موسكو تفكر في إنشاء منظومة إعلامية جديدة لبلدان «بريكس»

في خضم معركة بوتين مع وسائل الإعلام الغربية

وكالة «سبوتنيك»  تصور «داعش» في رسوم كارتونية
وكالة «سبوتنيك» تصور «داعش» في رسوم كارتونية
TT

موسكو تفكر في إنشاء منظومة إعلامية جديدة لبلدان «بريكس»

وكالة «سبوتنيك»  تصور «داعش» في رسوم كارتونية
وكالة «سبوتنيك» تصور «داعش» في رسوم كارتونية

ما إن تحدث «مصيبة» أو «كارثة» في أي من أرجاء الفضاء السوفياتي السابق، حتى يسارع الغرب بكل ما أوتي من «تكنولوجيا عصرية» وما يملك من «مدفعية إعلامية ثقيلة»، ليكيل اتهاماته إلى روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين بوصفه «المدبر والمحرض»، وأحيانا المسؤول شخصيا عن كل الكوارث التي تحل بالبشرية، بما فيها «الطبيعية» على حد زعم الكثيرين من خصومه في العواصم الغربية. واقع يثير الكثير من الدهشة ويدفع إلى المزيد من التأمل والتفكير بحثا عن الأسباب وتقصيا للحقائق.
جاءت الأزمة الأوكرانية لتصب المزيد من الزيت في أتون الخلافات الشخصية بين عدد من الزعماء الغربيين والرئيس الروسي بوتين، على نحو يفتقد إلى الموضوعية ويوغل في إعلاء الخاص على العام. وكانت الأشهر القليلة الماضية شهدت تصاعد حدة العداء الشخصي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونظيره الروسي والتي بلغت حد الكشف علانية عن أن الإدارة الأميركية تضمر الكثير من الكراهية للرئيس بوتين، وتدبر الخطط الرامية إلى الإطاحة به وبنظامه. كما أعلنت واشنطن صراحة عن تبني «الحرب الإعلامية» بوصفها أحد أمضى أسلحة الحرب الباردة، بديلا للمواجهة المسلحة التي تقف متغيرات العصر ضد أي محاولات لاندلاعها في القارة الأوروبية، في الوقت الذي لا تألو فيه الأجهزة الإعلامية الأميركية خاصة والأوروبية عامة، جهدا من أجل تشويه صورة الرئيس الروسي وتصويره في رداء ضابط «كي جي بي» الذي جاء يحمل «الشرور» إلى العالم، وكأنه الأول من كل الزعماء والرؤساء خرج من معطف جهاز الأمن المخابرات ممن اعتلوا قمة السلطة في بلادهم، متناسين تاريخ جورج بوش الأب من موقعه على رأس جهاز المخابرات المركزية الأميركية قبل أن يشغل موقعه في البيت الأبيض وآخرين كثيرين في الماضي والحاضر على حد سواء.
إزاء كل ذلك بدأت موسكو التفكير في كيفية مواجهة هذه الهجمات الشرسة من جانب الأجهزة الإعلامية الغربية التي تحتكر «الإعلام العالمي»، من خلال أشهر وكالات الأنباء مثل «أسوشييتدبرس»، و«رويترز» و«وكالة الصحافة الفرنسية»، والقنوات التلفزيونية وكبريات الصحف والمجلات. وكانت روسيا بدأت بتدشين وكالة «سبوتنيك» التي تناولت «الشرق الأوسط» في تقريرها من موسكو بتاريخ 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، ظروف نشأتها وتوجهاتها، تحت عنوان: «موسكو تطلق وكالة (سبوتنيك) سلاحا إعلاميا في حربها مع البيت الأبيض».
ومن نفس المنظور تقريبا، والرغبة في تقديم العالم «بعيون جديدة بعيدا عن معايير عالم القطب الواحد» تطرح موسكو اليوم فكرة إنشاء منظومة إعلامية جديدة ناطقة بالإنجليزية يمكن أن تكون واجهة إعلامية لبلدان منظمة «بريكس»، التي تضم كلا من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وحول هذه القضية قال سيرغي ماركوف مدير معهد الدراسات الاستراتيجية وعضو «الجمعية الاجتماعية» بضرورة أن تفكر بلدان «بريكس» في إنشاء منظومة إعلامية قوية يمكن أن تكون سبيلا إلى فهم الآخر ونقل ما تملكه هذه البلدان من أفكار وما تتخذه من مواقف تجاه القضايا المحلية والعالمية. وأضاف أن هذه البلدان مدعوة إلى اتخاذ مثل هذا القرار من أجل قيام مثل هذه المنظومة الإعلامية الضخمة، وهو ما قد يكون أحد موضوعات القمة المرتقبة لرؤساء بلدان «بريكس» المقرر عقدها في أوفا عاصمة بشكيريا في يوليو (تموز) من العام الجاري.
وكان الرئيس بوتين سبق وأشار في أحد أحاديثه الصحافية على هامش «قمة العشرين» في نوفمبر الماضي إلى الحرب غير المعلنة من جانب الولايات المتحدة ضد روسيا، وكذلك ما فرضته من عقوبات اقتصادية، وما تمارسه من ضغوط سياسية، وما تشنه أيضا من حروب إعلامية من خلال ما تملكه من وسائل الإعلام المحلية والعالمية. ومن اللافت أن معظم وسائل الإعلام في البلدان النامية ومنها البلدان العربية تستقي معلوماتها عن روسيا والعالم، من مصادر غربية، وقلما تملك شبكة لمراسليها في البلدان الشرقية، ومنها روسيا والصين والهند ما قد يكون وراء الفكرة الروسية حول ضرورة إنشاء منظومة «بريكس» للإعلام. وكانت وكالة «سبوتنيك» بوصفها أكبر المؤسسات الإعلامية في روسيا بما تملكه من قنوات تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية والعربية والإسبانية وإذاعات وصحف عقدت على هامش الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين للقاهرة في فبراير (شباط) الماضي، اتفاق تعاون مع مؤسسة «الاهرام» أكبر وأقدم المؤسسات الصحافية المصرية والعربية يستهدف الخروج من ربقة «التبعية» للوكالات الغربية.
وكانت الأزمة الأوكرانية كشفت الكثير من جوانب القصور الذي اعترى التغطية الإعلامية للكثير من المطبوعات الغربية ووقوعها أسيرة «الرؤية الأحادية الجانب»، بما في ذلك ما اقترن بها من حوادث وأحداث مثل «إسقاط طائرة الركاب الماليزية» فوق أوكرانيا في يوليو الماضي، وما بعد ذلك من تطورات مثل عملية «اغتيال المعارض الروسي اليهودي بوريس نيمتسوف» على مقربة من الكرملين. ونذكر أن دميتري كيسيليوف المدير العام لوكالة «سبوتنيك» أشار في معرض تفسيره للأسباب التي دفعت القيادة الروسية إلى إنشاء هذه الوكالة أن موسكو تقف مناهضة لكل الأشكال الدعائية الغربية التي «يقتات» عليها العالم، ما يفسر رغبتها في تقديم «التفسير البديل». وأشار إلى أن ما سوف تقدمه «سبوتنيك» سيكون «منتجا إعلاميا متميزا خاليا من الفبركة، ويتسم بأكبر قدر من الموضوعية والأمانة التي يحتاجها العالم، وما يعد محاولة لمواجهة سيل الأكاذيب والافتراءات التي تتدفق من مواقع القطب الواحد. ويبدو العالم وقد سئم تكرار محاولات ترويجها وفرضها؛ ولذا، فإن ما سوف يتلقاه المشاهد أو المستمع أو القارئ سيكون من إعداد الصحافيين العاملين في بلادهم، وبما يتلاءم مع احتياجات هذه المناطق المتفرقة من العالم».
على أن موسكو ورغما عن حاجتها لقواها الإعلامية التقليدية المعروفة، عادت وتحت وطأة الضغوط الاقتصادية لتتخذ في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قرارها حول تقليص إحدى أهم وكالاتها للأنباء، وأقدمها تاريخا وشهرة، وهي وكالة أنباء «تاس». وقالت المصادر الرسمية إن الوكالة التي طالما عرفها العالم لسان حال الكرملين والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، قررت إغلاق عدد من أقسامها الناطقة باللغات الأجنبية ومنها العربية، وتقليص عدد العاملين فيها بنسبة 25 في المائة. ونقلت المصادر عن دميتري تساريوف رئيس إدارة الاتصالات في الوكالة قوله إن القرار الخاص بتقليص كوادر الوكالة كان مطروحا للتنفيذ منذ أكثر من عامين في إطار استراتيجية بعيدة المدى تشمل ضمنا إعادة الاسم التاريخي للوكالة من دون «إيتار» التي كانت أضيفت مع مطلع التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كرمز «لروسيا» بدلا من الاتحاد السوفياتي. وبالمناسبة كلمة «تاس» هي الأحرف الأولى للكلمات الأربع التي تعني «الوكالة التلغرافية للاتحاد السوفياتي».
ومضى المسؤول الإعلامي ليقول إن الفترة المقبلة سوف تشهد ضخ الكثير من الكفاءات الشابة المدعوة إلى استعادة مكانة الوكالة وبما يتفق مع متغيرات واحتياجات السوق الإعلامية. وأضاف أن العام الجاري سوف يشهد طفرة إعلامية ملموسة انطلاقا مما تملكه الوكالة من كفاءات سوف تعمل على توظيفها في أماكنها المناسبة، وبما يحقق العوائد الاقتصادية المرجوة، وهو ما يثير الكثير من الشكوك، نظرا لانحسار سوق الإعلان وانخفاض الإقبال على المنتج الإعلامي لوكالات الأنباء الرسمية، في ظل «التخمة» التي يوفرها القطاع الخاص. وبهذه المناسبة نشير إلى أن الكثير من الصحف والمطبوعات الروسية اتخذت موقفا مماثلا مثل صحيفة «ازفيستيا» إحدى أقدم الصحف الروسية التي تصدر اعتبارا من 1917 وقررت مؤخرا تقليص عدد العاملين فيها بنسبة 10 في المائة، بينما أعلنت إدارة «روسيسكايا غازيتا» (الصحيفة الروسية) الناطقة باسم الحكومة الروسية، وصحف أخرى كثيرة عن احتمالات اتخاذ مثل هذا القرار الذي قد ينضم إليه أيضا عدد من الإذاعات والقنوات التلفزيونية المركزية والمحلية والمواقع الإلكترونية في الساحة الإعلامية الروسية.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.