أوروبا
(جيد)
> إخراج: حيدر رشيد
> العراق، إيطاليا (2021)
> دراما | عروض مهرجان «كان»
(قسم نصف شهر المخرجين)
«أوروبا»، أول فيلم روائي طويل لحيدر رشيد، هو فيلم كاميرا ورجل. الأولى تتبع الثاني عن كثب وقد لجأ إلى الغابات البلغارية الكثيفة بعدما تسلل عبر تركيا ليجد نفسه مُطارداً من قِبل صيادي رؤوس عنصريين يريدون منع غزو اللاجئين غير الشرعيين للبلاد. النموذج الماثل هو الشاب كمال (آدم علي) الذي سيمضي ثلاثة أيام من السعي للبقاء حياً في تلك الغابات التي تؤلف النسبة الغالبة من جنوب شرقي البلاد. في مراحل مختلفة سيلتقي بآخرين: بمهاجر آخر سقط برصاص مطارديه. بأحد هؤلاء البلغاريين حاملي السلاح. بامرأة تقود سيارة ثم برجل مسن لا يراه إذ باغته وضربه على رأسه ففقد وعيه.
بين كل حادثة وأخرى الكثير من الهلع والخوف والقلق والكثير من الركض. يجعلك إخراج حيدر وتصوير ياكوبو كاراميلا تعايش الشاب في سعيه الدائم للبقاء حياً من دون أن يعرف إلى أين تقوده قدماه أو ما إذا كان سيبقى حيّاً وكيف.
يدمج المخرج التشويق والوضع الصعب وموضوع الهجرة في كيان عمل واحد مع الالتزام بوضع بطله وترجمة سعيه للبقاء حياً وسط تلك المصاعب وضمن حقيقة أنه في غابة لا يعرف متى تنتهي وإلى أين.
في هذا الشأن فإن المشاق مشهود والوضع المأسوي لبطله واضح. على ذلك وبسبب إصرار المخرج على الالتزام بإيصال الحالة الراصدة عن كثب، يفوته توظيف المكان في بضع مشاهد عامّة. حتى عندما يجد كمال نهراً أو يتسلق جبلاً فإن الكاميرا ملتصقة به إلى حد تفويت فرصة التعامل مع كامل وضعه. في المشهد الذي تقود فيه امرأة بلغارية سيارتها وإلى جانبها كمال (كل مذعور من الآخر) كان من الأجدى تصويرهما من الأمام عوض أن تبقى الكاميرا في المقعد الخلفي وقد فاتها التقاط التعابير معظم الوقت.
«أوروبا» غير معني بكل الحالة الناتجة عن الهجرة. إنه عن التجربة الفردية بمنأى عن خلفياتها وحتى بمنأى عن مستقبلها ما يحفظ وحدة سياقه ويجعله مختلفاً عن أفلام سواه. ينتمي الفيلم إلى سلسلة من أفلام حيدر القصيرة التي تبحث في الهوية الشخصية لمهاجرين أو مولودين من أصول عربية في إيطاليا (كحاله) مثل «على وشك أن تمطر» (2013) و«بلا حدود» (2016) ودائماً بإخراج جيد.
Jungle Cruise
1-2
(جيد)
> إخراج: خوام كوليت - سيرا
> الولايات المتحدة | (2021)
> مغامرات | عروض: صالات السينما
هذا الفيلم الذي اعتلى الرقم الأول في إيرادات الأسبوع الماضي هو فيلم مغامرات مستوحى من أحد متنزهات مدينة ألعاب ديزني الفعلية بالاسم ذاته. يتبلور هذا العمل محاذياً أفلام النوع في الثلاثينات والأربعينات، وبل يقترب - في بعض مشاهده - من مغامرات «إنديانا جونز» من دون الأجندة الخاصّة التي عادة ما نقرأها في تلك السلسلة.
يبدأ «رحلة أدغال» كبداية فيلم «العالم المفقود» (لهاري أو. هويت، 1925) المقتبس عن رواية آرثر كونان دويل وكبداية فيلم «حول العالم في 80 يوماً (مايكل أندرسن، 1956) المبني على أكتاف رواية جول فيرن المعروفة. هذا من حيث إنه في هذين الفيلمين، كما في الفيلم الجديد هناك من يخطب في جمعية من العلماء محاولاً إثبات نظريته ليجد أن من يخطب فيهم لا يصدّقونه. بعد ذلك التمهيد يتغيّر كل شيء. الخطيب الشاب مكروغر (جاك وايتهول) وشقيقته ليلي (إميلي بْلْلنت) يسرقان قلادة من متحف الجمعية ويهربان بها إلى الأمازون وفي نيّتهما الوصول إلى سر الشجرة التي تحتوي على ثمرة من شأنها أن تشفي كل الناس من أي داء.
الفيلم يشفي الناس من داء الضجر الذي واكب العديد من الإنتاجات الهوليوودية بالفعل، فسريعاً ما يدخل في قلب المغامرة مالك قارب نهري قديم اسمه فرانك (دواين جونسون) الذي يأخذ على عاتقه مساعدة الشقيقين الوصول إلى غايتهما رغم كل المصاعب والمخاطر المحدقة. في أثر الجميع الأمير الألماني (والأحداث تقع في مطلع القرن العشرين) يواكيم (جيسي بلمونز) الذي يريد استرداد القلادة والوصول إلى سرّها لمطامعه الخاصة.
المشروع قديم اعتمدته شركة ديزني لكي تنتجه سنة 2005. تواكب على إخراجه وبطولته عدد من السينمائيين لكن تصويره لم يبدأ والمشروع ألغي حينها لأسباب غير موثوقة. ربما هذا التأخير منصب في مصلحة الفيلم، ذلك أن ديزني فتحت اعتماداً على بياض لفناني المؤثرات الخاصة نتج عنه عمل يستفيد من كل العناصر التقنية وتفاصيل المؤثرات الغرافيكية طوال 80 في المائة من مشاهده الصغيرة منها والكبيرة. ما ينجزه المخرج الإسباني الذي اعتدنا مشاهدة أفلامه التشويقية - البوليسية التي حققها من بطولة ليام نيسون (Non - Stop وUnknown على سبيل المثال) هو منح الفيلم معالجة أفلام المغامرات القديمة مدمجة بنجاح مع آخر الابتكارات التقنية.
يشيد الفيلم علاقة حادة بين فرانك والمرأة العنيدة ليلي التي لا تستجيب لأي تعليمات يصدرها فرانك لكن ذلك لن يكون سوى التمهيد لتفاهم لاحق وإعجاب. هذا النحو وحده ليس جديداً لكن كيف سكبه المخرج على نحو غير مقحم هو بيت القصيد. ما يثير الإعجاب ذلك الحوار المكتوب بلغة مختصرة ومرحة. وجدت نفسي أضحك كثيراً إذ يتفوه الممثلون به ضمن شروط إلقاء صحيحة. أكثر الشخصيات إثارة للإعجاب هي تلك التي أداها جيسي بلمونز متقناً اللكنة الألمانية ومتفنناً في جعل دوره مميّزاً. كنا شاهدناه قبل أشهر في دور موظف الـ«إف بي آي» في فيلم «جوداس والمسيح الأسود» لشاكا كينغ.
Bellum - The Daemon of War
(وسط)
> إخراج: ديفيد هرديس، جورج غوتمارك
> السويد، دنمارك | (2021)
> عروض «فيزيون دو ريل» للسينما التسجيلية
حسب قاموس مريام - وبستر فإن كلمة Bellum فارسية قديمة تعني «القارب الذي يعلوه ثمانية أشخاص ويستخدم المجاديف». حسب الفيلم فإن الكلمة تتبلور صوب معنى آخر هو «القوّة الممهدة للحرب». وهو يتداول فعلياً هذا المنظور ويوضّح كيف توفّر صناعة الأسلحة التكنولوجيا الحديثة للقتل. وعن هذا المنظور يتفرّع حديث عن وضع صناعة الأسلحة بعد الحرب العالمية الثانية وعن تأثير ذلك على الطبيعة البشرية.
للتدليل على وضع ودور صناعة السلاح اليوم، نتابع موظّفاً في شركة سويدية وهو يشرح، على طاولة العشاء، منافع التطوّر الجديد الذي توفره شركته لسلاحها. ثم يسأل عن هوية عمل الشركة الأميركية التي تجلس معه. يسأل مندوبيها إذا ما كانت «حكومية - حكومية أو حكومية مرتبطة بشركات مستقلة؟». يأتيه الجواب لولبياً: «شركتنا غير منتمية. تبيع للخاص وللعام».
في المشاهد التالية نرى رجلين يستخدمان بندقية بمنظار بعيد يمكنهما من إصابة الهدف بدقة. قد لا يكون ذلك كافياً لإدانة ما لكنه يوحي بأن حياة الضحايا (جنود أو مدنيين) لم تعد تساوي الرصاصة، وأن الحروب لم تعد مواجهات عسكرية كما كان الحال قبل خمسين سنة. مع تفرّع الفيلم إلى وجهات أخرى (الوضع الأفغانستاني من زاوية مصوّرة فوتوغرافية معنية بما يسميه الفيلم «حرب النواظير».
يخفق الفيلم في توفير مفهوم نهائي لما هو مقصود طرحه، لكن المخرجين يوفران بدل ذلك إيحاءات حول الحرب وإمكانياتها ودور التكنولوجيا الحديثة التي قد تحمي من يملكها وتبيد من لا يملكها.