الجزائر: سجن ولد قدور ينبئ بجرّ وجهاء حكم بوتفليقة إلى التحقيق

رئيس «سوناطراك» في صورة تعود إلى 2017 (وكالة الأنباء الجزائرية)
رئيس «سوناطراك» في صورة تعود إلى 2017 (وكالة الأنباء الجزائرية)
TT

الجزائر: سجن ولد قدور ينبئ بجرّ وجهاء حكم بوتفليقة إلى التحقيق

رئيس «سوناطراك» في صورة تعود إلى 2017 (وكالة الأنباء الجزائرية)
رئيس «سوناطراك» في صورة تعود إلى 2017 (وكالة الأنباء الجزائرية)

يُرتقب أن يجرّ مسؤول كبير بقطاع المحروقات في الجزائر، معه إلى السجن الذي دخله أول من أمس، وجهاء من النظام خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وذلك بعد أن يقدم للقضاء كل ما لديه من معطيات تخص اختلاس مال عام في صفقات ومشروعات، يعود بعضها إلى 2007.
قضى عبد المؤمن ولد قدور، الرئيس التنفيذي سابقاً لشركة «سوناطراك» المملوكة للدولة (الأربعاء)، أول ليلة له في السجن الاحتياطي بعد أن تسلمته السلطات في اليوم نفسه من الإمارات، حيث كان مقيماً منذ عدة أشهر. وقد أودعه قاضي تحقيق متخصص في قضايا فساد، السجن كإجراء أوّلي بعد أن قرأ عليه لائحة اتهامات طويلة. وفي إجراء ثانٍ، يُرتقب أن يستدعيه بعد فترة قصيرة لسماعه في وقائع تخص ملفين:
الأول يتمثل في صفقة شراء مصفاة نفطية من إيطاليا عام 2017 تسمى «أوغستا»، كانت ملكاً لشركة «إكسون موبيل». قيمة الصفقة 720 مليون دولار أميركي. وكان المسعى يومها تقليص فاتورة استيراد المواد النفطية المكررة من الخارج. وأثنى ولد قدور في الإعلام على «المشروع المربح»، على أساس أن «سوناطراك» التي يرأسها، ستجنب الخزينة العمومية إنفاق أموال طائلة على استيراد منتجات مشتقة من النفط، وذلك في زمن قصير.
لكن بعد عزل ولد قدور في 2019 اضطرت الشركة لاقتراض 250 مليون دولار من بنوك أجنبية لتصليح المصفاة التي كانت عاطلة كونها قديمة تعود إلى 70 سنة. وأثبت تحقيق أمني حول القضية أنه تم تضخيم مبلغ شراء «أوغستا» زيادةً على تكاليف إضافية واختلاس أموال طال الصفقة.
وحمَّل التحقيق ولد قدور المسؤولية كاملة، كما تم اتهام وزير الطاقة سابقاً شكيب خليل، الذي يقع تحت طائلة مذكرة اعتقال دولية، وهو مقيم بالولايات المتحدة الأميركية حالياً، مع زوجته وابنيه وهم متابَعون أيضاً بتهم فساد في قضية أخرى.
وأكدت مصادر قضائية تتابع «ملف ولد قدور»، لـ«الشرق الأوسط» أن قاضي التحقيق مهتم بشخصيات نافذة يُحتمل أن لها دوراً في شراء المصفاة. ورجحت أنها كانت في رئاسة الجمهورية. وهناك توقعات بأن فريق محاميي ولد قدور سيطلب السماع للرئيس السابق بوتفليقة، وشقيقه السعيد الذي كان كبير مستشاريه وهو في السجن حالياً، على اعتبار أن ولد قدور ما كان يقدم على صفقة كبيرة كـ«أوغستا» لولا أنه تلقى الضوء الأخضر من الرئاسة. وطالب عشرات المحامين باستدعاء بوتفيلقة إلى المحكمة، بحكم أن موكليهم الوزراء المتابَعين بتهم فساد، أكَدوا أنهم كانوا يأتمرون بأوامره.
وقالت نفس المصادر بهذا الخصوص: «مؤكد أن فرائص عدد كبير من المسؤولين ترتعش حالياً، خوفاً من أن يذكرهم ولد قدور في التحقيق»، مبرزة أن بعضهم يعيش في دول أجنبية تربطها بالجزائر اتفاقات قضائية لتسليم المطلوبين بتهم فساد، من بينها الإمارات التي سلَّمت ولد قدور.
ويخص الملف الثاني صفقات أبرمتها شركة «براون روت آند كوندور»، التي كان يرأسها ولد قدور في 2007 وهي فرع «هاليبرتون» بالجزائر، تخص مشروعات نفطية ومنشآت فنية، أهمها على الإطلاق بناء مقرر وزارة الطاقة بالعاصمة الذي يضم عمارتين كبيرتين، بقيمة 400 مليون دولار. وسيتم إحياء التحقيق في هذا الملف، حسب ذات المصادر القضائية بعد أن طوي في ظروف غامضة، وكان قد أثبت وجود تضخيم في فواتير إنجاز المبنى. ورجحت المصادر أن يأتي على ذكر مسؤولين بارزين في القضية، عندما يبدأ استجواب ولد قدور.
يشار إلى أن القضاء العسكري أدان ولد قدور بالسجن 30 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 على أساس تهمة «إفشاء أسرار تتعلق بالدفاع الوطني لفائدة جهة أجنبية. وقد ارتبطت القضية بشراء «براون روت آند كوندور» عتاداً إلكترونياً أميركياً حديثاً، لفائدة وزارة الدفاع الجزائرية. وبعد فترة من استعماله، تلقّت الجزائر من جهاز الاستخبارات الروسي معلومات مفادها أن معطيات عسكرية مهمة يتم التجسس عليها من طرف الاستخبارات المركزية الأميركية، عبر العتاد الفني الذي اشتراه الجيش الجزائري. وحمّلت السلطات ولد قدور المسؤولية وحده. غير أنه لم يقضِ عقوبة السجن كاملة، بفضل تدخل الرئاسة لصالحه والتي اتهمت مدير المخابرات سابقاً الفريق محمد مدين، بتلفيق التهمة لولد قدور. وبعد فترة قصيرة من مغادرته السجن العسكري، عيَّنه بوتفليقة رئيساً تنفيذياً لـ««سوناطراك»» محْدثاً بذلك مفاجأة من العيار الثقيل.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.