أفغانستان: دعوات للمدنيين لإخلاء عاصمة هلمند على وقع معارك مع «طالبان»

أفغان خارج مستشفى لشكرجاه بعد نقل ضحايا وجرحى عقب انفجار قنبلة بعاصمة هلمند أمس (إ.ب.أ)
أفغان خارج مستشفى لشكرجاه بعد نقل ضحايا وجرحى عقب انفجار قنبلة بعاصمة هلمند أمس (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان: دعوات للمدنيين لإخلاء عاصمة هلمند على وقع معارك مع «طالبان»

أفغان خارج مستشفى لشكرجاه بعد نقل ضحايا وجرحى عقب انفجار قنبلة بعاصمة هلمند أمس (إ.ب.أ)
أفغان خارج مستشفى لشكرجاه بعد نقل ضحايا وجرحى عقب انفجار قنبلة بعاصمة هلمند أمس (إ.ب.أ)

حضّ الجيش الأفغاني، أمس الثلاثاء، المدنيين على إخلاء مدينة لشكرجاه، عاصمة ولاية هلمند في جنوب البلاد، تمهيداً لشن هجوم على متمردي «طالبان»، على وقع مواجهات مستمرة منذ أيام. وخاطب الجنرال سامي سادات، القائد العسكري الأعلى رتبة في جنوب البلاد، سكان المدينة في تسجيل صوتي وزّعه على وسائل الإعلام وطلب بثّه: «نطلب منكم أن تغادروا منازلكم في أسرع وقت... سنواجه» متمردي طالبان «ونقاتلهم بقوة». وأضاف: «لن نترك أي (عنصر من) طالبان على قيد الحياة... يُرجى المغادرة في أسرع وقت ممكن حتى نتمكّن من بدء عمليتنا». وجاء نداء الجيش بعد وقت قصير من إحصاء بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، في تغريدة، مقتل 40 مدنياً على الأقل وإصابة 118 آخرين بجروح في الساعات الـ24 الأخيرة، خلال المعارك في لشكرجاه، حيث يقيم مائتا ألف نسمة.
وأبدت البعثة «قلقها الشديد» إزاء مأزق المدنيين العالقين. وحضّت على «وقف فوري للقتال في المناطق الحضرية». وقال مدير إذاعة «سوكون» في المدينة، صفات الله، لوكالة الصحافة الفرنسية: «اشتدّ القتال هذا الصباح» (أمس). وأوضح أن «قاذفات أميركية من طراز (بي52) والقوات الجوية الأفغانية قصفت مواقع (طالبان)»، متحدثاً عن قتال مستمر قرب سجن المدينة ومبنى يضم مقرات الشرطة وأجهزة الاستخبارات. وتشكل مدينة لشكرجاه منذ أيام مسرحاً لمعارك عنيفة بعد محاصرتها من قبل متمردي «طالبان» الذين سيطروا وفق ما قال مسؤولون أفغان أمس على 15 قناة إذاعية وتلفزيونية محلية في المدينة. وارتفع مستوى العنف في أنحاء أفغانستان منذ مطلع مايو (أيار) الماضي عندما أطلقت «طالبان» عملية في أجزاء واسعة من البلاد تزامناً مع بدء الجيش الأميركي آخر مراحل انسحابه، مسدلاً الستار على حرب استمرت 20 عاماً. وأبدت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان في تغريدة أمس «قلقها الشديد» إزاء المأزق الذي يواجهه المدنيون في لشكرجاه، بعد حصيلة القتلى المرتفعة. وحضّت على «وقف فوري للقتال في المناطق الحضرية». وجاءت الحصيلة بعد ساعات من تحذير البعثة أمس من أنّ «هجوم (طالبان) البري والضربات الجوية للجيش الأفغاني تسببت بأكبر قدر من الضرر» على المدنيين. وأعربت عن «مخاوف عميقة إزاء إطلاق النار العشوائي وإلحاق الضرر» بالمرافق الصحية ومنازل المدنيين. وتسببت المعارك في أنحاء البلاد في نزوح نحو 80 ألف طفل منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي، وفق ما أفادت به منظمة «سايف ذي تشيلدرن» أمس، مشيرة إلى تضرر العديد من المدارس والمرافق الصحية جراء القتال. الأسبوع الماضي، توقعت الأمم المتحدة أن تسجل هذا العام أكبر عدد من الضحايا المدنيين منذ عام 2009 عندما بدأت بتسجيل الحصيلة السنوية. وأحصت البعثة مقتل 1659 مدنياً وجرح 3254 آخرين في النصف الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 47 في المائة مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي. وسقط نصف القتلى خلال الشهرين الأولين من هجوم «طالبان». وقالت إن الحصيلة «مروعة»، مؤكدة أن نحو نصف الضحايا المدنيين الذين تم تسجيلهم في النصف الأول من العام هم من النساء والأطفال. وتعرضت مكاتب البعثة في مدينة هرات لهجوم الجمعة، أودى بحياة شرطي أفغاني. وقال صفات الله، مدير إذاعة «سوكون» في عاصمة هلمند: «اشتدّ القتال هذا الصباح». وأوضح أن «قاذفات أميركية من طراز (بي52) والقوات الجوية الأفغانية قصفت مواقع (طالبان)» متحدثاً عن قتال مستمر قرب سجن المدينة ومبنى يضم مقرات الشرطة وأجهزة الاستخبارات. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، عن شنّ سلاح الجو الأميركي غارات في لشكرجاه، في وقت تكثّفت فيه وتيرة الغارات الأميركية خلال الأيام الأخيرة في أنحاء البلاد، في محاولة لوقف تقدّم «طالبان». وأوضح صفات الله أن إذاعته توقفت «عن البث منذ يومين؛ لأن (طالبان) استولت على مبنى محطتنا». وأفاد مسؤولون أفغان أمس بسيطرة حركة «طالبان» على 11 محطة إذاعية و4 محطات تلفزيونية في المدينة. وعلّقت وزارة الإعلام والثقافة: «لا يريد الإرهابيون لوسائل الإعلام أن تنشر الحقائق وتكشف مظالمهم». ومن شأن خسارة السيطرة على لشكرجاه أن تشكل ضربة كبرى، استراتيجية ومعنوية، للحكومة الأفغانية، التي تعهدت بالدفاع عن المدن الرئيسية وعواصم الولايات الكبرى، بعدما خسرت مناطق ريفية واسعة على وقع تقدّم «طالبان». ولم تبد القوات الأفغانية مقاومة شديدة أمام تقدم «طالبان»، ولم تعد تسيطر سوى على المحاور الكبرى الرئيسية وعواصم الولايات التي بات بعضها محاصراً. وقال مسؤولون في هرات إن القوات الحكومية تمكنت من صدّ المتمردين من أنحاء عدّة بالمدينة، بما فيها محيط المطار، الذي يُعدّ شرياناً حيوياً لإيصال الإمدادات. وهتف مئات السكان: «الله أكبر» من على أسطح منازلهم، بعدما تمكنت القوات الحكومية من صدّ هجوم للمتمردين.
وأفاد المتحدث باسم حاكم هرات جيلاني فرهاد لوكالة الصحافة الفرنسية بأن «قوات الأمن الأفغانية وقوات المقاومة أطلقت عملية كبيرة في غرب المدينة». وأكّد مسؤول آخر أن الولايات المتحدة شنّت غارات ليلاً في هرات. واتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا، أول من أمس، «طالبان» بقتل «عشرات المدنيين في عمليات قتل ثأرية... يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب» في بلدة سبين بولداك الواقعة على الحدود مع باكستان. وجاء الاتهام بعد إعلان لجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان أن المتمردين ارتكبوا عمليات قتل ثأرية في البلدة، مما أودى بحياة 40 شخصاً على الأقل. وحذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء حركة «طالبان» من الاستيلاء على السلطة بالقوة و«ارتكاب فظائع بحق شعبها»، مؤكداً أن ذلك سيجعل من أفغانستان «دولة منبوذة».



الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».