش القمة.

وقال مسؤول أوروبي الأسبوع الماضي، طالباً عدم كشف اسمه: «هناك الكثير من الأحاديث والشكوك على خلفية الأوضاع الداخلية لكل بلد»، وسيكون هدف القمة «تبديد هذه الهواجس».

وسيحرص قادة الحلف الذي تأسس عام 1949 بهدف تأمين دفاع مشترك بوجه الاتحاد السوفياتي والذي توسّع مؤخراً مع انضمام فنلندا والسويد على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا، على إثبات وحدة الصف.

ويبقى السؤال الكبير المطروح خلال القمة التي سيحضر إليها أيضاً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: أي رسالة يمكن توجيهها لكييف تحديداً؟

مناقشات حول انضمام أوكرانيا

يلوّح قادة الحلف باحتمال انضمام كييف مستقبلاً، وذلك منذ قمة فيلنيوس العام الماضي التي لم يحصل زيلينسكي خلالها على التزام حازم بهذا الشأن. غير أنهم غير مستعدين لإصدار دعوة فعلية للانضمام ما دامت أوكرانيا في حرب مع روسيا.

ورأى مصدر دبلوماسي أوكراني مؤخراً أن «فرص حصولنا على دعوة للانضمام إلى الحلف الأطلسي قريبة من الصفر» في ظل معارضة واشنطن وبرلين.

عوضاً عن ذلك، تتحدث الولايات المتحدة عن دعم يسمح بمد «جسر نحو الانضمام»، بناء على برنامج قوي من المساعدات والاتفاقات الدفاعية الثنائية، في حين تدعو عدة بلدان أوروبية إلى إدراج انضمام «لا رجوع عنه» في البيان الختامي.

وأقرت مصادر دبلوماسية بأن الموضوع «ما زال قيد النقاش».

وأكد مسؤول أميركي كبير أن المطلوب هو «أن تكون أوكرانيا مستعدة، مستعدة حقاً، منذ اليوم الأول، للارتباط بباقي الحلف حين يتفق الحلفاء الـ32 على انضمامها».

ومن القرارات المرتقبة تولي حلف «الناتو» تنسيق المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا، وهي مهمة تتكفل بها الولايات المتحدة حالياً.

وستكون هذه سابقة بعدما أبدى الحلفاء حتى الآن تحفظات حول كل ما يمكن أن يُفسر على أنه تصعيد مع روسيا.

كما يفترض أن يقر الحلف رسمياً دعماً عسكرياً لأوكرانيا بقيمة 40 مليار يورو (نحو 43 مليار دولار) في السنة وإمدادها بوسائل دفاع جوي جديدة، وفق ما أورد دبلوماسيون.

عين على آسيا

يدعو الأمين العام المنتهية ولايته للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ الذي سيخلفه الهولندي مارك روته في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى إضفاء طابع «مؤسساتي» على دعم الحلف.

والهدف أيضاً هو حماية الحلف من المتغيرات السياسية في ضفتي الأطلسي، في وقت يتخوف الحلفاء الأوروبيون من احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بمواقفه التي «لا يمكن التكهن بها».

واستجاب الأوروبيون في هذه الأثناء للدعوات إلى زيادة إنفاقهم العسكري، وهو ما سيشدد عليه الحلف هذا الأسبوع.

والموضوع الآخر الكبير المطروح سيكون اليد الممدودة للدول الشريكة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع دعوة قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا للمشاركة في القمة (الخميس) إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

ويحصر الحلف الأطلسي نطاق عمله جغرافياً بمنطقة أوروبا والمحيط الأطلسي، لكن الولايات المتحدة دعت مراراً الحلف للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني.

وترى دول مثل فرنسا أن لا دخل للحلف في هذه المنطقة، لكنها تدعوه إلى توسيع تعاونه من خلال الانخراط أكثر في مجالات مثل الإنترنت والفضاء والتكنولوجيا.

ومن المتوقع أن تصدر القمة إدانة حازمة للدعم الصيني لروسيا الذي يسمح برأي الدول الغربية لموسكو بالاستمرار في مجهودها الحربي.