تساؤلات حول سيناريوهات ما بعد تجميد البرلمان التونسي

الرئيس قيس سعيد خلال زيارته لأحد مراكز التلقيح ضد كوفيد جنوب العاصمة تونس (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال زيارته لأحد مراكز التلقيح ضد كوفيد جنوب العاصمة تونس (أ.ف.ب)
TT

تساؤلات حول سيناريوهات ما بعد تجميد البرلمان التونسي

الرئيس قيس سعيد خلال زيارته لأحد مراكز التلقيح ضد كوفيد جنوب العاصمة تونس (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال زيارته لأحد مراكز التلقيح ضد كوفيد جنوب العاصمة تونس (أ.ف.ب)

بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع من لجوء الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، وإقراره تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وتركيز السلطة التنفيذية بيده، لا تزال الساحة السياسية تنتظر الخطوة المقبلة التي سيتخذها الرئيس سعيد، والتي ستكون، حسب مراقبين، محدّدة لمستقبل الأحزاب السياسية، وجميع التغيرات الاجتماعية التي سادت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وفيما تضغط عدة منظمات حقوقية واجتماعية من أجل وضع حد للضبابية التي تكتنف المشهد السياسي الحالي، قرر الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، الطرف الاجتماعي القوي في تونس، إرجاء إعلانه عن «خريطة طريق»، إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وكشف الرئيس عن خطته للانتقال من الوضعية الاستثنائية الحالية إلى الوضع الطبيعي، والوقت الذي ستستغرقه عملية الانتقال السياسي. ووفق ما حصلت عليه «الشرق الأوسط» من معطيات حول «خريطة الطريق» التي تقترحها نقابة العمال؛ فإن المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تتجاوز حدود السنة، على أن يتم بانتهائها تنظيم انتخابات مبكرة بعد استكمال مراحل الإعداد لها، وتتضمن خاصة عودة البرلمان لأداء مهمة وحيدة، وهي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، قبل أن يفوض لرئيس الحكومة المقبل صلاحية إصدار المراسيم، بالإضافة إلى تعديل القانون الانتخابي، والنظر في طبيعة النظام السياسي من قبل لجان خبراء، وعرضهما لاحقاً على الاستفتاء الشعبي.
وفي هذا السياق، كشف سليم اللغماني، أستاذ القانون الدستوري، عن السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي المقبل، بعد لجوء الرئيس إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، الذي يمنحه صلاحيات استثنائية لإدارة الدولة لمدة شهر واحد (تنتهي آجالها في 25 من أغسطس «آب» الحالي). وقال إن السيناريو الأول «يفترض تشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء المهلة الدستورية، على أن يقدمها الرئيس سعيّد لنيل الثقة من البرلمان، وفي حال عدم نيلها الثقة، فإنه يلجأ إلى حلّ البرلمان، وهو ما يعني مواصلة الرئيس العمل بالمراسيم إلى حين انتخاب سلطة برلمانية جديدة. غير أن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها بالاعتماد على نفس القانون الانتخابي سيعيد إنتاج المشهد السياسي ذاته، وبالتالي العودة إلى نفس المشهد السياسي، وهذا لن يحلّ المشكل»، حسب تعبيره.
أمّا السيناريو الثاني، فلن يستند على الإطار الدستوري «بل على المشروعية الشعبية التي يحظى بها الرئيس، والدعم الكبير الذي لقيه من الشارع في 25 من يوليو (تموز) الماضي، وبذلك تكون الخيارات سياسية وليست دستورية».
واعتبر اللغماني أن خيار الخروج عن الإطار الدستوري يقتضي الاستناد إلى مواقف الشارع التونسي والدول الأجنبية المانحة أساساً، موضحاً أنّ تلك المواقف ستكون محددة لخيارات رئيس الجمهورية، على حد تعبيره.
وبشأن خيار اللجوء إلى الوضعية الاستثنائية، قال اللغماني إنّ الفصل 80 الذي اعتمد عليه رئيس الجمهورية في إعلان التدابير الاستثنائية «ينص على أنّ الخطر الداهم يكون خارج مؤسسات الدولة التي يجب أن تلتحم وتتحد، ويكون رئيس الجمهورية قائداً لهذه الوحدة، لكن الوضع في تونس لم يكن كذلك لأنّ الرئيس سعيد اعتمد على قراءة أخرى لهذا الفصل، تعتبر أنّ إحدى مؤسسات السلطة في الدولة (البرلمان) كانت مصدراً لهذا الخطر الداهم الوارد في الدستور التونسي».
على صعيد غير متصل، قال هيثم الزناد، المتحدث باسم الإدارة العامة للجمارك، إن فرقة الحراسة والتفتيش بمنطقة المنستير (وسط شرقي) أوقفت أول من أمس سيارة قاضية تونسية، وحجزت على متنها 438 ألف يورو، و36 ألف دينار تونسي، أي ما قيمته نحو 1.5 مليون دينار تونسي، موضحاً أن هذه السيارة كانت محل مراقبة أمنية منذ نحو شهر، نظرا لارتباطها بشبكة لتهريب الأموال في اتجاه الحدود التونسية - الليبية.
وبعد اعتقالها، أدلت القاضية ببعض التفاصيل حول عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، وهويات الأشخاص الذين هم على علاقة بهذه الشبكة، في انتظار تعميق التحقيق مع جميع العناصر المتهَمة.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».